التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 4, 2024

هل ستسفر “إعادة النظر في الدستور العراقي” عن نتيجة؟ 

بعد سقوط النظام البعثي في العراق إثر الغزو الأمريكي عام 2003، توقع الجميع أن يشهد هذا البلد واقعاً مغايراً لما كان عليه قبل ذلك التاريخ، خصوصاً بعد إقرار دستوره الجديد عام 2005 والتصويت لصالحه في إستفتاء عام من قبل غالبية الشعب العراقي.

ولكن ما حصل بالفعل هو أن هذا الدستور لم يتمكن حتى الآن من حلّ الخلافات بين المكوّنات الأساسية في البلد(السنّة، الشيعة والأكراد)، كما لم تتمكن نفس هذه المكوّنات من التوصل إلى صيغة توافقية لإجراء تعديلات على بنود هذا الدستور، خصوصاً فيما يتعلق بالمواد الخلافية التي وردت فيه، وفي مقدمتها المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان. وأبرز هذه المناطق هي محافظة كركوك التي تعرضت إلى التغيير الديموغرافي على يد نظام صدّام البائد.

وتجدر الإشارة إلى أن المكوّن السنّي لم يكن موافقاً على دستور عام 2005 في بداية إقراره، لكنه أذعن له في وقت لاحق وذلك بعد أن وجد نفسه خارج العملية السياسية التي تشكلت على ضوء هذا الدستور بالتوافق بين المكوّنين الأساسيين الآخرين؛ أيّ الشيعة والأكراد.

وتنص المادة 140 من الدستور العراقي على أن تتولى السلطة التنفيذية إتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال تنفيذ هذه المادة على ثلاث مراحل هي: التطبيع، ثم إجراء إحصاء سكاني، يعقبه إستفتاء بين السكان في المناطق المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها نهاية ديسمبر/كانون الأول 2007.

وتستهدف هذه المادة إنهاء التمييز العرقي الذي كان في زمن حزب البعث المنحل، وتشدد كذلك على ضرورة رفع الغبن والظلم الذي لحق بأبناء الشعب العراقي (خصوصاً الشيعة والأكراد) نتيجة سياسات وممارسات نظام صدّام والمتمثلة بترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم، والنزوح والهجرة القسرية، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومصادرة الأملاك والأراضي والإستملاك وإطفاء الحقوق التصرفية. كما تطالب المادة 140 بإعادة الحدود الإدارية للمحافظات إلى ما كانت عليه قبل عام 1968؛ أيّ قبل مجيء حزب البعث إلى السلطة، ومن ضمنها محافظة كركوك (260 كم شمال العاصمة بغداد).

ولا يزال الجدل محتدماً بين مكوّنات هذه المحافظة بشأن تنفيذ المادة 140 . ففي الوقت الذي إنقسمت فيه آراء المكوّنين العربي والتركماني بين مؤيدٍ ومعارضٍ لتطبيقها. يشدد المكوّن الكردي وإلى جانبه أطراف تركمانية وبعض ممثلي المكوّن العربي على ضرورة تطبيق هذه المادة لفض النزاع بشأن المحافظة، لكن أطرافاً تركمانية وعربية أخرى ترفض التطبيق وتقول إن المادة إنتهت صلاحيتها مع إنتهاء المدة المحددة لتنفيذها.

وأثيرت حول الدستور العراقي منذ إقراره عام 2005 الكثير من علامات الإستفهام ونادى العديد من الخبراء القانونيين بتعديل بعض نصوصه، فيما رأى آخرون بأنه من شبه المستحيل إجراء التعديل لأنه محكوم بالشروط الواردة في المادة (142) من نفس هذا الدستور التي سمحت بتشكيل لجنة لغرض إجراء التعديل في نيسان 2006، على أن تنهي أعمالها خلال أربعة أشهر، وقد مضت أكثر من تسع سنوات ولم يتحقق شيئاً حتى الآن.

وأعطى الدستور العراقي حق النقض للمصوّتين في ثلاث محافظات برفض التعديلات حتى ولو وافقت عليها خمس عشرة محافظة. وقد تم وضع هذا النص بناءً على رأي التحالف الكردستاني عند كتابة الدستور. ويمنع هذا النص إجراء أيّ تعديل ما لم توافق عليه ثلاث محافظات سواء في إقليم كردستان أو خارج الإقليم، وهذا يعني إن التعديل طبقاً لهذا النص صار أشبه بالسراب بدليل مضي نحو عشر سنوات على الموعد الذي حدده الدستور لهذا الغرض دون نتيجة، للصعوبات التي ذكرناها، فضلاً عن الكثير من العراقيل التي تحيط بعمل مجلس النواب التي تعكس الوضع العام والحالة الأمنية والعلاقات الصعبة بين القوى السياسية.

وثمة مواد أخرى في الدستور العراقي بحاجة إلى إعادة صياغة لأسباب سياسية أو قانونية بينها المواد المتعلقة بالفدرالية والإجراءات والآليات التي تتم بموجبها، والمواد المرتبطة بهوية العراق العربية، والحقوق والحريات التي حددها الفصل الأول والثاني من الدستور، من قبيل حق إكتساب الجنسية، وكيفية توزيع الثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط والغاز بين المكوّنات العراقية أو المحافظات.

ختاماً لابدّ من القول بأن عملية تعديل الدستور العراقي تتطلب أجواءً سياسية ملائمة وعلاقات طبيعية وهادئة بين كافة القوى السياسية خاصة الرئيسية كي تتوفر مناخات صافية لبحث الإقتراحات المنطقية والعقلائية بعيداً عن التوتر والتشنج لتلافي ما حصل في السابق وحال دون تنفيذ ما تم الإتفاق عليه، وذلك من خلال تفعيل الأساليب القانونية لمعالجة هذه الخلافات بأسلوب جديد، وليس عن طريق التخندق والرفض والإمتناع، بل عن طريق الحوار الذي يحتاجه البلد أكثر من أيّ وقت مضى في أزمته الحالية، خصوصاً وإن جميع المكوّنات العراقية تأتلف الآن في حكومة منبثقة عن الدستور.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق