التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, مايو 20, 2024

من سیکون المنتصر في المنطقة، «الإرهاب والتکفیر» أم «صحوة الشعوب الإسلامیة»؟ 

 شهدت المنطقة خلال الاعوام الخمسة الماضية «هزتین اثنتین» ومن المفترض أن تبقی آثارهما في المنطقة طيلة العشرة أعوام القادمة. إحدی هذه الهزات هي «الثورات العربية» والثانية «الإرهاب والتكفير». حيث لكلا هذين القضيتين تأثير علی بعضهما البعض وفي بعض الحالات يقع خطأ في فهمهما من قبل البعض.

 

وفيما يخص الثورات العربية فان هذا الحدث تعود جذوره الی حقبة طويلة من الزمن، لکن ظهوره بشکل ملموس یعود الی الأعوام الخمسة الماضیة. ويمكن الإشارة الی بعض ميزاته ومؤشراته علی النحو التالی:

اولا) سقوط الانظمة العميلة وإهتزاز مكانة الانظمة المشابهة في العالم الإسلامي.

ثانیا) دخول الكيان الإسرائيلي والنفوذ السياسي الغربي في حالة من الضبابية.

ثالثا) فقدان حالة التشخيص الصحيح وإتخاذ القرار السياسي السلیم من قبل أمريكا.

رابعا) ظهور أزمات داخلية في الدول التي إنهارت انظمتها السابقة.

خامسا) دخول المنطقة في حالة أمنية وإبتعاد دولها الفاعلة والمهمة عن حالة الإعتدال.

وحول تعامل الشعوب التي صدرت عنها موجة غضب تجاه الانظمة السابقة في مصر وتونس وليبيا والیمن، یعتبر تعاملا صحیحا وخطوة ایجابیة، بمعنی آخر ان شعوب هذه الدول قد رفضت هذه الأنظمة تماما. لكن وللاسف فيما يخص البرنامج الذي تبحث عنه شعوب هذه الدول فانه لاتوجد إجابات واضحة، ماعدا حالة واحدة وهي الحالة الیمنیة فان الشعب الیمني رفض الشخصیات التي حکمت البلاد مثل«علي عبدالله صالح» وكذلك «منصور هادي»، ومن جهة ثانية فانه يعرف ما هي مواصفات النظام الذي يبحث عنه ويريد تأسیسه لصناعة مستقبل البلاد.

وفيما يخص الأمريكيين فانهم ورغم امتعاضهم من الاحداث التي أصابت الانظمة الحليفة لهم في المنطقة، لازالوا ليومنا هذا لم يعرفوا كيف يصلون الی ما يريدون الوصول الیه. أمريكا إلى الیوم لم تعرف كم سيبقی الجنرال «السيسي» في سدة الحكم او من هي الجهة التي سوف تسقط حكمه، وكذلك لم تعرف من هي الجهة الافضل التي ينبغي أن تصل الی سدة الحكم في هذا البلد. كما أن الامريكيين يرغبون بشكل كبير أن يتبنی الجيش والاخوان المسلمون في مصر نموذجا من التعاون يتماشی مع “المشروع الامريكي”، حيث تحاول واشنطن الاستفادة من السعودية وقطر وتركيا للوصول الی هذا الهدف.

لكن في المقابل فان صدور حكم الإعدام ضد قيادات جماعة الاخوان من ضمنهم «محمد مرسي» وكذلك تصریح عبدالفتاح السيسي قبل عدة أيام أن تنفيذ احكام القضاء ضد قيادات الاخوان باتت قريبة جدا وكذلك تاكيد “نبيل العربي” حول استعداده لزيارة “وليد المعلم”، تدل جميع هذه الامور علی أن نظام السيسي مازال لا يؤمن بامكانية التعاون مع الاخوان وأنه أصبح يبتعد كثيرا عن سياسات أمريكا وقطر وتريكا في هذا المجال.

لكن الامر فيما يتصل بالشعب الیمني يختلف تماما، حيث أن هذا الشعب ومن خلال لجانه الشعبية وعبر قيادة حركة أنصارالله استطاع أن يحافظ علی أمنه واستقراره الداخلي بالرغم من الحرب التي فرضت علیه، ولهذا السبب فان أمريكا والدول العربية التي تسير في فلكها في المنطقة تسعی من خلال جميع الطرق إلى إفشال مشروع أنصارالله، لكي لا يتم تبنيه من قبل الشعب المصري والتونسي والليبي.

اما الهزة الثانیة فهي تتمثل في «الارهاب التكفيري» والذي من المفترض أن تبقی آثارها طیلة الـ ١٠ أعوام القادمة علی أقل تقدیر. ويتصور البعض بشکل خاطیء أن موجة التكفير والثورات العربية نشأتا من مكان واحد ومسيرهما واحد ايضا، لكن في الحقيقة ان الحركة السلمية التي إتصفت بها الثورات العربية تختلف تماما عن موجة الارهاب والتكفير التي أصابت المنطقة.

وفي الواقع إن الهزة الإرهابية تحتوي علی مواصفات خاصة يمکن أن نشير الی بعضها على النحو التالي:

اولا) تغيير «الحرکة الجهادیة» الی نزاع طائفي ومذهبي أو بعبارة اخری جعل الصراعات والخلافات داخليا بدل أن تستهدف العدو الحقيقي.

ثانیا) إنتقال المراكز الدينية السنية الی الهامش وأخذ مكانها من قبل المؤسسات الجديدة التي تسعی للوصول الی السلطة عبر الدين.

ثالثا) تبديل الاحتجاجات المعيشية الی أهداف ومطالبات سياسية.

رابعا) ظهور حالة من الانسداد السياسي وكسر حواجز الحدود.

وفي هذه الاثناء فان ظهور الارهاب التكفيري وإتساع هذه القضية يعود لمنتصف عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣، حيث سارت هذه الظاهرة بعد بروزها نحو العراق وليبيا وسوريا ونيجيريا والیمن وتونس ومصر. ليبيا الیوم تخوض أشرس أنواع المعارك مع الارهاب والتكفير حيث يواجه مستقبل هذا البلد تحديات خطيرة وذلك بسبب تواجد ٦ تيارات سياسية يسيطر كل واحد منها علی جزء من هذا البلد الذي يصل عدد سكانه الی ٦ ملایين نسمة، حيث تتصارع هذه التيارات ضد بعضها البعض لكسب السلطة. واضافة الی الاموال السعودية والقطرية فان الاتحاد الاوروبي وتركيا یلعبان دورا بارزا في استمرار الازمة الليبية.

وبعد ليبيا يمكن الاشارة الی سوريا باعتبارها إحدى الدول التي تنشط فيها التيارات الارهابية والتكفيرية بشكل واسع، حيث تصل الفصائل الارهابية الناشطة في هذا البلد الی عشرات المنظمات الصغيرة والكبيرة. لكن إذا ما اردنا أن نشير الی المنظمات الارهابية الاكثر نشاطا في سوريا فيمكن الإشارة الی: داعش وجبهة النصرة والجيش الحر.

وبالرغم من أن الاراضي التي تسيطر علیها المنظمات الارهابية التي أشرنا الیها غير متصلة مع بعضها البعض خلافا للاراضي التي تسيطر علیها الحكومة السوریة، ولکن يجب أن نعلم أن مساحة الاراضي التي يسيطر علیها الارهابيون تصل الی حوالي ٤٠ في المئة من الاراضي السورية.

وفي هذا السياق فان العراق ياتي في المرتبة الثالثة فيما یخص نشاط الجماعات الارهابية بعد ليبيا وسوريا، حيث تمكنت الجماعات الإرهابية خلال العام الماضي وعبر تحرك سريع من السيطرة علی حوالي ٦٥ في المئة من اراضي العراق، وتهديد مناطق عديدة من اراضي هذه الدولة من ضمنها محافظة بابل والقادسية وبغداد واربيل وكركوك. لكن بالطبع فقد تم تطهير معظم الاراضي العراقية من الإرهاب وانخفضت مساحة هذه الاراضي من ٦٥ لتصل الی ٢٥ في المئة فقط.

في هذه الاثناء شهدنا خلال العام الماضي تشكيل منظمات شعبية في هذه الدول واستطاعت هذه المنظمات الی حد ما أن تتصدی لموجة الارهاب والتكفير القوية وأن تمنع تمددها. حيث تمكنت سوريا من خلال «قوات الدفاع المدني» وكذلك العراق عبر تشكيل «قوات الحشد الشعبي» من تشکيل موجة قوية بإمكانها مواجهة حركة الارهاب والتطرف بشكل قوي، وكان هذا النجاح في سوريا أكثر وضوحا.

وبما أن سوريا تقع وسط العديد من الدول المعادية لها مثل تركيا والاردن والكيان الاسرائيلي والمناطق التي يسيطر علیها الإرهابيون في العراق ولبنان، أصبحت بمثابة «خاصرة رخوة» أمام الارهاب. اضافة الی ذلك فان طرد سوريا من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وفرض عقوبات إقتصادية علیها، سبب لها مزيدا من المشاكل. لكن رغم جميع هذه المؤامرات علی سوريا فان هذا البلد استطاع أن يصمد أمام هذه الموجة من الإرهاب ويستمر بحياته.

والمفاجأة هنا تكمن في أن حدود إيران مع سوريا بعيدة جدا باعتبار أن ايران الحليف الاساسي لسوريا، بالاضافة الی ذلك فان المعوقات التي صنعها البعض في مجال الطيران، جعلت مهمة إيران في ايصال المساعدات لسوريا أمرا صعبا، لكن مع جميع هذه العراقيل فقد صمدت سوريا. وهذه القضية تجعلنا نطرح السؤال التالي: هل أن قضية مواجهة الإرهاب والتكفير في سوريا هي ظاهرة مستقلة أم أنها مرتبطة بخارج حدود هذه الدولة؟

وفي النهاية يمكن القول من خلال دراسة مستقبل الثورات والصحوة الإسلامية ومقارنتها بموجة الإرهاب والتكفير، ومع الاخذ بالاعتبار صعوبة تجفيف جذور الإرهاب بشكل كامل في المنطقة خلال المستقبل القريب، یمکن القول وبشکل مؤکد إن موجة الثورات والصحوة الإسلامية هي التي ستصمد وتبقی خلافا لموجة الإرهاب والتكفير.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق