التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 12, 2024

حزب الله في مواجهة الحرب الناعمة.. هل يردّ الصاع صاعين؟ 

بعد فشل الكيان الإسرائيلي في عدوان تموز 2006 عمدت قيادة الأركان الإسرائيلية إلى أخذ العبر والدروس العسكرية التي تلخّصت قبل فترة بـ”عقيدة إيزنكوت”. تل أبيب أدركت جيداً التكاليف الباهظة للحرب العسكرية ونتائجها المخزية، لذلك عمدت إلى التركيز على نوع آخر من المواجهة مع حزب الله تحت عنوان “الحرب الناعمة”، أي التحول من الحرب الصلبة أو الحرب الخشنة إلى الحرب الناعمة التي تتميز بقلة التكاليف والموارد مع هامش أكبر من التأثير على المدى الإستراتيجي.

تختلف التعاريف الدقيقة للحرب الناعمة، ولكن بصورة عامّة في الحرب العسكرية يسعى العدوّ لتبديد وتدمير مواقع الطّرف المقابل أو البلد الذي يهاجمه، ولكن في الحرب الناعمة يسعى العدو لتشتي أهداف وقلوب وعقول الشباب وإرادتهم، أي أنّ العدوّ يريد تبديل إرادتهم.

آخر فصول الحرب النفسية التي تندرج في إطار الحرب الناعمة تمثّلت بالوثائق الخاصة بوزيرة الخارجية الاميركية السابقة “هيلاري كلينتون” التي ذكرت أن “حزب الله أقام قاعدة في قاعدة لشن هجمات في اميركا اللاتينية”. وقد ذكرت الوثائق بحسب موقع “جويش برس” الاسرائيلي، ان “سيدني بلومنتال” وهو أحد مساعدي الرئيس السابق “بيل كلينتون” كتب للوزيرة أنه تلقى معلومات مؤكدة من مصادر وصفها بشديدة الحساسية عن نشاط حزب الله في اميركا اللاتينية. وبحسب بلومنتال، فإن حزب الله خطط لاستهداف دبلوماسيين اسرائيليين ومصالح اقتصادية اسرائيلية في اميركا الجنوبية وجزر الكاريبي. وبحسب الرسالة الالكترونية المرسلة الى “كلينتون”، فإن الأمين العام لحزب الله السيد “حسن نصر الله” أدار المفاوضات مع جهاز الاستخبارات الكوبية، وانه تعهد بعدم ترك أي اثر من شأنه الاشارة الى كوبا في حال تنفيذ حزب الله لهجوم في اميركا اللاتينية.

في الأدوات، يعتبر الإعلام من أبرز أدوات الحرب الناعمة، بل يصفها البعض بالعمود الفقري لهذه الحرب التي تتخذ إعلامياً مسارات متعدّدة، كالتركيز الإعلامي على الخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والابتعاد عن قضايا إستراتيجية، وهذا ما تتولاه السعودية وأعوانها بشكل كبير نيابة عن الكيان الإسرائيلي، أو الترويج لجملة من الاخبار التي تستهدف مشروع المقاومة كسيل التهم حول علاقة حزب الله بتجّار المخدرات والمافيات في خطوة تسعى لتشويه صورة الحزب في بيئته وحاضنته الشعبية. الخطوات السعودية الأخيرة تجاه لبنان، والتي تسبّب بإظهار الرضا الإسرائيلي، تأتي في إطار الحرب التي تديرها واشنطن “عرّابة”الحرب الناعمة التي روّج لها البروفيسور “جوزيف ناي” نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق ومدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي، وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفرد، وهو أحد أهم المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين.

في الجهات، لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي الفعّال خاصّة أن واشنطن تقود اليوم حرباً إقتصادية شرسة على الحزب تستهدفه وبيئته الحاضنة، بالتزامن مع دور سعودي مماثل يصب في الخانة الإسرائيلية نفسها. بالإضافةً إلى الحرب الإقتصادية، تسعى واشنطن لإلصاق تهم الإرهاب بالحزب خاصةً بعد مواجهة مشروعها في سوريا ودخوله بشكل قوي إلى جانب الجيش السوري في مواجهة الجماعات الارهابیة. السعودية أيضاً، تتشارك واشنطن في هذا النوع من الحرب لناعمة حيث تقدّم حزب الله على أنه يستهدف “أهل السنة” في سوريا رغم أن الجماعات التكفيرية المستهدفة، من داعش والنصرة، فتكت بالسنة في سوريا والعراق أكثر مما فتكت بالشيعة.

يدرك الكيان الإسرائيلي جيّداً مدى تفوّق الحزب في عقيدته القتالية وإتقانه لفن الصمود والمواجهة طويلة الأمد، مقابل تفوّقه (أي الكيان الإسرائيلي) في الميدان الناعم، لاسيّما أدواته التكنولوجية والاتصالية والإعلامية، وهذا ما أوضحه “ميخائيل ميلشتاين”، الباحث في مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني، قائلاً:”إن تفوق إسرائيل يحتاج إلى معركة صبورة استنزافية مديدة السنين لا ترتكز فقط على كسر القوة العسكرية لقوى المقاومة وإنما تسعى أيضا لتقويض المراكز التي تتبلور فيها الأفكار ومنها تنغرس في وعي الجمهور”. لذلك، تكشف المراقبة الدقيقة للإعلام الإسرائيلي، وتحديداً، منذ العام 2006 مدى سعي الكيان الإسرائيلي بالتعاون مع أمريكا والعديد من الدول الإقليمية لإستهداف الحزب بصورة “ناعمة”، خاصّة أن الإستهداف الصلب كبّده الكثير في مزارع شبعاً ردّاً على عملية القنيطرة التي أودت بحياة الشهيد القائد “أبو عيسى الإقليم” و”جهاد عماد مغنية” والعميد الإيراني “محمد علي الله دادي”.

في المقابل، لم يقف حزب الله مكتوف الأيدي أمام هذه الحرب الناعمة، بل عمد إلى شنّ حرب مماثلة كان آخرها “القنبلة النووية” التي فجّرها السيد نصرالله حول إمكانية استهداف حاويات الأمونيا في حيفا، الأمر الذي أثار حالة من الهلع الشديد في الأوساط الإسرائيلية، لاسيّما أن مقولة “نحن نصدِّق نصرالله أکثر من حکومتنا” باتت تردّد على کل الألسن فی الشارع الإسرائيلي.

رد حزب الله الناعم و”النووي” في آن واحد، جاء بعد كلام “هیلاری کلینتون”، الطامحة للوصول الى البیت الأبیض، والتي أبدَت عدم ممانعتها لضربة عسکریة “إسرائیلیة” خاطفة، ولعل كشفها عن تواجد الحزب في كوبا يأتي ضمن هذا الإطار. رغم أن السيد “حسن نصر الله” إكتفى بقنبلة نووية واحدة في حيفا، إلا أن الطرف المقابل ذهب أبعد من “السيد” بكثير موضحاً أن لدى حزب الله عشرات الأهداف غیر حاویات الأمونیا فی حیفا، والإضاءة على موضوع الأمونیا یأتي ضمن سیاق سیاسة توازن الرعب التي تنتهجها المقاومة مع العدوالإسرائيلي. بإختصار، إن صدق المقاومة، وفي مقدّمتها السيد “حسن نصرالله”، تعدّ أقوى أدوات الحرب الناعمة من الحزب الذي يعدّ “أقدر وأخطر قوة إقلیمیة على إسرائيل”، وفق رئیس هیئة ارکان جیش الاحتلال الإسرائيلي “غادي إیزنکوت”.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق