التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, مايو 20, 2024

دراسة موضوعية للعوامل المؤثرة في نجاح أو فشل محادثات جنيف لتسوية الازمة اليمنية 

 انعدام التوازن بين اللاعبين الاساسيين والمؤثرين في محادثات جنيف لتسوية الازمة اليمنية والتي يمثل احد طرفيها الاحزاب اليمنية الوطنية فيما يمثل الطرف الآخر الاحزاب اليمنية الموالية للسعودية جعل من هذه المحادثات تسير بإتجاه عدم التوصل الى نتيجة تضمن وقفاً دائماً لاطلاق النار ضد اليمن أو إحراز توافق سياسي مطمئن بين أحزابه، وبالتالي يمكن القول ان هذه المحادثات لن تتمخض سوى عن استمرار العدوان السعودي على اليمن.

 

فنظام آل سعود ينتهج سياسة خاصة على الصعيدين الداخلي والخارجي تهدف الى إخضاع الدول العربية الاخرى في المنطقة لسيطرته وفق الآليات التي تتبعها هذه السياسة ومحاولة فرض ثقافتها وإملاءاتها البدائية على الآخرين.

فعلى الصعيد الداخلي يجب على الجميع اعلان البيعة للملك حتى وإن تم ذلك عن طريق تقديم الرشاوى المادية، وإلاّ فإن من يخرج عن هذا المسار أو يعلن تمرده على هذه البيعة سيواجه مصاعب جمّة وعليه أن يتحمل تبعات سلوكه هذا. 

واما على الصعيد الخارجي فلا يختلف الأمر كثيراً، فالنظام السعودي يعتبر اليمن بمثابة الحديقة الخلفية له، وبذل كل ما بوسعه من أجل إبقاء هذا البلد تحت سيطرته من خلال دعم الجماعات الموالية له وتقديم المال السياسي والإغراءات المادية لرموز هذه الجماعات. 

وبسبب الاستقلال المالي الذي تتمتع به دول كالكويت وقطر والامارات عن السعودية تمكنت هذه الدول من الحفاظ على استقلالها السياسي والبقاء على مسافة منطقية عن تأثير الرياض على مواقفها الوطنية والاقليمية. وقد برز هذا الشعور لدى هذه الدول بشكل واضح من خلال تعاملها مع الرياض ضمن إطار مجلس التعاون.

وتظن السعودية أن بإمكانها استخدام نفس الآليات والاستفادة من نفس الأساليب التي تتبعها مع اليمن لفرض سياستها الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي. ولهذا حاولت الرياض التدخل في شؤون الدول العربية الاخرى في المنطقة لاسيما العراق وسوريا ولبنان وفلسطين عبر الترويج للفكر الوهابي – التكفيري، وسعت الى إضعاف دور مصر في جامعة الدول العربية من اجل السيطرة على مقدرات وقرارات الجامعة من خلال شراء ذمم بعض السياسيين في البلدان العربية. 

كما عمدت السعودية الى ترسيخ الفكر الوهابي – التكفيري من خلال دعمها للجماعات الارهابية وفي مقدمتها “القاعدة” و”جبهة النصرة” لفرض هيمنتها على العالم الاسلامي وتخيير شعوبه بين التبعية لهذا الفكر أو التعرض لتهمة التكفير واستباحة دمائها. والملفت ان السعودية تحاول تطبيق هذه السياسة مع الدول الاسلامية بما فيها الاقليمية ولكنها لا ترى نفسها ملزمة باتباع سياسة مماثلة مع الكيان الاسرائيلي وحماته الغربيين والدول الاستكبارية وفي مقدمتهم امريكا. 

وفي هذا السياق سعت السعودية الى تنفيذ سياستها في العراق وسوريا ومهدت الارضية لاحتلال مناطق كثيرة في هذين البلدين من قبل الجماعات التكفيرية والارهابية من خلال دعمها بالمال والسلاح وشراء ذمم بعض الرموز السياسية والعشائرية المتعاونة مع هذه الجماعات. 

ودأبت السعودية على مواصلة هذا النهج أيضاً في اليمن على مدى عقود من الزمن وتمكنت من خلال إغراء رموز سياسية على مستوى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض الوزراء وعدد من التيارات الحزبية والقوى المتنفذة لفرض سياستها على هذا البلد، ووصل الأمر الى وضع استخراج النفط من مدينة حضرموت بيد ابناء الأمراء السعوديين والسيطرة على مدن عسیر ونجران وجازان من خلال تقديم الرشاوى المادية لبعض رؤساء القبائل في هذه المناطق كقبيلة بني الأحمر.

وبسبب الفقر الذي تعاني منه بعض دول وشعوب المنطقة ومن بينها اليمن، تمكنت السعودية من فرض سياستها على هذه الدول التي تحولت بمرور الزمن الى دول تابعة لهيمنة آل سعود التي سخرت الثروة النفطية الهائلة التي تزخر بها ارض الحجاز لتحقيق هذا الغرض، إلاّ أن شعوب هذه الدول انتبهت أخيراً الى أهمية نيل الاستقلال والعيش الحر الكريم بعيداً عن أي هيمنة خارجية، ما ادى الى حصول توتر بين الاحزاب والتيارات الوطنية والاحزاب الموالية للرياض. 

ولم يرق للسعودية أن تتخلى عن اليمن “حديقتها الخلفية” بسهولة وأن تحترم ارادة شعبها وتطلعه الى نيل الحرية والاستقلال، ولهذا سمحت لنفسها بشن العدوان العسكري وبشكل هستيري على هذا البلد لإعادته الى حضيرتها. 

وعلى الرغم من الدعم الذي قدمته وتقدمه أمريكا للسعودية في عدوانها على اليمن من أجل حفظ مصالحها الاستراتيجية في هذا البلد، إلاّ انها أدركت مؤخراً ان هذا العدوان لن يؤدي الى نتيجة رغم الاجراءات الوحشية والجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها قوات التحالف السعودي – الامريكي ضد الشعب اليمني. 

ومن هنا يمكن القول ان المشاورات التي اجرتها واشنطن مع المسؤولين العُمانيين والاطراف المؤثرة في الأزمة اليمنية في مسقط هي التي هيأت الارضية لانعقاد مؤتمر جنيف رغم الامتعاض السعودي إزاء هذه التحركات. 

وحاولت السعودية انتهاج نفس السياسة الآنفة الذكر مع الاطراف الداعية لإنعقاد مؤتمر جنيف وفي مقدمتها الأمم المتحدة والتعامل مع مسؤولي المنظمة الدولية من خلال الرشاوى المادية والألاعيب السياسية، ناسية أو متناسية ان الامم المتحدة لها قدرة على المناورة للتخلص من ألاعيب آل سعود والإفلات من سطوتهم المادية وهي ليست جيبوتي أو البحرين. 

والأمم المتحدة ليست بهذه الدرجة من السذاجة كما تتصور السعودية كي تقبل بمساوماتها خصوصاً وان الفضائح والانتهاكات البشعة التي ارتكبها آل سعود في اليمن لم تدع مجالاً امام المجتمع الدولي للتغاضي عن هذه الجرائم، كما ان واشنطن لم تعد قادرة على مسايرة آل سعود الى النهاية في ارتكاب هذه الجرائم وهي ترى انعكاساتها السلبية على مصالحها الاستراتيجية على الصعيدين الاقليمي والدولي. 

وما حصل في المحادثات اليمنية في جنيف خلال اليومين الماضيين ونتيجة مقاومة واصرار الاحزاب اليمنية الوطنية وفي مقدمتها حركة انصار الله التي فضحت انتهاكات نظام آل سعود وكشفت النقاب عن الحقيقة الاجرامية لهذا النظام ورفضت أي شرط مسبق لإجراء المفاوضات مع الاحزاب الموالية للسعودية، دعا الرياض الى الاصرار على الخيار العسكري ودعم الجماعات الموالية للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، في وقت تعاني فيه الرياض من هزائم منكرة على يد الجيش اليمني واللجان الثورية اضافة الى ما تواجهه من انتقادات على الصعيدين الداخلي والإقليمي ورفض الكثير من القبائل الحدودية كقبائل نجران للوجود العسكري السعودي في المناطق المحاذية لليمن ومطالبتها بإستمرار بمغادرة هذه المناطق.

هذه العوامل مجتمعة وغيرها شكلت في الحقيقة عناصر ضغط كبيرة على موقف الاطراف المؤيدة للسعودية في محادثات جنيف، ما دعا الرياض الى التفكير باستمالة بعض الدول الاوروبية لاسيما بريطانيا والاستعانة برئيس وزرائها الاسبق توني بلير للاستفادة من خبراته في المناورة السياسية مقابل الأموال التي تغدقها عليه لتجيير الامور لصالحها. 

في الختام لابد من التأكيد على أن انعدام التوازن في الرؤى والمتبنيات الاساسية بين اللاعبين المؤثرين في محادثات جنيف هو الذي حدا بالرياض الى التفكير بتغيير مسار هذه المحادثات لمنع حصول أي توافق سياسي بين الاطراف اليمنية أو التوصل الى وقف دائم لاطلاق النار مع اليمن كي تواصل عدوانها على هذا البلد على الرغم من إدراكها بأن التطورات العسكرية والانسانية التي يشهدها هذا البلد وحق الدفاع المشروع عن النفس الذي يمتلكه أبناؤه هو الذي سيحسم المعركة لصالح هذا الشعب في نهاية المطاف.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق