التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مايو 2, 2024

طائرة المساعدات السعودية: لأهداف إنسانية أم بعيدة عن الإنسانية؟ 

تستحق طائرة المساعدات “الإنسانية” التي أرسلتها السعودية إلى نازحي الأنبار إهتماماً خاصاً، لا لناحية الكميّة أو النوعية، بل بسبب الظروف والأبعاد والأهداف التي تدفعنا للتساؤل عن أسباب وصول طائرة سعودية تحمل 105 أطنان من المواد الغذائية والإنسانية لنازحي محافظة الأنبار، وسط تحذير أممي من تداعيات الأزمة الإنسانية الخطيرة في العراق.

الطائرة هي الأولى من نوعها حالياً، إلا أنها ليست الأخيرة بإعتبار أن “هنالك وجبات اخرى من مواد الاغاثة ستصل الى العراق خلال الايام المقبلة”، وفق محافظ الانبار صهيب الراوي، ما يعني مساهمة الرياض في الحد من الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعاني منها سكّان العراق، لاسيّما في ظل إحتلال تنظيم داعش الإرهابي لأراضٍ شاسعة من السيادة العراقية.

“مملكة الإنسانية!”، يعلّق أحد العراقيين على الطائرة السعودية، يطفئ سيجارته ويستدرك قائلاً: مهلاً، هذا ظاهر القضية، وفي هذه الطائرة “إن”. يجيبه أحد أصدقائه ممن هجّرتهم الجماعات الإرهابية: الأمور بخواتيمها، وما لنا في النوايا.

تنتهي قصّة المواطنين العراقيين، لتبدأ قصص أخرى يطرحها الداخل العراقي حول الأهداف السعودية من هذه المساعدات التي وصلت إلى مطار بغداد، ففي حين وجد فيها البعض بادرة خير من السعودية تجاه العراق، شكّك آخرون بمصداقيتها داعين الحكومة الى اجراء الفحوصات المختبرية عليها قبل نقلها للانبار والتأكد من عدم احتوائها على متعلقات ومواد اخرى تهدف الى امور بعيدة عن الانسانية.

لا ريب في أن الشعب العراقي يحتاج اليوم إلى دعم الشعوب العربية والإسلامية في محنته، والطائرة السعودية أحد مصاديق هذا الدعم، إلا أن المطالع لسير العلاقات بين البلدين، يرى أن كافة الاحاديث عن تحسّن العلاقات بين الرياض وبغداد إثر إستلام حيدر العبادي رئاسة الحكومة خلفاً لنوري المالكي لا تعدو عن كونها سراباً يحسبها المتعطش للسلطة ماءً، وتجربة السفير السعودي لدى بغداد ثامر السبهان خير دليل على ذلك. فالسبهان سارع إثر تعيينه سفيراً للسعودية في الثاني من حزيران 2015، أول سفير مقيم لها في العراق منذ عام 1991 بعد مفاوضات استمرت لأشهر بين البلدين منذ تشكيل حكومة حيدر العبادي، للبدء بتطبيق أجندة بلاده في العراق سواءً بالهجوم على قوات الحشد الشعبي أو باللعب على الوتر الطائفي لتأجيج الصراع المذهبي، المتأزم أساساً، بسبب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي العراقية.

الغريب أن طائرة المساعدات السعودية لنازحي الأنبار تتزامن مع مساعدات تقدّر بمليار و 600 مليون ريال سعودي مقدّمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الانسانية إلى اليمنيين من اجل تخفيف معاناتهم في ظل الاوضاع المأساوية التي يعيشونها، والأغرب من ذلك أن المركز السعودي تكفّل بعلاج اربعة آلاف ومائة مصاب يمني، فمن الذي جرحهم حتى يعالجهم؟ ألا تتحمّل السعودية، بسبب العدوان والحصار على حد سواء، مسؤولية المعاناة والأوضاع المأساوية التي يعاني منها أبناء الشعب اليمني. السؤال الذي يطرح نفسه: ما المانع من تشابه المشهدين اليمني والعراقي في الأسباب كما حصل في النتائج؟ وتتعزّز هذه الفرضية مع سيل الإتهامات التي تلقّته السعودية من العراقيين في عهدي المالكي والعبادي حول تورّطها بدعم الجماعات الإرهابية في العراق فضلاً عن تسليح العشائر لأهداف باتت واضحة للجميع عنوانها “التقسيم”، وإنشاء إقليم سني مستقل عن السيادة العراقية.

السعودية وضعت المساعدات في إطار إنساني، نأمل أن يكون كذلك، إلا أن التجربة السورية والسير التاريخي للمواقف السعودية تجاه العراق تؤكد العكس، فإما أن لا تكون مساعدات إنسانية بالأصل، وهذا أمر مستبعد حتى الساعة بإعتبار أن مقصد الطائرة العاصمة العراقية بغداد ما يعني خضوعها للتفتيش، وإما أنها مساعدات إنسانية تهدف لتحقيق أهداف بعيدة عن الإنسانية.

كثيرة هي الشواهد على كون المشروع السعودي تجاه العراق غير إنساني، نكتفي بآخرها فيما يتعلّق بما حصل يوم السبت الثلاثين من نيسان 2016. في ذلك اليوم، قال المتحدث غير الرسمي باسم السياسة السعودية جمال خاشقجي: “حسبت أننا خسرنا العراق الجنوبي وأنه وقع في قبضة النظام الإيراني، ولكن يقظة الجماهير الشيعية العراقية الوطنية أمس وهتافها ضد ايران أعاد الأمل”. نعم، ورغم أن الصراع القائم في العراق هو سياسي بإمتياز تسعى الرياض لإعطائه صبغة مذهبية لغايات سياسيّة معروفة، تعتبر السعودية أي شيعي عراقي يهتف ضد إيران هو وطني، وصفوي رافضي عندما يهتف بالعكس، فهل هنا تكمن مصلحة العراق؟ الإجابة على كافّة الأسئلة ستتضح مع وصول دفعات جديدة من المساعدات السعودية اللاإنسانية.. أقصد “الإنسانية”!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق