التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, أكتوبر 13, 2024

الإدارة الأمريكية وتخبطها السياسيّ في سوريا 

نشرت جريدة “واشنطن بوست” تقريرًا أفاد بأن ثلاثة أعضاء من الكونغرس الأمريكي قاموا بزيارة معبر باب السلامة الحدودي يوم الأحد الماضي، يُعتبر هذا الحدث الأول من نوعه منذ عام 2018، حيث قام مشرعون أمريكيون بزيارة رسمية إلى سوريا ودون إذن الحكومة السورية، وقد استُقبِل الوفد بحفاوة من المعارضة وقد تم الزج بمجموعة من الأطفال الأيتام، حيث قاموا بتقديم باقات الزهور ترحيبًا بالضيوف الأمريكيين، كما ظهرت لافتة باللغة الإنجليزية تحمل عبارة “مرحبًا بكم في سوريا الحرة”، على حد تعبيرهم، وكان هدف الزيارة هو مزاعم التعبير عن التضامن مع الأفراد الذين يواجهون ظروفًا صعبة في مناطق تقع خارج نطاق السيطرة الحكومية السورية، ومع ذلك، فإن الزيارة كانت قصيرة بشكل غير عادي من حيث معايير الزيارات الرسمية وغير واضحة المعالم والنتائج، إذ استغرقت حوالي نصف ساعة فقط، وذلك على مسافة قريبة من الحدود التركية.

زيارة خاطفة وغير شرعية

كان النواب الجمهوريون، وهم: فرينش هيل من ولاية أركنساس، وبن كلاين من ولاية فرجينيا، وسكوت فيتزجيرالد من ولاية ويسكونسن، يخططون لإجراء رحلة أطول تشمل عدة بلدات سورية، ومع ذلك، تم إلغاء هذه الرحلة من قبل وزارة الخارجية بناءً على مخاوف أمنية، حسبما ادعى المنظمون، وذكرت الصحيفة أن تغيير جدول الزيارة يسلط الضوء على استمرار الصراع والنهج المعقّد الذي تتّبعه الولايات المتحدة فيما يتعلق بسوريا، وعلى الرغم من أنها تظل شريكًا نشطًا في المنطقة بموجب وجودها العسكري الاحتلالي وفرضها لعقوبات واسعة النطاق على الشعب السوري.

وبعد نصف ساعة فقط من وصول أعضاء الكونغرس إلى سوريا، غادروا البلاد في قافلة من السيارات المدرعة، وتمت إزالة لافتة “سوريا الحرة” من الحائط، وبعد مرور اثنتي عشرة عامًا على بداية الأحداث في سوريا التي أصبحت ساحة للصراع الدولي، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، لا تزال سوريا تعاني من التقسيم وعدم الاستقرار، فقوات المعارضة المدعومة من الخارج تسيطر على مناطق كبيرة في شمال البلاد، بينما تسيطر الحكومة السورية، التي تحظى بدعم حلفائها وعلى رأسهم روسيا وإيران، على مناطق أخرى من البلاد بصورة كبيرة، ومع ذلك، تظل دول جيران سوريا وبعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط – بما في ذلك تلك التي كانت تقدم دعمًا للمعارضة في السابق – تراهن على استمرارية حكم الرئيس السوري بشار الأسد، ويمكن أن يتحقق ذلك إما من خلال تحسين علاقاتهم مع دمشق أو من خلال الإشارة إلى نيتهم للقيام بذلك في المستقبل.

ووراء التدخلات الأمريكية السافرة نجد القلق العميق بسبب استمرار الحرب الدائرة في سوريا دون نهاية والتي تظل مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار في المنطقة، وفيما يتعلق بلبنان وتركيا، فقد شهدت المشاعر تحولاً سلبياً نحو ملايين اللاجئين السوريين، حيث بدأت الحكومتان عمليات ترحيلهم إلى بلادهم، وذلك على الرغم من اعتراضات منظمات حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه، تواجه علاقات سوريا ودول الخليج تحديات كبيرة وغير واضحة التفاصيل حتى اللحظة، وبالرغم من ذلك، قامت إدارة الرئيس بايدن بالمعارضة الشديدة لفكرة تطبيع العلاقات مع الجمهورية السورية، وحذّرت شركاءها الإقليميين من القيام بهذا الإجراء، وفيما يتعلق بالزيارة، صرّح النائب فرينش هيل في مقابلة بعد العودة: “لكن الأمور قد تغيّرت”، مشيرًا إلى الترحيب المحتمل بعودة سوريا إلى الجامعة العربية في شهر مايو، وقد طرح سؤال حاسم: “إذن، كيف يمكننا استغلال التأثير الأمريكي لتعزيز التغيير الحقيقي؟”.

وأضاف هيل: “بصفتي عضوًا في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، فأنا غير متأكد من سياسة إدارة الرئيس بايدن تجاه سوريا أو أهدافها”.

وأشار إلى أن زيارته إلى سوريا، إضافة إلى رحلات أخرى إلى عواصم إقليمية خلال الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك بغداد والرياض، “تساعدني في التفكير في الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها، وما هي الطريقة الصحيحة لصياغة” نهج للتعامل مع تلك التحديات الصراعية، حيث شهدت مناطق الجنوب السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة احتجاجات، وذلك على خلفية قرار خفض الدعم الحكومي للوقود والأوضاع المعيشية الصعبة.

وأشارت الصحيفة إلى أن القضايا التي تعصف بالبلاد ليست محصورة على الساحة السياسية فقط، فقد شهدت تلك المناطق في شهر فبراير ضربتي زلزال ضخمتين ضربتا تركيا وشمال سوريا، ما أسفر عن وفاة آلاف الأشخاص، وألقت التأخر في الاستجابة الإنسانية العالمية لهذه المأساة الضوء على المنطقة القانونية غير المحددة التي تشهدها مناطق شمال غرب سوريا، تلك المناطق تعد ممنوعة على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بسبب وجود جماعات مسلحة، ومع ذلك، تستضيف ملايين من السوريين الذين يتلقون دعماً من المجتمع الدولي، وعلى بُعد أميال قليلة فقط من المعبر الحدودي الذي كان من المقرر أن يسلكه المشرعون يوم الأحد، تمت إقامة مخيمات مؤقتة في بساتين الزيتون لاستضافة النازحين بسبب الزلزال، وتتألف هذه المخيمات من 42 عائلة تعيش في خيام، ويعد العديد منهم من سكان بلدة جنديرس المدمرة. لقد تم نزوح هؤلاء الأشخاص أكثر من مرة منذ عام 2011.

من ناحية ثانية، أضاف هيل إنه على الرغم من اختصار رحلته، “نجح” وفد الكونغرس في التقاء بالأشخاص الذين كانوا يخططون لمقابلتهم في سوريا، وضمت هذه اللقاءات عمال “الخوذ البيضاء” المدعومة خارجيا والتي تتهم من الحكومة السورية بالتواطؤ، وأعضاء من المعارضة السياسية السورية التابعة لتركيا، وإن وجود هؤلاء الأفراد يمثل سبب وأهداف الزيارة المشكوكة للولايات المتحدة، وفي حفل العشاء الذي أُقيم مساء الأحد في تركيا بحضور أعضاء من الكونغرس، سُمعت مسؤولة من وزارة الخارجية وهي تسأل النساء اللاتي كن يُدرّبن قوائم الضيوف عما إذا كان هناك أي “ممثلين عن الجماعات المسلحة” في الحفل، وكان هذا يظهر كجهد للتأكد من عدم وقوع أي حوادث تمس كرامة الولايات المتحدة المفضوحة في منطقتنا، وعندما دُعي هيل إلى المنصة للكلمة، قال للحضور: “تأكدوا أن للشعب السوري صديقًا في واشنطن العاصمة، نتمنى رؤية السوريين وهم يعودون إلى بيوتهم”، على حد زعمه.

تدخل أمريكي سافر بالشؤون السورية

لا يخفى على أحد أن التدخل الأمريكي في النزاع السوري يمثل موضوعًا معقدًا ومشوّقًا يستدعي النظر بعمق، فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، بدأت الولايات المتحدة دعم المعارضة السورية المتشددة، وقد استمر هذا الدعم في شكل مساعدات مالية وعسكرية، وهدفه الرئيسي كان الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان يعارض سياسة واشنطن في المنطقة وبالأخص دعمها اللامحدود للصهاينة.

في البداية، بدأت الولايات المتحدة دعم المعارضة السورية منذ بداية الأزمة في سوريا في عام 2011، ويمثل هذا الدعم مساعدات مالية وعسكرية لمجموعات معارضة تهدف إلى الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، المعروف بعدائه الكبير لسياسة الولايات المتحدة، وفي سبتمبر 2014، قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع دول أخرى لمحاربة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وشملت هذه الجهود غارات جوية ودعمًا للقوات المحلية في محاربة “داعش”، لكن الحقائق كشفت دعم أمريكا لـ”داعش” وتمويلها وفقاً لاعترافات مسؤولين أمريكيين بارزين.

وفي عامي 2017 و2018، قامت الولايات المتحدة بشن ضربات جوية محددة ضد مواقع للجيش السوري، وحاولت إلصاق تهمة استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين بالحكومة السورية، عبر تقارير مفبركة، لاستخدامها في نفس الأسلوب في العراق، وفي عام 2019، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرار سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، لكن الحكومة الأمريكية خدعت العالم واستمرت في سرقة الثروات السورية ومحاولة تقسيم البلاد ودعم الانفصاليين.

واليوم، الولايات المتحدة تقدم في التصريحات فقط دعمًا إنسانيًا للسوريين المتضررين من النزاع الذي كانت سببا فيه، بما في ذلك المساعدات الغذائية والطبية والمأوى، لكن السوريين الذين بات 95% منهم تحت خط الفقر لم يروا شيئاً من تلك المساعدات، بل ينظرون إلى حقول نفطهم الواقعة تحت سيطرة قوات الاحتلال وهي تنهب عبر العربات الأمريكية إلى العراق، وإن الولايات المتحدة شاركت في عدة جهود دبلوماسية لمنع التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا، بما في ذلك عمليات جنيف وآستانة، ويجب ملاحظة أن السياق السياسي والعسكري في سوريا يتطور بشكل سلبي مستمر نتيجة التدخل الفاضح للبيت الأبيض، وتغيرت استراتيجية الولايات المتحدة مع تغير الإدارات الأمريكية بشكل أسوأ، ويمكن أن يتغير الوضع وفقًا للتطورات الجارية في المنطقة إلى مرحلة خطيرة مع التعنت الأمريكيّ الكبير، ومحاولة إسقاط معادلة سوريا، ودعم الكيان الإسرائيليّ الإرهابيّ بشتى الطرق.

في الختام، تبرز تهم كثيرة توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بتدخلها في الأزمة في سوريا، وتهم بشن الولايات المتحدة عمليات عسكرية في سوريا ودخول أراضيها من دون تفويض من الحكومة السورية أو موافقة من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يُعتبر انتهاكًا للسيادة الوطنية السورية بموجب القانون الدولي، إضافة إلى ذلك، تُشير الاتهامات إلى دعم مالي وعسكري من الولايات المتحدة لمجموعات معارضة في سوريا، بما في ذلك تلك التي اتهمت بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب. كما تقف الولايات المتحدة في طريق التعاون مع الحكومة السورية فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة إعمار البلاد. وتُوجه الانتقادات أيضًا إلى الولايات المتحدة بسبب سيطرتها على مناطق تحتوي على موارد نفطية في شرق سوريا ومحاولتها منع دمشق والشعب السوري من الاستفادة منها.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق