التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, مايو 6, 2024

العلاقات الروسية – السعودية في ظل تطورات الأزمة السورية 

تأثرت العلاقات بين العديد من دول المنطقة بسبب التطورات التي حصلت في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، ومن بينها التغيرات التي نجمت عمّا عرف بـ “الربيع العربي”. وقد شمل هذا التأثير العلاقات بين روسيا والسعودية نتيجة التباين في وجهات النظر وإختلاف المواقف إزاء هذه التطورات.

وبغض النظر عن التوترات التي شهدتها العلاقات بين موسكو والرياض بسبب موقف الأخيرة الداعم للجماعات الوهابية والتكفيرية في منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز، تأثرت هذه العلاقات أيضاً وبشكل واضح بسبب المواقف المتباينة تجاه الأزمة السورية التي إندلعت في مطلع عام 2011 ولازالت متواصلة حتى الآن.

فروسيا تنظر إلى سوريا باعتبارها حليفاً إستراتيجياً وتقليدياً في الشرق الأوسط على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية، في حين تنظر السعودية إلى حكومة الرئيس السوري بشار الأسد نظرة عداء بسبب مواقفها الداعمة لمحور المقاومة في المنطقة لاسيّما حزب الله في لبنان وعلاقاتها الحسنة والإستراتيجية مع الجمهورية الإسلامية في إيران الداعم الأكبر للمقاومة ضد المشروع الصهيوأمريكي المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” الرامي إلى تمزيق المنطقة والإستحواذ على مقدراتها وخيراتها وتقرير مصيرها لصالح المعسكر الغربي وحليفه الرئيس في المنطقة “الكيان الإسرائيلي”.

وتجلى الدعم الروسي لحكومة الأسد بشكل واضح في المشاركة الواسعة للقوات الروسية إلى جانب القوات السورية في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية وإنشاء قواعد عسكرية على الأراضي السورية ومن بينها قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والقاعدة البحرية في ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، فيما تجلى العداء السعودي لحكومة الأسد بتمويل الجماعات الإرهابية والتكفيرية بمختلف أنواع الأسلحة المتطورة إضافة إلى الدعم المالي والاعلامي والسياسي واللوجستي بهدف إسقاط هذه الحكومة.

وسعت السعودية مراراً وبشتى الوسائل إلى إقناع روسيا بالتخلي عن دعمها لسوريا مقابل بعض المغريات الاقتصادية لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى إطلاق تصريحات من قبل عدد من المسؤولين السعوديين تنطوي على تهديدات ضمنية للقيادة الروسية في حال لم تكف عن دعمها لحكومة بشار الأسد، الأمر الذي قابلته موسكو بردّ قوي وحذّرت الرياض من خطورة اللعب بالنار ونصحتها بالكفّ عن تجربة الغضب الروسي إزاء تلك التهديدات. وبلغ التوتر بين الجانبين ذروته أثناء حكم الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز الذي فارق الحياة في كانون الثاني/ يناير2015.

وعندما أخفقت السعودية في تغيير موقف القيادة الروسية إزاء سوريا عن طريق التهديد حاولت إستمالتها عن طريق عقد صفقات لشراء أسلحة روسية بمليارات الدولارات، وتوجه رئيس جهاز الإستخبارات السعودي السابق “بندر بن سلطان” مرتين إلى موسكو لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بتغيير موقفه الداعم لحكومة بشار الأسد لكنه أخفق أيضاً في هذا المسعى نتيجة صلابة الموقف الروسي إزاء هذا الموضوع.

ومن المحطات الهامّة والخطيرة التي مرّت بها السياسة الخارجية السعودية حيال الأزمة السورية، وبعد فشلها في تمرير مشروعها “سوريا ما بعد بشار” في ظل المكاسب التي يحققها الجيش السوري على أرض الواقع نتيجة الدعم الروسي – الإيراني المتواصل، لم تجد الرياض بدّاً من إستقطاب روسيا من خلال صفقة تبادلية تتعهد من خلالها الرياض بتوفير النفط والغاز لموسكو مقابل التخلي عن الأسد.

وخلال مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو” البلجيكية قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنه إذا قبلت روسيا مطالب بلاده بشأن سوريا، فيمكنها الدخول إلی أسواق دول مجلس التعاون المليئة بالفرص، وبالتالي فإنها ستصبح أكثر قوة من الإتحاد السوفياتي السابق.

ووصف المراقبون عرض الجبير بأنه يشير إلی قلة الخبرة الدبلوماسية لوزير الخارجية السعودي في تقييم دور ومكانة روسيا على الساحة الدولية. كما وصفت وكالة “العلاقات الاقتصادية الخارجية” الروسية طلب الجبير بالقبيح، لأنه أراد من روسيا أن تبيع حليفتها سوريا مقابل الحصول على مبلغ من المال.

ورفضت موسكو مراراً مطالب السعودية بإنهاء دعمها للحكومة السورية، وأعلنت أن بشار الأسد هو الرئيس الشرعي للبلاد، والسوريون هم وحدهم من يتخذ القرار المناسب بهذا الشأن.

وبعد التقارب الشديد والتنسيق الواضح بين روسيا وإيران لاسيّما في الجانب العسكري لدعم القوات السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية تأزمت العلاقات بين الرياض وموسكو ووصلت إلى حد القطيعة والمواجهة غير المباشرة، إضافة إلى الخلافات العميقة بين الجانبين التي نجمت عن تباين مواقفهما من الجماعات الإرهابية التي تدعمها الرياض، في حين تعتقد موسكو بأن هذه الجماعات لا تهدد الأمن والإستقرار في سوريا والشرق الأوسط برمته فحسب، بل تهدد أمن وإستقرار روسيا أيضاً نتيجة تغلغل العناصر الإرهابية وبكثافة في الدول المجاورة لها في منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز.

وتعتقد روسيا أن الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” ستشكل خطراً على أمنها والأمن الإقليمي والعالمي حتى بعد إنتهاء الأزمة السورية ولهذا تصر على القضاء على هذه الجماعات بالتحالف مع إيران والعراق وسوريا ومحور المقاومة في المنطقة.

وتنظر الرياض الآن إلى توطيد العلاقات بين إيران وروسيا وسوريا وحزب الله كتغيير جذري في الحالة الإستراتيجية للشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، وقد عبّر عن ذلك عدد من القيادات العسكرية السعودية عندما وصفت إنتشار القاذفات الروسية في مطار همدان الإيراني بالأمر الصادم والمفاجئ.

من جهة أخرى زاد تحسين العلاقات بين تركيا وروسيا من القلق السعودي لاسيّما بعد أن قررت أنقرة التقارب مع التحالف الروسي – الإيراني لإيجاد حل للأزمة السورية بهدف تطويق تداعياتها السلبية على الداخل التركي خصوصاً فيما يتعلق بسعي الأكراد لإقامة حكم ذاتي في مناطق جنوب وجنوب شرق البلاد على غرار إقليم كردستان العراق ومنطقة “الحكم الذاتي” المفترضة في سوريا.

وتعتقد كل من روسيا والسعودية بأن إنهاء الأزمة السورية ينبغي أن يتم لصالح أهدافهما المتباينة، وهذه هي إحدى النقاط الرئيسية التي تجعل العلاقات الروسية – السعودية متوترة، إذ يمثل إنتصار أحدهما في تحقيق هذا الهدف خسارة كبيرة للطرف الآخر على المديين القريب والبعيد، وهذا الأمر لا يمكن أن تقبل به موسكو لاعتبارات إستراتيجية لا تخفى على أحد ومن بينها حفظ توازن القوى أو كسبها لصالحها مقابل المعسكر الغربي الذي تقوده أمريكا في المنطقة.

أخيراً يمكن القول بأن شكل العلاقات السعودية – الروسية مرهون إلى حد كبير بطبيعة الحل الذي سينهي الأزمة السورية، وليس ثمة شك بأن النشاط الدبلوماسي بين الدولتين يرتبط بجملة من الملفات في مقدمتها الملف السوري ومدى حاجة السعودية لحليف إستراتيجي جديد في المنطقة خاصة بعد تصاعد الحديث عن رغبة واشنطن بتقليص علاقاتها مع الرياض إثر الإتهامات الكثيرة التي وجِّهت للأخيرة من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية بشأن دعم الإرهاب واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد اليمن وقتلها للمدنيين في عدوانها المتواصل على هذا البلد منذ نحو عام ونصف العام.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق