التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

تقرير المراقب لحرب غزّة: قوّة حماس أم ضعف الکيان الإسرائيلي؟ 

بعد انتظار طال لأشهر رُفع الحظر الرسمي عن تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، يوسيف شابيرا، المتعلّق بأداء الحكومة والجيش الإسرائيليين أثناء العدوان على غزة عام 2014، الموسوم بعملية “الجرف الصامد”.

ومن مشكلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو السابقة إلى سيل من تبادل الاتهامات بين القيادة الإسرائيلية، وجه تقرير القاضي المُتقاعد انتقادات شديدة اللهجة للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والمجلس الوزاري المصغر، متطرّقاً إلى الإخفاقات الإسرائيلية رغم 51 يوماً من القصف البري والجوي والبحري العشوائي لأحياء غزّة ما أدى حينها إلى استشهاد أكثر من 500 طفل، وآلاف الشهداء والجرحى.

كثيرة هي الملاحظات التي تضمّنها التقرير وفق الإعلام الإسرائيلي، إلا أنّه لم يتضمن توصيات ضد الشخصيات التي تناولها التقرير، وأبرزهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن في حينه، موشيه يعالون، ورئيس أركان الجيش في حينه، بيني غانتس، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في حينه أفيف كوخافي ما يعيد إلى الأذهان تقرير لجنة فينوغراد بعد عدوان تموز، والذي شهد في نسخته الثانية تراجعاً واضحاً ضدّ رئيس الحكومة حينها إيهود أولمرت بعد أن كان التقرير الأول سيطيح به.

تقرير المراقب

يشتمل التقرير، الذي يقع في 208 صفحة بما في ذلك الغلاف، الخلاصة بالعربية وملاحق مختلفة على اتهامات بعدم وجود خطط عملانية، وعدم التدرب على السيطرة على الأنفاق، وانعدام التدريبات العسكرية والفجوات الاستخباراتية، الأمر الذي يضع نتنياهو تحت دائرة الاتهام، ما دفعه بالأمس للقول إنه يقف إلى جانب قادة الجيش والشاباك وجهاز الأمن، وفي خطوة واضحة الدلالات.

وأما بالنسبة للشخصيات المتّهمة، فنتنياهو هو المسؤول الأرفع الذي يوبخه التقرير والادعاء المركزي ضده، لأنه لم يفعّل الكابينت (المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية) مثلما هو مطلوب بموجب القانون حيث لم يعقد مداولات إستراتيجية بشأن غزة.

يعالون هو الشخصية الثانية التي يوبّخها التقرير الذي وصفه بالكذبة الكبرى قائلاً بأن مقولة إن الجيش لم يكن مستعداً عبارة عن كذبة كبرى، في حين أن الشخصية الثالثة هي رئيس الأركان السباق بيني غانتس الذي رفض ما جاء في التقرير بشدة مبدياً استعداده للذهاب لحرب أخرى على القطاع بناءً على نفس المعلومات الاستخبارية التي كانت إبان الحرب، متّهماً المستوى السياسي بفشل الحرب. وأما “أفيف كوخافي” الذي شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات إبان الحرب، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الأركان فالتقرير يحمله جزءاً كبيراً من المسؤولية عن إطالة أمد الحرب بسبب معلومات مضللة مفادها أن حماس تستعد للاستسلام.

ما يزيد في طينة الأربعة المذكورين في التقرير بلّة، وفي مقدّمتهم نتنياهو باعتباره يرأس الحكومة، هي محاولات الابتزاز السياسي، التي قد تؤثر كثيراً على شعبيّة “الليكود” المتراجعة أساساً. فعلى سبيل المثال، ذكر أعضاء بالكابينت أمس الإثنين أن حركة حماس تمتلك 15 نفقاً عابرة للحدود على الأقل في هذه الأيام، خلافاً لما قاله نتنياهو قبل أيّام بأن حماس مرتدعة ولن تجرؤ على إعادة العمل بالأنفاق العابرة للحدود.

لا شكّ في أنّه بعد نشر تقرير المراقب، “ستكتظ البلاد بعناوين مزلزلة من داخله”، وفق ما قال كبير المعلقين السياسيين في صحيفة “معاريف”، ناحوم برنياع. ومهما كانت لهجة التقرير، إلا أن انعكاساته وارتداداته ليست بالأمر السهل، لأن ضعف نتنياهو يعني قوّة أعداءه السياسيين في مقدّمتهم زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، الذين سيعملون للاستفادة من الانتقادات التي يوجهها المراقب لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في مسألة خطر الأنفاق، لتحقيق مكاسب سياسية. ولكن، المتهمين استبقوا أعدائهم السياسيين والتقرير نفسه عبر حرب وقائية علنية ضد تقرير مراقب الدولة ولكن لم تصبح علنية إلا في نهاية الأسبوع، تماماً كما حصل في تحقيقات الشرطة الأخيرة مع نتنياهو.

يبدو واضحاً غياب الرؤية والغاية الاستراتيجية، وهي الرؤية التي غابت عن أولمرت إبان حرب لبنان الثانية عندما حاول استغلال عملية “الوعد الصادق” لتحقيق أهدافه العسكرية من العدوان المعدّ مسبقاً. في الحالتين أثّرت الدوافع السياسية الداخلية على قرار الحكومة التي لم تغفل عن النواحي العسكرية والأمنية رغم أن هذا القرار يتطلّب رؤية عسكرية-سياسيّة-أمنيّة متكاملة.

لا نتوقّع أن يطيح التقرير بمستقبل نتنياهو السياسي، إلا أنّه سيؤثر على شعبيته المتهاوية بعد قضايا الفساد الأخيرة، في حين سيكون كل من يعلون وغانتس وكوخافي أبرز المتضرّرين من التقرير الذي يحد من فرصهما السياسية باعتبارهم الحلقة الأضعف.

رغم أن تقرير المراقب أقرّ بالفشل الإسرائيلي، لكن الغريب في الأمر أن الكيان الإسرائيلي يحاول دائماً سوق الفشل إلى عدم التنسيق ونقص المعلومات، دون الإعتراف بقوّة حماس وضعفها على حدّ سواء بعد أن تبدّلت المعادلات السابقة للجيش الإسرائيلي الذي اجتاح بلاداً عربية بساعات في يوم من الأيام.
كل هذا في الخلاصات الداخلية، إلا أن الخلاصة الإقليمية الأبرز هي انتقال الكيان الإسرائيلي من إخفاق إلى آخر. الإخفاق الأوّل ترسّخ بعد حرب تموز 2006 وهذا ما لمسناه من تقرير لجنة فينوغراد، واليوم نحن على أعتاب الإخفاق الثاني الذي جاء الإعتراف به متأخراً. بعبارة مختصرة تلخص حال الكيان الإسرائيلي: ولّى زمن الانتصارات وجاء زمن الهزائم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق