التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أبريل 20, 2024

النفوذ الفرنسي في المنطقة بذرائع اقتصادية… جرائم حرب بفضل السعودية والإمارات 

تُظهر الأدلة أنه في السنوات الأخيرة، سعت فرنسا إلى نفوذ سياسي وحتى عسكري في المنطقة، من خلال إقامة علاقات اقتصادية ظاهريًا مع بعض البلدان في منطقة الخليج الفارسي.

وعلى الرغم من أن باريس لا يبدو أنها تلعب دورًا مهمًا في أزمات الشرق الأوسط، إلا أن أيديها ملطخة بدماء اليمنيين من خلال بيع الأسلحة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، وبتحريك أدواتها العديدة في دول مثل السعودية، تحاول محو بصماتها في هذه الأزمات.

في التقرير التالي، سنتعرف على المزيد حول دور فرنسا في الشرق الأوسط وأدواتها في المنطقة.

وسام الشرف للمرتزقة في المنطقة

قبل ثماني سنوات، عندما حصل محمد بن لادن على وسام “جوقة الشرف”(الدرجة الأولى من أعلى وسام في فرنسا، أي لژیون دونور “جوقة المانحين”) من الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند، لم يعرفه سوى القليل.

بالطبع، لا يزال اسمه في الظل تمامًا، وربما يُشتبه اسمه مع كبير أسرته، أسامة بن لادن، أو غيره من أفراد عائلته الثرية.

أكمل بن لادن دراساته الأكاديمية في باريس. في ذلك الوقت، كان قد تولى لتوه رئاسة مجلس الأعمال السعودي الفرنسي. وبعد ثماني سنوات من تألق محمد بن لادن في تعزيز العلاقات الاقتصادية الفرنسية السعودية، قبل أسابيع قليلة، كرمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برتبة ضابط، وهي ثاني أعلى وسام في فرنسا. وقد حدث ذلك في آخر يوم من عام 2021، بعد زيارة ماكرون للدول العربية في المنطقة، في صمت إخباري تام.

في الوقت نفسه، قدَّم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان هذا الوسام لآخرين مثل “محمد بن ظاهر المنجد” و”جان مارك بودين”، اللذين يشاركان بنشاط في التجارة بين الرياض وباريس. ومن المثير للاهتمام أن هؤلاء الأشخاص هم خلف الكواليس تمامًا، ولا يتم نشر سوى القليل من المعلومات عنهم في وسائل الإعلام.

على الرغم من أن هذا الوسام الفرنسي هو وسام فخري وليس امتيازًا ماليًا أو قانونيًا لحامله، إلا أن استلامه في السياسة الخارجية الفرنسية يعني أن الحكومة تدعم الشخص الذي يحمل الوسام، ويعكس نهج الحکومة الفرنسية في التعامل مع الشخصيات والأحداث الأجنبية.

على سبيل المثال، أدت خدمات محمد بن نايف، ولي عهد السعودية السابق ورئيس جهاز المخابرات السعودي آنذاك، إلى الدول الغربية في عام 2016، وكذلك في خضم الحرب السورية خاصةً، إلى نجاحه في الحصول على لقب الفارس. وبعد بضعة أشهر، منحته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وسام “جورج تينيت” لأنشطته في “مكافحة الإرهاب” و”السلام والأمن”.

لكن وسائل الإعلام لم تلتزم الصمت حيال هذه السياسة الفرنسية وانتقدت هولاند، رئيس البلاد آنذاك، لمنحه وسام الشرف لابن نايف. وجاء هذا الانتقاد لكونه أحد مرتكبي المذبحة الوحشية بحق الشيعة، ولا سيما “نمر باقر النمر”، الزعيم الشيعي السعودي، في يناير من ذلك العام.

لكن عندما حصل محمد بن لادن، وهو شخصية سعودية مؤثرة من وراء الكواليس، على وسام جوقة الشرف للمرة الثانية، التزمت وسائل الإعلام الصمت. والسبب في هذا الصمت هو أنه على عكس حالة بن نايف، حيث كانت سياسة باريس عدائيةً بشكل علني ومباشر، كان محمد بن لادن شخصيةً اقتصاديةً ونقيةً في الظاهر.

ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو، لماذا أصبحت شخصية اقتصادية تحظى بهذه الشعبية الكبيرة في باريس؟ وهل تغيرت السياسة الفرنسية تجاه الدول العربية في المنطقة، أم إن السياسة نفسها ستطبق هذه المرة بغطاء اقتصادي؟

مصالح فرنسا الاقتصادية في بيع الأسلحة العسكرية

بعد إصدار وثيقة الرؤية العشرية للسعودية المسماة “رؤية 2030″، ادعى بعض المسؤولين السعوديين مؤخرًا أن البلاد ستنفق أكثر من 20 مليار دولار على المعدات العسكرية. ومن المحتمل أن يذهب جزء كبير من هذه الميزانية إلى الشركات الفرنسية.

والآن، إذا أضفنا أن محمد بن لادن(الحامل لوسام جوقة الشرف من الدرجة الثانية) هو كبير مستشاري الشركة العسكرية الفرنسية “تاليس” في السعودية، تصبح سياسة باريس “الاقتصادية” في المنطقة أكثر وضوحًا.

من ناحية أخرى، تسلَّم جان مارك بودين، رئيس شبكة تاليس الدولية، وسام جوقة الشرف منذ أسابيع قليلة، بالتزامن مع محمد بن لادن.

في عالم الاقتصاد، ليست هذه هي المرة الأولى التي يجلب البائع فيها المشتري ووسيط الشراء معاً. وما يثير الاهتمام معرفة أن محمد بن ظاهر المنجد الحاصل على وسام الشرف الفرنسي، هو أيضا رئيس الدائرة المالية في “الاتحاد الفرنسي في السعودية”.

يقع المقر الرئيسي للمنجد في جدة، التي تقع في موقع استراتيجي بعيدًا عن الرياض(مقر الملك سلمان ومحمد بن سلمان)، ومن هناك يوقع أحيانًا عقودًا مستقلةً مع شركات فرنسية.

على سبيل المثال، من بين المناصب المختلفة التي يشغلها المنجد عضوية مجلس إدارة الشركة السعودية “كنداسة لخدمات المياه”، وطالب مؤخرًا، عبر عقد مع شركة “فيوليا” الفرنسية، بافتتاح محطة لتحلية مياه البحر في جدة.

تعدّ فرنسا ثالث أكبر مصدر للصناعات العسكرية بعد الولايات المتحدة وروسيا. ومن عام 2015 إلى 2019 وحده، نمت صادرات المعدات العسكرية الفرنسية بنسبة 72٪.

من ناحية أخرى، حتى في عام 2020، عندما أثَّر وباء كورونا على الاقتصاد العالمي، كانت السعودية أكبر مستورد للأسلحة العسكرية من فرنسا، حيث أنفقت 703 ملايين دولار.

ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن معظم هذه الأسلحة كانت استراتيجيةً، وفي مجال الرادار وتتبع الأقمار الصناعية وأنظمة المراقبة وروبوتات الاستطلاع البحري، والأكثر إثارةً للاهتمام أن جزءًا كبيرًا من هذه العقود كانت مملوكةً لشركة تاليس.

في الواقع، يبدو أن فرنسا تحاول تجهيز الدول العربية في المنطقة دفاعيًا، لتكون قادرةً على مواجهة تهديدات فصائل المقاومة. واستهداف منشأة أرامكو النفطية في السعودية بطائرة دون طيار في عام 2019، وهجوم أنصار الله الأخير على العديد من الناقلات ومطار أبوظبي الدولي، دقّ ناقوس الخطر الذي يتهدد حلفاء باريس في منطقة الخليج الفارسي.

فرنسا والإمارات “شركاء الجريمة في اليمن”

من ناحية أخرى، فإن الذراع العسكرية الفرنسية في المنطقة هي الإمارات والسعودية وقطر. لذلك، ليس من المستغرب أنه بالتزامن مع زيارة ماكرون الأخيرة إلى الإمارات، تم نشر خبر بيع ثمانين طائرة مقاتلة من طراز رافال من صنع شركة “داسو” الفرنسية مقابل 19 مليار دولار.

وبعد الاتفاق، ادعى وزير الدفاع الفرنسي أنه تم توقيع أكبر اتفاقية لتصدير الأسلحة في تاريخ فرنسا. تستخدم هذه الأجهزة العسكرية بشكل مباشر وغير مباشر ضد الشعب المظلوم في اليمن والبحرين، فيما تحاول فرنسا إخفاء جرائمها خلف الصفقات التجارية.

وفي وقت سابق، وصف الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في تقرير، فرنسا والإمارات بـ “شركاء الجريمة في اليمن”.

وإضافة إلى الهجمات التي تشنها قواعد إماراتية أو سعودية مباشرةً ضد اليمن، أصبحت أبوظبي “منطقة رمادية” لبيع الأسلحة العسكرية للجماعات الإرهابية.

في الواقع، تحاول فرنسا والإمارات إدارة الحرب في المنطقة من خلال إدارة هذا المجال الاقتصادي، وفي الوقت نفسه ضمان مصالحهما الاقتصادية.

ودعا الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان في هذا التقرير إلى وقف تصدير الأسلحة العسكرية إلى الإمارات، وإنشاء مجموعة للتحقيق في الصادرات العسكرية الفرنسية إلى الإمارات. ووصف التقرير المأساة اليمنية التي راح ضحيتها أكثر من 400 ألف شخص بأنها “أكبر كارثة إنسانية”، والإمارات وفرنسا بأنهما شريكتان في هذه الجريمة.

التسلل إلى المنطقة دون التورط مباشرةً

ومع ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي الفرنسي في المنطقة لا يقتصر على بيع الأسلحة العسكرية. إذ يتم تنفيذ سياسات باريس في المنطقة من خلال حلفائها العرب، تحت ستار التعاون الاقتصادي.

على سبيل المثال، يمكننا أن نذكر السيدة فيروز فيليان، وهي فنانة فازت بجائزة وسام جوقة الشرف وفيليان هي رئيسة “جمعية أصدقاء جامعة السوربون في أبو ظبي”.

کما يشغل زوج فيليان، جان بول فيليان، الذي يحمل أيضًا شارة جوقة الشرف، منصب المدير الاستراتيجي لصندوق أبوظبي للاستثمار منذ أكثر من 20 عامًا. وهذان الزوجان أحد الوكلاء الاقتصاديين لباريس في منطقة الخليج الفارسي.

وبالطريقة نفسها تمامًا، تشارك عائلة كابلان(دافني وتوماس)، وهما فنانان وعاشقان للفن، بنشاط في الأنشطة الاقتصادية في المنطقة. توماس كابلان، رجل الأعمال والفنان والناشط الاجتماعي الأمريكي، لديه علاقة جيدة للغاية مع باريس. كما دعم توماس بالتعاون مع أبو ظبي عدداً من مجموعات الضغط، بما في ذلك “مشروع مكافحة التطرف” و”التحالف ضد إيران النووية”.

تخضع بعض مؤسسات كابلان، مثل “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع”، للدعم المالي المباشر من محمد بن زيد، ولي عهد أبوظبي، وهولاند وماكرون، رئيسي فرنسا. کما يدعم كابلان الآن “مشروع الديمقراطية في تركيا” و”العدالة للأكراد”.

على الرغم من أن باريس تتفاعل بشكل مباشر مع حلفائها العرب في الرياض والدوحة وأبو ظبي، إلا أنها تنوي المشاركة بأكبر قدر ممكن في المنطقة من خلال التأثير غير المباشر على أهداف مثل بيروت ودمشق وبغداد، وحتى طهران.

على سبيل المثال، قبل بضع سنوات، تعهدت السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، بتقديم 3 مليارات دولار كمساعدة لبيروت لشراء طائرات هليكوبتر خفيفة ومعدات اتصالات عسكرية من شرکة تاليس. لكن مع تغيير الظروف في المنطقة، والتوترات في العلاقات بين الرياض وطهران، وتأثير حزب الله في لبنان، تم التخلي عن هذا الالتزام.

والآن بعد أن واجه لبنان الأزمة الاقتصادية، تفكر فرنسا والسعودية مرةً أخرى في التأثير على هذا البلد. وقبل نحو شهر، بحث الرئيس الفرنسي وولي عهد السعودية، في لقاء مشترك مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، حل أزمة بيروت.

شبكة فرنسا الاقتصادية في الدول العربية في المنطقة شاسعة، لدرجة أنها أصبحت في بعض الحالات نوعًا من التجارة والمعاملات. على سبيل المثال، تحظى منظمة بانترا البيئية غير الحكومية بدعم مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتبرعت بالمال لـ”جمعية باريس للسلام”.

ومنذ حوالي عامين، عندما أصبحت قضية دعاة حماية البيئة في إيران قضيةً أمنيةً، ظهر توماس كابلان أيضًا كوسيط أمني أمريكي في المشاريع البيئية الإيرانية. وكتبت وسائل الإعلام أن “أموال كابلان تم تداولها في جميع أنحاء العالم، وفي نهاية المطاف تقاطعت اهتماماته السياسية والبيئية.”

يبدو أن سياسة باريس في غرب آسيا والخليج الفارسي قد دخلت طبقات أعمق وأكثر جديةً. فمن ناحية، حقَّق البيع المباشر وغير المباشر للأسلحة العسكرية للحلفاء العرب والجماعات الإرهابية فوائد كبيرة لهذا البلد، ومن ناحية أخرى، وسَّعت هذه الصفقات التجارية من نفوذ فرنسا في المنطقة. هذا في حين أن الغطاء التجاري والاقتصادي يعدّ تبريراً جيداً للابتعاد عن تحدي وسائل الإعلام والکشف عن فضائح الجرائم الفرنسية في المنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق