التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, يونيو 2, 2024

قــوة الإرداة وتـحـدي الـمــوت 

ربما تكون المفارقة في فيلم “سوق دالاس” للمخرج جان مارك فاليه هو ان بطله رون وودروف مدمن لكل ملذات الحياة، الخمر، القمار، وعادة ما يكون المدمنون مسلوبي الإرادة، لكن رون وودروف يبدو مختلفا تماما، أو ان يقظة أو صدمة واقعه الصحي وحالته المرضية قد نقلته من ضفة إلى أخرى من ضفة الإرادة المسلوبة إلى واقع التحدي، تحدي الموت وقرار الطبيب، والانتقال إلى عالم آخر، عالم أن يكون الإنسان قويا ليس لإنقاذ نفسه فقط، بل لمساعدة الآخرين .

 

لا تستطيع وأنت تشاهد هذا الفيلم الا أن تتعاطف مع البطل مهما كان موقفك من الخمر، الحب، القمار، حيث تظهر السينما هذه الأشياء وكانها قمة المتعة، وفي الوقت ذاته تظهر مايقاطعها ويزدريها، مثل الدين، الالتزام، العفة، مبهرة هي الأخرى، انه سحر السينما ووسيلتها الإقناعية الخطرة .

 

كريج بروتين وميليسا والاك كتبا قصة الفيلم الممتعة، عن مقامر ومدمن خمر “رون رددوف”، يتعرض لحادث في عمله، يكتشف نتيجة بعض التحاليل التي أجريت له أنه مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة ” الايدز”

 

لم يتبق له سوى ثلاثين يوما ليفارق الحياة، موجة من الغضب تجتاحه ليغادر المستشفى، غير مقتنع بما قاله الأطباء، ثورته تهدأ ليبدأ رحلة البحث عن عوامل وأسباب البقاء، يسافر إلى المكسيك، يبحث عن أطباء يبتكرون أدوية لا تجيزها المؤسسات الطبية، ربما هناك قصدية في عدم إنتاج دواء لهذا المرض، تفرضه شركات الدواء العالمية، هذا ما يلمح به الفيلم، ومن ثم تبدأ رحلة التغيير الكبير في حياته رحلة كفاح وإصرار على البقاء حيا، ليس هو وحده، بل لمساعدة المرضى جميعا، حيث يبدأ في تهريب الأدوية من المكسيك إلى الولايات المتحدة، متخذا سبل عدة لذلك، يساعده صديقه “ريون” ، الحياة الجديدة بعد تعدي فترة الثلاثين يوما التي أخبره الأطباء انها أقصى مايمكن أن يعيشه، مليئة بالايثار والتضحية، يعطي كل نقوده لفتاة تعر في أحد النوادي دون مقابل، لأنه يشعر بما يدفع مثلها لمثل هذا العمل، ومن ثم بيع سيارته الشخصية لشراء أو الحصول على دواء لمساعدة المرضى، مضايقات ومطاردات الشرطة له لا تنتهي، فسوق الأدوية الذي افتتحه جلب له عشرات المرضى الذين يقفون طوابير للحصول على الدواء، لكنه يستطيع دائما التخلص منهم أي الشرطة، روح الكفاح وقوة الإرداة جعلته يعيش سبع سنين بدلا عن ثلاثين يوما تلك التي تكرم بها الاطباء كحد اقصى لحياته .

 

ليس غريبا أن يحصل الممثل” ماثيو ماكنوهي” على جائزة الأوسكار عن دوره في هذا الفيلم، فما بذله على مستوى الأداء وتقمص الشخصية، يجعلك تنبهر بهذه القدرة الكبيرة، كذلك ليس من السهولة لأي ممثل أن يصبح نحيفا ويقلل وزنه إلى هذا الحد، حيث فقد أكثر من عشرين كيلو غراما من وزنه لأجل هذا الدور، لذلك جاء أداؤه مقنعا ومؤثرا إلى حد كبير، الممثل” جاريد ليتو” الذي لعب دور الصديق حيث يجبرك على التعاطف معه إذ يتحول هو الآخر إلى شخص يساعد الآخرين من خلال دعمه لصديقه رون ورددوف

 

يقول النجم ماثيو ماكنوهي” انه حصل على المذكرات الشخصية الحقيقية لرون وودروف، ودرسها بدقة، متعرفا على أدق تفاصيل الرجل، وعن فقدانه للوزن يقول انه بدأ الحمية دون ان يتوقف، ولم يكن يعرف ماهو الوزن المطلوب، لكنه تفاجأ بأن وزنه أصبح 47 رطلا فقط”، هكذا يرسم النجوم خطاهم التي توصلهم الى منصة الأوسكار

 

أعتقد ان المخرج جان مارك فيليه، قد تعلق بحكاية الفيلم بشكل كبير، لذلك تشعر أنه يحرك ممثليه بعاطفة وخبرة كبيرة، كأنه كان يرسم بالعاطفة شكل المشهد، مسخرا كل مسببات استدرار العواطف لأناس قد لا يتعاطف الكثير من الناس معهم، في البداية يعرض لك حياة بطله الماجنة كأنه يريد أن يراهن على أنك ستزدري هذه الحياة وبطلها، ومن ثم سيجبرك على التعاطف معه في محنته، محنة الموت الأكيد، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، الاشتغال بدون تكلف كان السمة الاخراجية الابرز للفيلم، فالحكاية لا تحتاج الى اكثر من الخوض في عمق الواقع لتصل الى اقناع المتلقي .

 

لكل فيلم رسالته التي يرسلها إلى المتلقي، وموضوعة الادمان موجودة في كل مكان وفي كل بلدان العالم، احتقار ونبذ المدمنين، عدم التعاطف معهم، اعتبارهم أناسا غير اسوياء، ربما يدعو البعض الى التخلص منهم، ربما يكون هو السائد، كل هذا لا يقوله الفيلم، لكننا نتلمس ذلك من خلال النص المرئي، ومن خلال معنى ان تكون مدمنا ومن ثم مصابا بمرض خطير مثل مرض نقص المناعة المكتسبة ” الايدز” ، لكن فيلم سوق دالاس قد نجح في ارسال رسالته التي تؤكد أن حتى هؤلاء الاشخاص من الممكن أن يتنفضوا على مرضهم وأن يكونوا اناسا مفيدين يساعدون الآخرين .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق