التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 4, 2024

استهداف مقار الحشد الشعبي: أمريكا أم الكيان الإسرائيلي 

ارتفعت وتيرة استهداف مقار الحشد الشعبي في العراق، الأمر الذي يفتح الباب على تساؤلات كبرى قد تكون اجابتها أكبر من أن يتوقّعها البعض. فقج ضربت انفجارات الثلاثاء معسكرا آخر للحشد الشعبي في العراق، فيما تشير تقارير إلى أن إسرائيل هي من شن هذه الغارات.

هذه ليست المرة الاولى الذي تتعرض له معسكرات الحشد الشعبي لاستهدافات باتت ممنهجة، ففي 19 يوليو / تموز الماضي تعرض معسكر الشهداء في آمرلي بمحافظة صلاح الدين، لقصف مماثل، وبعد ذلك بوقت قصير تعرض معسكر الشهيد ابو منتظر المحمداوي في ديالى لقصف ، قُيّد ايضا ضد مجهول، وهذا ما حصل قبل أيام في معسكر الصقر جنوبي بغداد.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الامريكية ومحللون عسكريون صهاينة كانوا قد كشفوا فی وقت سابق ان “اسرائيل” هي التي تقف وراء عمليات القصف، التي تنفذ بالتعاون مع القوات الامريكية المتواجدة في العراق، الامر الذي اكده التسجيل الصوتي الذي نسب لقائد عمليات الانبار محمود الفلاحي مع احد عملاء الاستخبارات الاميركية الذي طلب من الفلاحي معلومات عن مواقع الحشد الشعبي والقوات العراقية.

أسئلة عدّة تطرح نفسها: لماذا هذا الإستهداف من قبل الكيان الإسرائيلي؟ لماذا الحشد الشعبي تحديداً؟ وما هي أفق الرد التي يمكن لقوات الحشد اعتمادها؟

منذ صعود نجمه مع فتوى الجهاد الكفائي والانتصارات التي حققها على تنظيم داعش الإرهابي، تعرّض الحشد الشعبي لهجمات واسعة، تارة ناعمة والأخرى صلبة.

الهجمات الناعمة كانت على اكثر من صعيد، لكن التجربة التي مارستها قوات الحشد الشعبي على الأراضي العراقية والتزامها التام بتوجيهات القائد العام للقوات المسلّحة منذ أن تم دمجها في القوات المسلّحة قوّضت نتيجة الهجمات الإعلامية الشرسة التي نفّضتها كل من واشنطن وبريطانيا وبعض الدول العربيّة.

وأما الهجمات الصلبة فقد بدأت منذ الشرارة الأولى لانطلاقه، حيث عمدت واشنطن لتزويد تنظيم داعش الإرهابي بالسلاح في العديد من المعارك التي حاصرت فيها قوات الحشد التنظيم، لكن التبرير الأمريكي كان جاهزا “عن طريق الخطأ”، وهي الذريعة المعلّبة التي تستحضرها واشنطن دائماً عندما تريد تسويغ أفعالها. وأما واشنطن وبعد فشل مخططاتها في ضرب هذه القوات سواء في المجلس النيابي العراقي، أو حتى على االأرض بعد نجاح قوات الحشد في تحرير البلاد، باتت مكبّلة الأيدي على الأراضي العراقية ، لا لإلتزامها بتوجيهات الحكومة العراقية، بل لإدراكها جيّداً حجم الصفعة التي ستتلقاها من قوات الحشد في حال قررت الدخول في حرب مفتوحة معه.

هنا بدأت واشنطن بالبحث عن البديل، وبما أن حلفائها الإقليميين، غير الكيان الإسرائيلي، غير قادرين على الدخول في مثل هذه المواجهة نظراً للتبعات الكارثية لها، عمدت واشنطن إلى اختيار الكيان الإسرائيلي لتنفيذ هذه المهمّة على أن تكون واشنطن هي مصدر المعلومات والداعم اللوجستي الأوّل، بينما تكون الضربة اسرائيلية التنفيذ لا أكثر.

لا ننكر وجود مصالح إسرائيلي من هذه الضربات ترتبط بسياساتها العدوانية التي تسعى من خلالها لترسيخ نفسها كشرطي المنطقة. هذه المصلحة الإسرائيلي في نظر تل أبيب باتت أكثر إلحاحاً اليوم، لاسيّما أن الطائرات الإسرائيلية مكبّلة في الأراضي اللبنانية بسبب معادلات الردع التي رسّخها حزب الله. في سوريا لم تفلح الضربات الإسرائيلي في منع الصورايخ الذكية من الوصول إلى حزب الله، كما أن استهداف نظام الرئيس الأسد خط أحمر بالنسبة لروسيا وأي تجاوز في هذا المجاب قد يفضي إلى تشغيل منظومة الـ”اس 400″ الروسيّة، وبالتالي لا بدّ من البحث عن ساحة بديلة.

الطموح الإسرائيلي العدواني من جهة، والمصلحة الامريكية من جهة اخرى دفع بواشنطن التي تدعم الجيش الإسرائيلي سنويا بـ3 مليارا دولا، لاستخدام سلاح الجو الإسرائيلي في استهداف الحشد الشعبي، فما هي مصالح الكيان الإسرائيلي وواشنطن؟

مصلحة واشنطن من استهداف صمام الأمان العراقي واضحة، وتتمثّل في التحكّم في قرار بغداد وتكرار تجربة بريمر ولو بشكل مختلف، فضلاً عن أن إضعاف الحشد الشعبي يسمح بتقسيم البلاد وإعطاء الأكراد دولة مستقلّة. في المقابل، المصلحة الإسرائيلي تنقسم على نوعين. الأولى اقتصادية تتمثل بالدعم العسكري والاقتصادي الذي يحصل عليه الجيش الإسرائيلي، والثانية سياسية تتمثّل في محاولات استعادة هيبة الجيش الإسرائيلي، الجيش الذي كان يدّعي في يوم من الآيام أنه الجيش الذي لا يقهر. الكيان الإسرائيلي يدرك جيّداً أن الحشد الشعبي اليوم ورغم المسافة الجغرافية يشكّل تهديداً وجودياً للكيان المحتلّ.

وأما السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للحشد الشعبي أن يردّ؟

يمتلك الحشد الشعبي جملة من نقاط القوة التي تؤهله للردّ على ضربات الكيان الإسرائيل، بدءاً من تعزيز قدراته للمعركة الكبرى لمحور المقاومة. هذه القدرات من ضمنها الطائرات المسيّرات والصواريخ بعيد المدى. على الجهات السايبرية في الحشد رصد أي تورّط أمريكي واضح لاستخدامه سياسياً عبر الضغط على واشنطن، أو ربّما عسكريا في العراق بنفس النهج التي تعتمده واشنطن الآن، فإما أن تلتزم واشنطن بقرار الحكومة العراقية أو تتجه الأمور نحو تكرار تجربة2006.

للأسف هناك من يعتقد أن مثل هذه الضربات ستجرّ الحشد نحو المواجهة الدخلية، ولا نستبعد ان تعمد الأذرع البريطانية لزرع فتنة، لكن الحشد يدرك جيّداً أن بعض هذه الأبواق الداخلية تؤدي الأوامر الأمريكية لا أكثر، وبالتالي إن تعزيز الوحدة واللحمة العراقية هي من الأساليب الأخرى التي يعتمدها الحشد اليوم للردّ على الضرابات الأمريكية والإسرائيلية المشتركة.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق