التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, يونيو 2, 2024

سؤال برسم برزاني.. هل ستعطي تركمان وعرب كردستان العراق حق تقرير المصير؟ 

هل استفتاء كردستان العراق شأن كردي داخلي حقا؟ سؤال مهم يطرح نفسه بقوة وسط إصرار كبير تُبرزه بعض الأطراف الكردية في إقليم كردستان العراق على إجراء الاستفتاء المزمع في أيلول سبتمبر المقبل في وقته دون أي تأجيل أو إلغاء. هذا الإصرار يأتي من منطلق مبدأ مغلوط يحاول الأكراد التأكيد عليه وهو أن الاستفتاء على تقرير المصير هو شأن داخلي كردي لا يرتبط بموقف دول الجوار إضافة إلى الحكومة العراقية المركزية.

نود في مقالنا هذا استعراض بعض الجوانب القانونية والشعبية المتعلقة بقرار الاستفتاء على الانفصال وما قد يتلو هذه الخطوة من تبعات كبيرة على المنطقة بشكل عام وعلى الأكراد أنفسهم بشكل خاص.

بداية من الجيد الإضاءة على الجانب القانوني لهكذا قرار. فمن الصحيح أن قوانين الأمم المتحدة تؤكد على حق الشعوب بتقرير مصيرها انطلاقا من مبدأ أن الفرد والجماعة هم عناصر عقلانية ومؤثرة في القرار والدولي، مما يتيح للقانون الدولي التدخل في علاقة الدولة الرسمية مع المجتمع، ولكن لهذا الأمر خصوصيات وفي حالات محددة. حيث يجب أن تكون الدولة قد فقدت شرعيتها الآتية من تمثيلها لمواطنيها دون تمييز على خلفيات دينية عرقية أو إثنية قومية. تقول القوانين الدولية أنه في حالات استخدام الدولة وسائل قمعية كالإبادة والقتل الجماعي يصبح المواطنين غير ملزمين بالإخلاص للدولة التي تفقد شرعيتها التمثيلية لهم.

طبعا تؤكد شرعة الأمم المتحدة على حرية تقرير المصير، ولكن دون المس بسيادة الدولة إلا في حال الدولة القمعية التي تفقد شرعيتها. هذا الأمر وقع موضع تفصيل وتشريح من قبل كبار المجتهدين في القانون الدولي. “alandis lands” واحد من المجتهدين الذين يؤكدون على ضرورة حصر حق تقرير المصير على محتواه القديم وهو التخلص من استعمار البلاد الأجنبية لبلد ما.

“koscnienme” مجتهد آخر في القانون الدولي يقول إن آلية تطبيق حق تقرير المصير ليست سهلة. فتقرير المصير يختلف من جماعة لأخرى وقد يحمل معاني مختلفة، وقد يتم توظيفه في أطر مختلفة. فالشعوب التي ترزح تحت الاحتلال والشعوب المستعمرة، والجماعات العرقية التي تعاني الاضطهاد والعنصرية كلها تتمتع بهذا الحق.

يضيف الخبير القانوني متسائلا إن كان هذا الأمر قد يعطي الحق للأقليات المنتشرة في العالم للمطالبة بحق تقرير المصير وفق القانون الدولي؟ ضاربا مثالا عن يوغوسلافيا التي تسكنها مجموعة أعراق “الصرب، المسلمين، السلوفيين، كرتس والماسيدوونياتز” هل يحق لهذه الأعراق المطالبة بالانفصال وتقرير المصير؟ طبعا لا.

إذا موضوع حق الشعوب في تقرير مصيرها سيؤدي إلى نوع من الفوضى والهرج والمرج في أي بقعة من الأرض إذا ما استخدم هذا الحق في غير مكانه. كونه يعطي جميع الإثنيات والقوميات في أرجاء المعمورة الفرصة للانفصال وتقسيم البلاد أكثر مما هي عليه من الانقسام والشرذمة.

بالعودة إلى قضية كردستان العراق، ووفقا للتعاريف التي ذُكرت سالفا لا يمكن إعطاء الأكراد الحق بتقرير المصير بهذا الشكل الذي يطالبون فيه، فلا يوجد أي نوع من العنصرية أو الاضطهاد العرقي أو الإثني لهم من قبل المكونات العراقية الأخرى، كما لا يستطيع الأكراد الادعاء أنهم يرزحون تحت احتلال أو استعمار عربي عراقي بالفرض.

نعم يحاول الأكراد اليوم الاستفادة من المقولة السائدة لدى المجتمع الدولي والتي تقول بحق الشعوب بتقرير مصيرها والتي دحضناها في مقالنا من خلال كلام كبار فقهاء القانون الدولي. ومن الجدير هنا تحذير الأطراف الكردية التي تدفع باتجاه الانفصال من مغبة هذه الخطوة على إقليم كردستان نفسه، فالإقليم يعيش فيه إثنيات أخرى عربية وتركمان. فهل ستقبل حكومة كردستان العراق أن تطالب هذه الأقليات بحق الانفصال وتقرير المصير في المستقبل؟

كردستان العراق وشعبها ليسوا سوى جزأ لا يتجزأ من العراق، ولا يمكن لبعض الأطراف الطامحة لتحقيق مصالحها الشخصية وغاياتها السوداوية أن تطالب بانفصال شعب عن حاضنته التاريخية لمجرد أن هذه الفئة من إثنية مختلفة. وعلى الشعب العراقي الكردي أن يلتفت أن الغرب إنما يرسل إشاراته المشجعة ضمنيا لهذا الاستفتاء والانفصال إنما ليحقق مصالحه وليس لتحقيق مصالح الأكراد بالمطلق.

الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وعلى رغم التصريحات التي تدعو للتريث وعدم الخوض في الاستفتاء إلا أن المعلومات الأكيدة من صالونات سياسيي كردستان تؤكد أن الغرب وأمريكا تشجع ضمنيا هذا الانفصال. والسبب هو المصلحة الأكيدة بشرذمة العراق والعراقيين وخلق خلافات وعداوات أكبر وأكثر حدة في المستقبل ضمن سياسة “فرّق تسد”. وليعلم من يطالب بانفصال كردستان العراق أن هذا الغرب نفسه سيقف خلف الإثنيات الأخرى الموجودة في الإقليم للمطالبة بالانفصال وحق تقرير المصير.

سبيل الحل الوحيد اليوم هو الحوار البناء ومن منطلق ذهنية منفتحة تريد الوصول لخلاصات تؤمن مصلحة العراقيين جميعا أكراد وتركمان وعرب. هذا الأمر صعب جدا في حال استمر سياسيو الإقليم على سياستهم وإصرارهم على عدم وجود حل سوى الاستفتاء، وسيكون سهلا جدا في حال خرج هؤلاء من نفقهم الضيق ونظروا بواقعية وانفتاح أكبر للأمور وسيجدون أن مصلحة الأكراد قبل العرب هي وحدة العراق أرضا وشعبا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق