التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

الخطوة الروسية مُنسَّقة مع الطرف السوري وعلى واشنطن أن تقلق 

حاول الإعلام توجيه انسحاب بعض القوات الروسية من سوريا، لوضعها في خانة الخلاف بين الطرفين الروسي والسوري، وتحديداً بين الرئيسين “بوتين” و”الأسد”. في حين تؤكد التصريحات الرسمية لكلٍ من الجانبين الروسي والسوري، تنسيقاً حول ذلك. لكن الأهم هو أنه يجب تسليط الضوء أيضاً، على مواقف غربية واسرائيلية، لم تكن متفائلة من الخطوة الروسية. وهو ما يؤكد بأن الخطوة الروسية، لم تصبَّ في مصلحة الطرف الأمريكي أو حلفائه. فكيف يمكن تأكيد التنسيق بين الطرفين الروسي والسوري من خلال التصريحات الرسمية؟ ولماذا على واشنطن أن تقلق؟

تأكيد التصريحات الرسمية وجود تنسيق

جاءت التصريحات الرسمية للطرفين الروسي والسوري، لتضحد كل الإدعاءات التي حاول ترويجها الإعلام، حول وجود خلافٍ بين الطرفين لا سيما الرئيسين “الأسد” و”بوتين”. وهو ما يمكن استنتاجه من خلال عرض التالي:

من جهته أكد الجانب الروسي من خلال ما أعلن عنه الكرملين، في بيان له، أن الرئيس الروسي “بوتين”، أوعز لوزير دفاعه وبحضور وزير الخارجية الروسية، سحب القوات الرئيسية من سوريا وأضاف البيان أن “جميع ما خرج به اللقاء (الثلاثي) تم بالتنسيق مع الرئيس السوري “بشار الأسد”. وفي بيانٍ آخر له، ذكر الكرملين، أن “بوتين” اتصل بالأسد ليبحث معه سير تطبيق الهدنة و وقف الأعمال القتالية في سوريا. وأوضح البيان أن الجانبين أقرا بأن الهدنة كانت ايجابية بالنسبة للوضع السوري وبأنه يجب الدفع نحو الحل السلمي في المنطقة. فيما جاء القرار الروسي الأخير بسحب القوات بالتنسيق بين الطرفين “بوتين” و”الأسد”.
من جهةٍ أخرى فقد جاءت تصريحات الجانب السوري لتؤكد ذلك. فقد أعلنت الرئاسة السورية، في بيان لها، أن الجانبين السوري والروسي اتفقا خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين “الأسد” و”بوتين” على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا، مع استمرار وقف الأعمال القتالية، وبما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية. وأشارت إلى تأكيد الجانب الروسي استمرار دعم روسيا الإتحادية لسوريا في مكافحة الإرهاب. ثم وبعد حصول التكهنات التي رافقت القرار الروسي المفاجئ، أصدرت الرئاسة السورية بياناً ثانياً نفت فيه أن يكون إعلان الإنسحاب الروسي “يعكس خلافاً سورياً ـ روسياً، بحسب ما تروّج له بعض وسائل الإعلام”. وأكدت أن الموضوع برمته تمّ بالتنسيق الكامل بين الجانبين السوري والروسي، وهو خطوة تمّت دراستها بعناية ودقّة منذ فترة، على خلفية التطوّرات الميدانية الأخيرة، وآخرها وقف العمليات العسكرية. وأضاف البيان أن “سوريا وروسيا ما زالتا كما كانتا دائماً ملتزمتين بشكل مشترك بمكافحة الإرهاب أينما كان في سوريا”.
على صعيدٍ متصل، أكّد نائب وزير الخارجية السوري”فيصل المقداد”، خلال بحثه التطورات في سوريا والمنطقة خلال زيارته لطهران، أنّ تخفيض عديد القوات الروسية في سوريا يأتي في إطار التنسيق بين البلدين الشقيقين سوريا وروسيا، وبعد تحقيق إنجازات رئيسية في الحرب المشتركة ضد الإرهاب.
لماذا يجب على أمريكا أن تقلق؟

على الرغم من أن الجميع خرج لتحليل الخطوة الروسية، والدفع بإتجاه إلغاء الدور الروسي المستقبلي في سوريا، والحديث عن خفايا مصالح بين واشنطن وموسكو (وهو ما قد يحدث في السياسة الدولية)، إلا أن عدداً من التحليلات قد تُشير الى أن الخطوة الروسية إيجابية فيما يخص مصلحة النظام السوري، وليس صحيحاً تفاؤل البعض المناوئ للنظام. وهنا نُشير للتالي:

رأى المعلق الإسرائيلي “يوسي ميلمان”، أن للخطوة الروسية مخاطر وليس فقط حسنات. فقد أشار الى أنه وعلى الرغم من أن القرار الروسي قد يُعيد لإسرائيل حرية العمل العسكري الكامل الذي كانت تحظى به تقريباً، إلى حين دخول روسيا الى المعركة، دون الحاجة الى التنسيق المسبق مع موسكو للنشاطات الجوية في الأجواء السورية، فإنه من الممكن اليوم وبعد الخطوة الروسية، أن تصطدم حرية العمل الإسرائيلية بما تصفه تل أبيب بهيمنة جديدة لإيران على الساحة السورية، وهو الأمر الذي يتخوف منه الصهاينة.
من جهةٍ أخرى، أشار الكاتب والصحفي في جريدة “نيويورك تايمز”، “نيل ماكفاركار” إلى أنّ الخطوة الروسية بسحب القوات العسكرية من سورية أثارت تساؤلات مهمة حول مدى تأثيرها على نتيجة الأزمة السورية وعلى النظام، خاصة أنّ القرار جاء في لحظة حاسمة، حيث تدخل الحرب السورية عامها السادس، في ظل مساعٍ لإحياء محادثات السلام. وأضاف الكاتب أنّه يجب علينا أن ننتبه لإمكانية أن تكون الخطوة الروسية انعكاس لفكرة أنّ “بوتين” واثق جداً الآن، من استقرار وضع الحكومة السورية، وأنّ بإمكانه حالياً التراجع قليلاً وإعطاء المجال للدبلوماسية. كما يجب أن نأخذ بعين الإعتبار بأن الروسيين والسوريين حققوا الكثير من أهدافهم الرئيسية ومنها إعادة روسيا إلى المسرح الدولي كقوة عالمية، ومنعُ تغيير الحكومة السورية عبر القوى الخارجية وخاصة الغربية، وكسب موطئ قدم أقوى في سورية، وتقوية موقع القيادة السورية. كما أشار الكاتب الى أنه وفضلاً عن كل ذلك، تستطيع روسيا بكل سهولة استئناف ضرباتها الجوية من قاعدتها في الساحل السوري متى ما أرادت ذلك، كما أنّها تستطيع الإبقاء على دعمها للجيش السوري وحلفائه الآخرين على الأرض بالسلاح وبإرسال الأموال للحكومة السورية.
وفي نظرة بعيدة عن التفاؤل، رأت الصحيفة البريطانية “الغارديان” أنّه يمكن لروسيا بعد أن عزَّزت موقف النظام السوري أن تركّز الأنظار الآن على انسحابها وعدم تدخلها في الموقف بعد أن لعبت دوراً هاماً فيما سيحدث في سورية في المستقبل. وأوضحت الصحيفة، أنّ هذا الإنسحاب يُمكّن الرئيس “بوتين” من القول: إنّ روسيا حققت هدفين رئيسيين في سورية، أولاً، الحفاظ على الرئيس “الأسد” في سدة الحكم، وثانياً، منع أمريكا وحلفائها الأوروبيين وتركيا من إقامة منطقة عازلة في شمال سورية يمكن استغلالها كمنطقة لما يُسمى بالمعارضين.
إذن مُخطئٌ من يظن بأن الدول قد تخاطر لما هو أكثر من مصالحها. فالحد الأدنى لخطوة موسكو هو مصالحها القومية. في حين يمكن القول بأن كل شيئٍ مُحتمل في السياسة الدوليَّة، إلا أنه لا مجال للرهان على أن روسيا قد تُضيِّع ما أنجزته حتى الآن. في حين يجب انتظار المستقبل، لتتبيَّن الأمور بشكلٍ أوضح. لكن الأكيد، بأن نتائج اليوم واضحة. سوريا تفاوض من موقع القوة. وروسيا عادت من جديد للساحة الدولية كلاعبةٍ في قرارات الحرب والسلم أيضاً. فيما يجب على واشنطن وحلفاءها أن تقلق، مما هو أبعد من القرار الروسي أما الكيان الإسرائيلي، فإنه سيبقى يعيش أزمة وجوده الدائمة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق