التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

أمريكا ودَّعت العام 2016 ودفنت معه حُلم الشرق الأوسط الجديد 

لم يُخطئ “جون نيكسون” محلل وكالة الإستخبارات الأمريكية السابق، عندما اعترف بحاجة أمريكا للتعامل مع أطراف جُدد قد يكونوا في موقع الأعداء لها، وإلا فلن يكون بمقدور الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، إيجاد الفرصة للعب دورٍ ما في الشرق الأوسط. كلامٌ إن دلَّ على شيء فهو يدل على حجم الفشل الأمريكي الذي ساد عام 2016، وورثته الإدارة الأمريكية الجديدة. فيما كان كلام مدير الإستخبارات الإسرائيلية السابق “عاموس يادلين” بعد انتصار حلب، عن أن إدارة أوباما استكملت مسارها من الإخفاقات في الشرق الأوسط، بعد وقوفها موقف المتفرّج مما يجري في سوريا، وتسبُّبها بفراغ إقليمي ملأته روسيا وايران، أكثر وضوحاً. فكيف يمكن تبيين حجم الفشل الأمريكي الذي ورثته الإدارة الجديدة، عبر الإضاءة على عدة ملفات أساسية في المنطقة، فشلت أمريكا في إدارتها وأنهت معها حلم الشرق الأوسط الجديد؟

سوريا: رهاناتٌ فاشلة انتهت بالأمريكي كطرفٍ مُتفرِّج

لم تكد تنتهي معركة حلب بالإنتصار للجيش السوري، حتى بان وبوضوح حجم الفشل الأمريكي في التعاطي مع الأزمة السورية. ملفات سورية عديدة رافقت الأزمة، لم تستطع أمريكا تحقيق أي إنجازٍ فيها. حيث فشلت في عدة مسائل يمكن تلخيصها بالتالي:

– الفشل في تحقيق أي إنجاز ميداني يدعم أي جهد أو موقف سياسي أو أي مفاوضات.

– فشل ذريع في إدارة الأطراف الحليفة لها والذين تبدلوا بحسب الرغبة الأمريكية مما شكَّل فشلاً آخر.

– عدم القدرة على مجاراة الطرفين الروسي والإيراني في أي نقاط قوة وهو ما تبيَّن بعد إعلان وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية قبل أيام دون أي شراكة أمريكية، بل ضمن اتفاق استراتيجي روسي إيراني سوري شاركت فيه تركيا.

اليمن: فشلٌ في إيجاد أي حل بعد فضح السعي الأمريكي للتدويل

عجزت واشنطن في إدارة الملف اليمني. حيث فشلت أمريكا مؤخراً في تقديم أي رؤية جديدة للحل في اليمن، مع وضوح سعيها الدؤوب لنقل الصراع الى مسار التدويل لإنهاء الحرب. كما فشلت في الوصول الى رؤية واحدة مع السعودية بعد فشل مساعي جون كيري في إقناع الرياض بخريطة مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ. كما أن محاولة الطرف البريطاني الدخول على خط الأزمة بشكل علني ومغاير عن الطرف الأمريكي يُثبت حجم الضعف الذي باتت تتصف به واشنطن في الملف اليمني.

العراق: الموصل على أبواب كارثة إنسانية، مثال واضح لسوء الإدارة الأمريكية!

فضح شهر كانون الأول من العام 2016 حجم الفشل الأمريكي في العراق. حيث أعلن قائد قوات التحالف الدولي “ستيفن تاونسند” نهاية الشهر المنصرم، أن عملية تحرير الموصل من داعش قد تستغرق عامين. وهو الأمر الذي رأى فيه الخبراء إعترافاً أمريكياً مُسبقاً بالفشل. فيما حذر مراقبون من خطر التهاون الأمريكي فيما يخص العملية، خصوصاً أن إستمرار أمد الحرب لفترة أطول سيكون له إنعكاسات كارثية على الشعب العراقي حيث تشهد الموصل كارثة إنسانية تطال سكان المدينة الذين يتعرضون لأوضاع صعبة بسبب عمليات النزوح المستمرة الى جانب النقص في الغذاء ومواد التدفئة والأغطية والدواء وسط مطالبات منظمات حقوقية عالمية بضرورة التدخل.

مصر: حنين أمريكي بعد علاقة متوترة؟!

أن تكون مصر أول محطة لزيارة الرئيس ترامب بعد توليه الرئاسة كما أعلن، وأن يكون الرئيس السيسي أول من هنأه عربياً، دليلٌ على حنين الطرفين لعلاقة جيدة بعد أن كانت أكثر من متوترة في عهد أوباما. فالأعوام الخمسة المضطربة التي عاشتها مصر مؤخراً، اشتكى فيها المسؤولون المصريون من التدخل الأمريكي في شؤون السياسة المصرية. ولم يكتفوا بذلك بل اتهموا إدارة أوباما بمحاولة إضعاف مصر وإسقاطها، خصوصاً بعد تسريباتٍ تحدثت عن قناعة واشنطن بضعف النظام المصري وعدم كفاءته. وهو الأمر الذي وصفه “جون ألترمان” نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في أمريكا، بأنه دليل على الفشل الأمريكي المصري في إدارة العلاقة بينهم، مع اعتبار واشنطن بأن مصر لم تكن يوماً دولة ديمقراطية، خصوصاً بعد حالات القمع الكبيرة، مع بروز ضعف واشنطن في التأثير على الجانب المصري!

السعودية: الأمريكي بين القلق من سلوك الرياض ومخاطرة النزاع معها

بدا واضحاً حالة الإرتباك في العلاقات الأمريكية السعودية خصوصاً بعد إقرار مشروع جاستا، في ظل الخلاف القائم بين الدولتين وعدم قدرة أمريكا على تحقيق توازن بين قلقها إزاء سلوك الرياض السياسي الغوغائي تجاه ملفات المنطقة، والمخاطرة بالدخول في نزاع واسع مع شريكٍ رئيسي لواشنطن في الشرق الأوسط. فيما كان وصول دونالد ترامب مؤشراً على التوتر القادم في العلاقة، وتراجع المَؤونة الأمريكية على ربيبها السعودي. بينما شكَّلت السعودية بحد ذاتها دليلاً على الفشل الأمريكي في كلٍ من العراق وسوريا واليمن.

تركيا: فقدان السيطرة على الحليف الطائش والمشاغب

كرَّس رجب طيب أردوغان باتفاقه مع روسيا وإيران حول الملف السوري، استدارةً واضحة بعيداً عن الحليف الأمريكي. فيما فشلت واشنطن في إعادة استمالة أنقرة، حيث باتت في العين التركية حليفة مُموِّلة ومسلحة لخصومها من الأكراد الساعين لإنشاء كيان سياسي بين سوريا والعراق وتركيا. فيما كانت أزمة محاولة الإنقلاب التركية إحدى أهم المراحل المفصلية في العلاقة بين الطرفين، والتي جعلت أمريكا طرفاً مُهدداً لوجود النظام التركي.

إذن، إنتهى العام 2016، في ظل مشهدٍ واضحٍ من الإرتباك الأمريكي. هزيمة في سوريا، فشل في اليمن والعراق، طلاق مع السعودية وتركيا، ومحاولة احتضانٍ للطرف المصري. كلها ملفاتٌ كانت كافية لتُنهي الحلم الأمريكي بشرق أوسطٍ جديد. فيما استقبلت واشنطن العام 2017، بأزمة دبلوماسية مع روسيا، عكَّرت مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي يسعى ترامب لجعلها أقرب من الطرف الروسي. وبين نهاية العام 2016 وبداية 2017، مشهدٌ واضحٌ لمصيرٍ أسودٍ ستعيشه السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم. فهل بدأ زمن الإنحدار الأمريكي؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق