التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, يونيو 17, 2024

السعودية وداعش: الأمن الحسي أم الأمن الفكري؟ 

يعتبر الأمن أحد أهم الأصول في الحياة البشرية حيث لا يمكن للحياة أن تنمو وتزدهر من دون تحقيق “الرخاء الامني”، لذلك عندما يدخل أي بلد في نفق الإرهاب واللاأمن المظلم، يترتّب عليه دفع تكلفة باهظة الثمن لمواجهة هذا التحدي فضلاً عن الخروج منه. نجحت السعودية لفترة طويلة في تحقيق الإستقرار الأمني الحسي(لا الفكري) حيث شكّلت إزدواجيتها في التعاطي مع الجماعات الإرهابية والتهديدات الامنية عاملاً رئيسياً لوصول لهب هذه الجماعات إلى ثوبها.

وبُنيت السياسة السعودية في سبيل تحقيق الأمن الحسي على قاعدتين أساسيتين في التعاطي مع الجماعات التكفيرية، بدءاً من تنظيم القاعدة ووصولاً إلى تنظيم داعش الإرهابي، هما محاربة الإرهاب في الداخل وتوظيفه في الخارج لمصالحها السياسية. إلا أن تركيز الرياض على الأمن الحسي من دون الإلتفات إلى الأمن الفكري جعلها مرتعاً لضربات الجماعات التكفيرية بين الفينة والأخرى سواءً في السابق (تنظيم القاعدة) أو حالياً(تنظيم داعش الإرهابي). فما هو الأمن الذاتي وما هو الأمن الفكري؟ وهل يمكن أن يتحقق الأمن الحسي دون أن يتحقق الأمن الفكري؟ وما هو واقع السعودية في هذا السياق؟

 

الأمن الحسي والأمن الفكري 

يُعرف الأمن الحسي (المعنى المتعارف للأمن)، بالأمن العام بجميع الوسائل الحسية والمادية في مكافحة الجريمة والإرهاب والعدوان الخارجي، حيث تسهر الأجهزة المختلفة من جيش وشرطة وحرس حدود و.. على تأمينه، في المقابل يُعرف الأمن الفكري بالأمن المعنوي لحماية الأفكار والمعتقدات والقيم التي يتبناها الرأي العام والتي ستتحول فيما بعد إلى سلوك، وكذلك تقوم بها العديد من الجهات المختصّة من خطباء مساجد، جامعات، مؤتمرات، ندوات ثقافية وغيرها.

وتعتبر العلاقة بين الأمنين الحسي والفكري طردية بإمتياز، اذ أن أي محاولة للإخلال بالأمن الحسي تنعكس على الأمن الفكري للمجتمع والعكس صحيح، إلا أنه وبسبب تركيز أغلب الدول لاسيّما في منطقتنا على معالجة النتيجة لا الأسباب أي الأمن الحسي لا الأمن الفكري لا بد من التركيز على أهمية الامن الفكري وعلاقته بالامن الحسي.

لم تكن قضية الامن الفكري وليدة الامس، بل قضية موجودة على مرّ الأزمنة والعصور، إذ يحتلّ الأمن الفكريّ أهميّة قصوى باعتبار أنه يحقق استقرار المجتمع من خلال التصديّ للإنحراف الفكري. وبالتالي إنّ هذا الإنحراف الفكري وما يخلّفه من آثار سلبيّة على المجتمع وأفراده، يجعل من الأمن الفكريّ ضرورة حتميّة بإعتباره يعد من أهمّ الدّوافع والأسباب للجنوح للعنف والإرهاب. إن الأمن الفكري مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق جميع المؤسسات المجتمعية المختلفة ابتداء بالفرد ثم بالأسرة ثم المدرسة فالجامعة والمسجد ووسائل الإعلام المختلفة وبقية المؤسسات المجتمعية إضافةً إلى المؤسسات الامنية المختلفة، لذلك فإن أي تقصير من أي من هذه المؤسسات ستكون عاقبته وخيمة على كافّة أبناء المجتمع وهذا ما لمسناه بعد ما سُمي بـ”الربيع العربي”.

اذاً يحتل الأمن الفكري مقام الرأس من الجسد، فالأمن الفكري في مقام الرأس وبقية أنواع الأمن تمثل بقية أعضاء الجسد. فمتى ظهر الخلل في الامن الفكري، سيسري هذا الخلل تلقائياً على أنواع الأمن الأخرى، سواء الامن الإجتماعي، والأمن السياسي، والأمن الإعلامي، والأمن الغذائي، والأمن السلوكي. ولكن هل نجحت السعودية في هذا السياق؟ 

 

السعودية ونظرية الأمن الفكري

لم تكن الهجمات الداعشية على الرياض وليدة الصدفة، حيث يحتل السعوديون المرتبة الاولى بين مقاتلي داعش الإرهابي من الناحية العددية، كذلك وعند الحديث عن البيئة الحاضنة لهذه الجماعات السعودية فحدث ولا حرج، ولعل هذا الامر هو الذي دفع بعضو مجلس الشورى السعودي سابقاً الدكتور خليل الخليل إلى إعتبار أن “٦٠ بالمئة من الشباب السعودي جاهزون للالتحاق بتنظيم داعش (الإرهابي)”. 

 

وعند الحديث عن مواجهة السعودية مع داعش الإرهابي لا بد من ذكر النقاط التالية:

أولاً: ساهمت السياسة السعودية الغنية بالأفكار الوهابية المتطرفة في إضفاء نوع من القوّة على التنظيمات الإرهابية التي قامت على الاموال والشباب السعودي، إلا أنها تعاملت بحزم مع أي محاولة لإنتقال هذه الأعمال إلى الداخل.

ثانياً: تعتبر التفجيرات الإرهابية في مساجد المنطقة الشرقية، وكذلك إلقاء السلطات السعودية القبض على المئات من عناصر التنظيم الإرهابي ضربة قويّة لسياسة الرياض المزدوجة في إبعاد نار الجماعات الإرهابية عن ثوبها.

ثالثاً: يبدو أن السلطات السعودية وبسبب مرض التطرف المستشري في الجماعة الوهابية داخل المجتمع السعودي، تلجأ حالياً إلى الأمن الحسي فقط، بإعتبار أن المواجهة الفكرية مع الجماعات الوهابية أمر غير ممكن في الوضع الراهن. وإن أي مواجهة بين آل سعود وآل الشيخ قد تفضي إلى إنقسام داخلي يطيح بالنظام الحاكم. 

السعودية على موعد قريب مع هزات أمنية اذاما فشلت في معالجة الجذور الفكرية للتطرف السعودي، وحتى إذاما نجحت ظرفياً في تأمين الامن الحسي عبر خطوات جريئة كالتعاون مع سوريا وإيران والعراق لضرب الإرهاب، إلا أن غياب المواجهة الفكرية يعني من الناحية الإستراتيجية سقوط النظام الحاكم.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق