التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

كيف أعادت روسيا إحياء دورها في الشرق الأوسط وعبر البوابة السورية؟ 

إن اهتمام روسيا بالشأن السوري يعود للعديد من الأسباب، حیث لا يخفى على أحدٍ أن الحضور الروسي في مياه البحر المتوسط كان دائماً حُلماً روسياً منذ أن كان للإتحاد السوفياتي مواطئ قدم في الشرق الأوسط من مصر إلى عدن مروراً بليبيا والعراق وسوريا خلال العقود الثلاثة التي سبقت انهياره. واليوم فإن تعاظم الدور الروسي في المنطقة بات أمراً حتمياً كما أن تواجد موسكو العسكري أصبح بنظر القيادة الروسية أمراً طبيعياً نظراً لضرورة حماية المصالح الإستراتيجية الروسية التي تعني الأمن القومي للبلاد من جهة، ولسعي روسيا في المشاركة في عملية صياغة تسويات المنطقة السياسية التي لا يمكن أن تحصل دون الإمساك بالعديد من الأوراق الميدانية. وهو ما دفع موسكو للدخول نحو الشرق الأوسط من جديد وعبر البوابة السورية. الأمر الذي حصل منذ سنوات، فيما بات الوضع الروسي اليوم وبعد تطورات الأزمة السورية مغايراً تماماً. فكيف استفادت روسيا من ذلك على الصعيدين الدولي والمحلي؟

نتائج على الصعيد الدولي

حققت روسيا على الصعيد الدولي العديد من الأهداف. وهي على الشكل التالي:

أولاً: أدى التدخل الروسي في سوريا الى عودة روسيا الى الواجهة العالمية وقدرتها على فرض السياسات لا سيما في أوروبا ومواجهة سياسات الضغط الأمريكي والعقوبات. فيما استطاعت موسكو إيجاد أوراق ضغطٍ لها تُمكنها من مواجهة أمريكا على الصعيد المتعلق بقضية تخصها كمالسألة الأوكرانية. وهو ما ساهم في إحداث خرقٍ في المأزق الدبلوماسي بينها وبين الغرب.

ثانياً: أعادت روسيا فرضها للشروط وذلك بعد أن أحدث تواجدها العسكري في سوريا، واقعاً فرض على دول التحالف الذي أسسته أمريكا للحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ضرورة التنسيق مع موسكو بشكلٍ دائم خصوصاً عبر غرفة عمليات بغداد، تجنبا لأي إشكال أو حادث جوي.

ثالثاً: حققت روسيا شيئاً من المرجعية الدولية ولو بشكل جزئي بعد أن باتت اليوم محط اهتمام الطرف التركي والمصري ومحط آمال الطرف السعودي. وهو ما ساهم في إيجاد بديلٍ دولي لأمريكا لدى دول الشرق الأوسط.

رابعاً: فرضت موسكو تغييراً في المعادلة الجيوسياسية في المنطقة. فالوجود الروسي في البحر المتوسط جاء في إطار الحفاظ على مصالح روسيا الإستراتيجية وأهمها مصادر الغاز وطريقها إلى أوروبا المعتمدة تماماً على الغاز الروسي. وبالتالي فإن التواجد الروسي اليوم يأتي في إطار استراتيجية طويلة الأمد، مما يعني حتمية التنسيق مع دول الجوار المتوسطي وأهمها دول خط الغاز.

خامساً: آمنت موسكو بضرورة الإعتماد على إيران والذي يعتبر البلد القادر على دعمها فيما يخص سياسات الشرق الأوسط. خصوصاً أن موسكو تُدرك أنها دخلت سوريا بعد النتائج التي حققتها طهران ومحور المقاومة فيما يخص الأزمة السورية. وهو ما دفعها لإيجاد صيغة عمل مشترك تُساهم في تحقيق المصالح المشتركة، نظراً لموقع ودور إيران المركزي والريادي في المنطقة وتميُّزها في اعتمادها السياسة الدولية ذات المبادئ. فيما باتت روسيا تؤمن بضرورة التعاطي مع الواقع في سوريا والمنطقة بشكل واقعي وعملي مما جعلها بحاجة لتنسيق أكبر مع محور المقاومة وتحديداً إيران.

نتائج على الصعيد المحلي

لم ينعكس الدور الروسي في الأزمة السورية على دور موسكو دولياً بل كان له وقعٌ إيجابي على الواقع المحلي في روسيا. حيث تبيَّن أنه من نتائج التدخل الروسي في سوريا:

أولاً: ارتفعت شعبية الرئيس الروسي محلياً. فقد استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن خلال خطاباته الموجهة الى الرأي العام الروسي، الترويج لحقيقة المُخطط الروسي في الشرق الأوسط ووضعه ضمن خانة الحرب الإستباقية على التهديدات الإرهابية التي تُشكِّل خطراً على الأمن القومي الروسي وآسيا الوسطى، في حال عودتهم من سوريا والعراق. وهو الأمر الذي يُعتبر أحد أسبابب ارتفاع شعبية الرئيس الروسي، بعد دخول روسيا في الحرب السورية.

ثانياً: ربطاً بالنتيجة الأولى، إستطاعت روسيا إبعاد خطر الإرهابيين عن الحدود الروسية. حيث أشارت التقارير الى أن حوالي 3000 مقاتل إسلامي مُنخرط في التنظيمات الإرهابية في سوريا، أتوا من جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق ويُشكلون خطراً جدياً على الأمن القومي الروسي. وهو ما تمكنت روسيا من إبعاده بشكلٍ كبير.

إذن لم يكن الدور الروسي في سوريا لأهداف تنحصر بالشأن السوري فقط. بل إن دور روسيا في سوريا جاء بهدف جعل البوابة السورية معبراً لموسكو تجاه البحر المتوسط. فيما أحدث هذا التحوُّل السياسي والعسكري، واقعاً فرض العديد من المعادلات الجديدة إقليمياً ودولياً. معادلات لم تكن لتحصل لولا الدور الذي لعبته طهران في سوريا وأرضية الممانعة التي أسستها وباتت واقعاً يحضن مصالح شعوب المنطقة أجمع.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق