التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 17, 2024

تنحي بارزاني عن السلطة، استقالة أم هزيمة؟ 

قبل أيام أعلن “مسعود بارزاني” تنحيه عن منصب رئيس إقليم كردستان العراق، وذلك ضمن خطاب وجهه إلى برلمان الإقليم. وطالب بارزاني بتفويض صلاحياته إلى السلطات الثلاث في الإقليم “التنفيذية والتشريعية والقضائية”.

وجاء تنحي بارزاني بعد فشل “استفتاء الانفصال” الذي أجراه إقليم كردستان قبل عدّة أسابيع نتيجة رفض الحكومة العراقية والمحيط الإقليمي والدولي وكثير من الحركات والشخصيات الكردية في الإقليم.

وقد أدى فشل الاستفتاء إلى إدخال الإقليم في أزمة سياسية حادّة تعد الأكبر منذ عام 2003 وحتى الآن. وأفرزت هذه الأزمة انشقاقات واضحة بين الأحزاب السياسية الكبيرة في الإقليم من ناحية، وبين الإقليم والحكومة الاتحادّية في العراق من ناحية أخرى.

وأعقب ذلك، الهزيمة العسكرية المرّة التي مني بها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني والأطراف الموالية في الإقليم بعد تمكن القوات العراقية من استعادة محافظة كركوك ومناطق أخرى كانت بيد قوات “البيشمركة” التابعة للإقليم لفترة طويلة.

ولم تقف هزيمة الحزب الديمقراطي عند هذا الحد؛ بل طالبت حركات وشخصيات عراقية كثيرة بتقديم بارزاني وكافة المسؤولين الأكراد الذي طالبوا بانفصال الإقليم إلى المحاكمة باعتبارهم خونة للشعب العراقي وناكثين للقسم بضرورة الحفاظ على وحدة البلاد التي أكد عليها الدستور العراقي.

ووفقاً لهذه المعطيات يطرح السؤال التالي: هل تنحي بارزاني عن السلطة، استقالة أم هزيمة؟ وما تأثير ذلك على مستقبل إقليم كردستان في شتى الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية؟

للإجابة عن هذا التساؤلات لابدّ من ذكر النقاط التالية:

السعي لتغطية الفشل السياسي الذريع

لم يتعرض مسعود بارزاني وحزبه “الديمقراطي الكردستاني” لهزيمة سياسية قاسية كالتي حصلت مؤخراً نتيجة فشل “استفتاء الانفصال”.

وتنبغي الإشارة إلى أن بارزاني كان قد أصر على البقاء في منصب رئاسة إقليم كردستان لدورتين أخريين رغم انتهاء مدة رئاسته في عام 2013. وسعى الحزب الديمقراطي إلى تجيير الإنجازات التي تحققت في الإقليم لصالح الحزب ولشخص بارزاني طيلة الفترة الممتدة من عام 2003 وحتى إجراء “استفتاء الانفصال” في 25 سبتمبر/أيلول 2017.

ولكن بعد فشل الاستفتاء دخل الإقليم في أزمة سياسية خانقة، أضيفت إلى الأزمات الأخرى لاسيّما الاقتصادية التي كان يعاني منها الإقليم ولازال.

وجاء تنحي بارزاني عن السلطة للإيحاء بأنه يؤمن بالديمقراطية، في وقت يعلم فيه الجميع بأنه كان مصرّاً على البقاء في السلطة رغم مطالبة الكثير من الأحزاب الكردية بتنحيه، لإدراكهم بأنه قد أدخل الإقليم في أزمات متعددة، فضلاً عن انتهاء المدة القانونية لرئاسته قبل أربع سنوات.

نهاية حقبة وليست استقالة

تنحي بارزاني عن السلطة يمثل في الحقيقة نهاية حقبة سياسية خضع خلالها إقليم كردستان لحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني منذ عام 2003. وعلى الرغم من سعي وسائل الإعلام الكردية الموالية لبارزاني إلى إظهار تنحيه عن السلطة على أنه مكسب ديمقراطي، إلّا أن الحقائق تؤكد أن هذا الأمر ما كان ليحصل لولا فشل “استفتاء الانفصال” ورفض الكثير من الحركات والشخصيات الكردية لاستمرار بارزاني في السلطة.

بارزاني وحكومة الظل

يعتقد معظم المتابعين لمجريات الأحداث في إقليم كردستان بأن بارزاني سعى من خلال مطالبته بتفويض صلاحياته إلى السلطات الثلاث في الإقليم إلى إبقاء نفسه كحاكم فعلي للإقليم ولكن هذه المرة من خلال حكومة ظل يشرف عليها بنفسه، خصوصاً وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده بارزاني لازال يهيمن على أكثر مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية في الإقليم، كما أن رئاسة حكومة الإقليم لازالت بيد “نيجرفان بارزاني” القيادي في الحزب الديمقراطي وهو ابن أخ مسعود بارزاني وصهره.

من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الجزم بأن مسعود بارزاني وحزبه قد مُنوا بهزيمة سياسية كبيرة، كما أن تنحي بارزاني عن السلطة لم يكن سوى محاولة للقفز على الحقائق للإيحاء بأنه يؤمن بالديمقراطية، في حين يعتقد المراقبون بأنه عمد إلى هذه الخطوة لتغطية فشله في استفتاء الانفصال وفي حل أزمات الإقليم، ما يعني بالتالي بأن تنحي بارزاني شكّل في الواقع هزيمة له ولحزبه، ولم يكن إجراءً دستورياً محضا، ولكن هذا لايعني أن بارزاني سيكون بعيداً عن التدخل في شؤون الإقليم؛ بل من المرجح أنه سيلعب دوراً لايقل عن دوره السابق في كافة الميادين من خلال حكومة الظل التي يشكلها بالتنسيق مع أتباعه ومؤيديه لاسيّما في الحزب الديمقراطي والذين لايزال الكثير منهم يشغل مناصب حسّاسة في الإقليم.

أخيراً لابدّ من القول بأن هذه المتغيرات ستنعكس بشكل سلبي على إقليم كردستان باعتبارها أوجدت شرخاً كبيراً بين المكونات السياسية الرئيسية في الإقليم، إلى جانب أنها وضعت الإقليم أمام مصير مجهول بسبب التوترات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الحكومة المركزية في بغداد و المكونات العراقية الأخرى التي رفضت “استفتاء الانفصال” ودعت إلى محاكمة بارزاني والموالين له باعتبارهم خونة للشعب والدستور العراقي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق