التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, مايو 20, 2024

سوريا… مدنيةٌ تبكي دماً 

لم يتخيل المواطن السوري في يوم من الأيام أن يرى بلده سوريا على ما هي عليه اليوم. فسوريا اليوم هي أشبه ما تكون بياسمينها الذابل، والذي حق لبتلاته أن تستحيل حمراء قانية علها تواسي بذلك قلوب أمهات فقدن ثمرات فؤادهن. جُلُّ السوريين اليوم لا يعون ما يحدث في بلدهم، فحجم الكارثة التي حلت في هذا البلد هو أكبر وأعظم من أن يعيه لبُّ لبيب، ولهذا حق للسوري أن نراه تائهاً غريباً في بلده وفي بلاد الجوار، يبكي أياماً خاوية كانت البسمة فيها لا تفارق محياه.

 

مهجرون وشهداء:

تشير تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن إجمالي عدد السوريين المهجرين بلغ منتصف العام الماضي أكثر من  ١٠.٨ مليون لاجئ،  ٦.٥ مليون منهم نزح داخلياً وحوالي ٧٣ر٣ مليون آخرين مسجلون رسمياً لاجئين في دول العالم المختلفة.[١] وبناءً على هذه الإحصائية فإن حوالي ٤٥ % من السوريين اليوم يعيشون مرارة التهجير والإغتراب عن مدنهم وقراهم، سواءً أكانوا داخل سوريا أم خارجها، يتشاركون جميعاً ألم الغربة والحنين للوطن، كلهم جرب معنى أن يكون الإنسان لاجئاً ينتظر من يتصدق عليه ويساعده بكسرة خبز تسد رمقه ورمق عياله.

معظم النازحين السوريين يقطنون المدن الآمنة نسبياً كدمشق واللاذقية وطرطوس والسويداء، ولكنهم مثلهم مثل جميع السوريين يعانون ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة الذي تسببت به الحرب، معظم المواد الغذائية تضاعفت أسعارها أربعة وخمسة أضعاف، وكذلك هي حال المشتقات النفطية وخصوصاً مادتي الغاز المنزلي والمازوت، والذي أضحى امتلاكهما حلماً لكل أسرة سورية، لم تعد سوريا هي نفسها التي كان يقصدها العرب والأجانب بهدف التبضع وشراء الحوائج، ولم تعد أسواقها وشوارعها هي ذات الأسواق والشوارع. السوريون اليوم يحنون إلى أيام حلب ومصانعها والتي كانت تمثل رئة سوريا الصناعية، حيث شكَّل خروج حلب من عجلة الصناعة السورية ضربة قاصمة للاقتصاد السوري، الأمر الذي تسبب بفتح الباب أمام البضائع الأجنبية والتي يعجز معظم الناس عن شرائها.

ليس التهجير والنزوح المعاناة الوحيدة التي يعيشها السوريون اليوم، إذ يكاد لا يخلو بيتٌ سوري من قتيل أو جريح أو مفقود، حيث تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن عدد ضحايا الحرب في سوريا قد تخطى في شهر آب من العام الفائت عتبة الـ ١٩١ ألفاً، وإذا ما أضفنا لهذا العدد أعداد الضحايا الذين سقطوا هذا العام وكذلك أعداد المفقودين مجهولي المصير فإن الرقم الذي سنصل إليه هو رقمٌ مفجعٌ وكارثي.

وضع الخدمات العامة:

– وضع التيار الكهربائي في سوريا وضعٌ مأساوي، مع توقف معظم محطات توليد الطاقة الكهربائية عن العمل، حيث عمدت المجموعات الإرهابية إلى استهداف هذه المحطات والعاملين فيها بغية التضييق على حياة السوريين وزيادة معاناتهم. الأمر الذي تسبب في حرمان السوريين من نعمة الكهرباء، فبعد أن كان التيار الكهربائي يخدم جميع مناطق سوريا على مدار الساعة، أضحى التيار الكهربائي نعمة مفقودة يتذكرها السوريون بكل أسى، حيث تشير مصادر إلى تناقص نسبة الإضاءة في سوريا بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٥ بنسبة ٨٣% مما يوحي بحجم الكارثة التي تعرض لها قطاع الكهرباء في سوريا. [٢]

– القطاع الصحي في سوريا هو الآخر نال نصيبه من الحرب في سوريا، إذ تشير تقارير وزارة الصحة السورية إلى أن أكثر من ٣٢ مشفى حكومي خرج عن الخدمة بشكل نهائي، فيما تضرر ١٨ مشفى آخر بشكل جزئي، كما تعرض حوالي ربع المشافي الخاصة والبالغ عددها ٣٨٧ مشفى للتخريب وأصبحت خارج الخدمة،[٣] ولندرك حجم الكارثة يكفي أن نشير إلى خروج أكثر من ٦٠ – ٧٠% من مشافي حلب عاصمة الاقتصاد السوري من الخدمة. تأتي هذه الحقائق المؤلمة في ظل استهداف معامل الأدوية السورية وخروج معظمها من الخدمة، والحصارالاقتصادي المفروض على الشعب السوري والذي حول الدواء في سورية إلى مادة باهظة الثمن يصعب الحصول عليها.

– الطفولة في دورها كان لها  نصيبها الخاص من الحرب السورية، حيث تسببت الحرب في خروج أكثر من ٥٠٠٠ مدرسة خارج الخدمة، تدمَّرَ عددٌ كبيرٌ منها بفعل هجمات المجموعات المسلحة، فيما تحول عدد آخر إلى مراكز لإيواء المهجرين. هذا الأمر انعكس على الواقع التعليمي في سوريا بشكل بالغ إذ تشير تقارير لمنظمة اليونيسيف إلى حرمان أكثر من ٣.٥ مليون طفل سوري من حق التعليم بفعل الحرب، الأمر الذي يهدد حاضر ومستقبل سوريا وينبي بتراجع علمي كبير ستعيشه سوريا في المستقبل القريب.

هذا غيضٌ من فيض معاناة الشعب السوري، معاناةٌ تعجز حروف اللغة عن توصيف فصولها، ستبقى أذهان السوريين حافلةً بها تقصها قصصاً مروعة على مسامع الأبناء والأحفاد، وخريفاً دمشقياً تساقطت فيه الكثير من الأجساد البريئة بفعل جهل البعض وطمع وتآمر بعض آخر.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق