التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

بحر الصين الجنوبي : ورقة النزاع الحذر بين واشنطن وبكين 

لا شك أن التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي، وضعت واشنطن في حالةٍ من التخوُّف المستقبلي. في حين أن اللقاءات الثنائية بين الطرفين، لم تنقطع. وهنا فإن اللقاءات المشتركة لإدارة المصالح، لا تمنع حالة الحذر بين كلٍ من واشنطن و بكين. في حين شكَّلت عمليات الصين الأخيرة، تهديداً للأمن القومي الأمريكي، بحسب ما علَّقت عليه واشنطن. فكيف يمكن وصف العلاقة بين الطرفين؟ ولماذا يُشكل بحر الصين الجنوبي ورقة نزاعٍ بين الطرفين؟

العلاقة الحذرة بين أمريكا والصين

اعتبرت واشنطن نشر الصين صواريخ و رادارات وبناءها مطارات على الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي أمرٌ “يغير طبيعة العمليات” هناك. وقال الأميرال “هاري هاريس” في جلسة للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، إن الصين “تعسكر بحر الصين الجنوبي بشكل واضح”، وأضاف هاريس قبل اجتماع في واشنطن بين وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” ونظيره الأمريكي “جون كيري”، أن الصين تواصل تصعيد الوضع في بحر الصين الجنوبي بنشر عتاد جديد. من جانبها أشارت وزارة الخارجية الصينية الى أن الإنتشار العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي لا يختلف عن الإنتشار الأمريكي في هاواي. معلنةً بأن للصين الحق في البناء على أرضها ونشر وسائل دفاعية هناك.

من جهةٍ أخرى وفي أقل من شهر، التقى وزير الخارجية الصيني نظيره الأمريكي “جون كيري” لثلاث مرات. وتوصل الجانبان في كل مرة إلى تفاهمات وتنسيقات إيجابية. وفي آخر لقاء عُقد الثلاثاء المنصرم، اتفق الجانبان على عدم القبول ببرنامج الصواريخ النووية لكوريا الشمالية، الى جانب التوجه لفرض عقوباتٍ جديدة عليها.

واقع الحال بين البلدين

على الرغم من حالة العداء السياسي بينهم، يتعاطى الطرفين الصيني والأمريكي، كأطرافٍ دولية تحاول إدارة القوة العالمية وتقاسمها. وهو ما قد لا يدوم طويلاً، ولو اتفق الطرفان على موقفٍ موحد تجاه كوريا الشمالية. فالحذر يبقى سيد الموقف بين الطرفين، وليست لقاءاتهم إلا محاولة للإتفاق على المصالح المشتركة ليس أكثر. وهنا فلا بد من ذكر التالي:

قد تكون الإحتكاكات المتكررة بين الصين و واشنطن، أمراً طبيعياً. في حين أن الطرفين يحاولان الإتفاق على المصالح المشتركة. لكن يبدو بأنه حتى الآن، لن تتخطى المنافسة الإستراتيجية بين الطرفين، عتبة فقدان السيطرة على الأمور أو الصراع المباشر.
لكن ذلك لا يعني تبدُّد المخاوف بين الطرفين، لا سيما الأمريكي. فعسكرة بحر الصين الجنوبي، والرسائل العسكرية التي أطلقتها الصين على الطريقة الدبلوماسية، ليست إلا محاولة لترسيخ واقعٍ من القوة للصين، لن تكون واشنطن راضيةً عنه. في حين أن واشنطن سبقتها منذ فترةٍ قليلة، عندما مرت حاملة صواريخ أمريكية على بعد 12 ميلاً بحرياً من شواطئ الصين وحلقت طائرات فوق المياه المتنازع عليها، وهو الحدث الذي ترجمته واشنطن بعد تهديدات مسبقة باختيار الوقت المناسب لإستخدام العنف. الأمر الذي اعتبرته الصين استفزازاً.
لماذا تتمسك واشنطن ببحر الصين لدرجة التلويح باستخدام القوة؟

تعتبر بكين نزاع بحر الصين الجنوبي مسألة سيادية. في حين تعتبر واشنطن بأن ذلك قد يهدد مخاوفها المتقدمة بشأن حريتها في الملاحة. فمنذ نهاية الحرب الباردة كانت أمريكا القوة الأكبر في المحيط الهادئ وذلك بمساعدة حلفائها الأساسيين هناك، اليابان وكوريا الجنوبية. حينها كانت الصين تصعد بوتيرةٍ متزايدة، كقوة إقليمية، محاولةً القضاء على نقاط ضعفها الحدودية، لتجعل من بحر الصين الجنوبي اليوم، منطقة توترٍ بينها وبين حلفاء واشنطن في المنطقة ومن خلفهم أمريكا. وهنا نُشير للتالي:

تعتبر واشنطن بأن تفوقها العالمي مُهدَّد، في حال خسرت سيطرتها على البحار، لما لذلك من دورٍ في الإستراتيجيات السياسية القومية التي تعتمدها أمريكا، كالقيام بدورياتٍ متكررة وبناء قواعد عسكرية وتنظيم التجارة عبر الممرات المائية، بهدف تأمين الموارد الحيوية للحفاظ على النمو الإقتصادي وبالتالي الإستقرار السياسي. وهنا فإن عمليات الصين في البحر الجنوبي، ستمنع واشنطن من ضمان حركة آمنة للسفن الأمريكية، مما يُشكِّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي بحسب رأيها.
لذلك فإن ما أنشأته الصين من جزر صغيرة في مياه بحر الصين الجنوبي، يُهدد الوضع الجيوسياسي من حولها. فهي شيدت مرافق الميناء والمباني العسكرية ومهبطًا للطائرات بالجزر. وهو الأمر الذي أثار مخاوف الدول التي لها مصالح في المنطقة، فالجزر ترفع نفوذ الصين الى مساحة تُقارب 500 ميل في البحر، من البر الصيني. كما أن هذه الجزر، تعني وجود شرطيٍ صينيٍ في المنطقة، قادرٍ على اجراء دورياتٍ جوية وبحرية.
السناريوهات المحتملة

إن وجود ورقة ضغطٍ قويةٍ مثل بحر الصين الجنوبي مع “بكين”، هو من الأمور التي يمكن أن تشكل قوةً إضافة للصين. فعلى الرغم من أن واشنطن تُبرِّر الخطر الصيني بأنه يؤثر على الشعاب المرجانية، وهو ما قد يهدد البيئة البحرية المحيطة، لكن الحقيقة تكمن في أن لهذه الجزر أثار على تجارة واشنطن العالمية، إذ تُهدد نحو 1.2 تريليون دولار من التجارة التي تمر ببحر الصين الجنوبي كل عام.

وهنا فإن الصراع المباشر ما يزال مُستبعداً حتى الآن، نتيجة القنوات السياسية المفتوحة بين الطرفين. في حين يمكن أن تُوكل واشنطن مهمة نزع قوة ونفوذ الصين لحلفائها في المنطقة، وتحديداً الفلبين وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان. فاليابان تعتبر الطرف الأكثر ترشيحاً لأن يعتمد عليه الأمريكي، لا سيما أن تاريخها حافل بالدور السلبي في المحيط الهادئ. وهو ما ترجمته محاولات اليابان الأخيرة، من خلال تفاوضها على السماح لطائراتها وسفنها العسكرية، باستخدام قواعد في الفليبين لإعادة التزود بالوقود والإمدادات، لتتمكن من توسيع نطاق حركة طائراتها لفترة زمنية ومساحةٍ أطول، في بحر الصين الجنوبي.

إذن يبقى المستقبل مجهولاً في ظل تطورات المنطقة والعالم المتسارعة. ففي حين تتفق كلٌ من الصين وأمريكا على إدارة القوة، يبدو أن واشنطن تشعر بتراجع نفوذها العالمي، الأمر الذي يجعلها حذرةٍ من الصين، التي تتقدم نحو التربُّع على عرش القوة العالمية. في وقتٍ يُشكل فيه جيرانها (حلفاء واشنطن) تحدياً لها. فيما تبقى كوريا الشمالية، دولة الخطوات المفاجئة، بالنسبة للجميع.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق