التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 17, 2024

نظرة أمريكا وروسيا إلى آسيا.. المواجهة أو التفاعل؟ 

لا يختلف إثنان بأن كلاً من روسيا وأمريكا يأتيان في طليعة الدول التي يرتبط مستقبلها إلى حد كبير بمدى نجاحها في إقامة أفضل العلاقات مع دول شرق وجنوب شرق آسيا، لاسيّما في مجالي الأمن والتنمية، وكذلك بطبيعة الدور الذي يمكن أن تضطلع به في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم.

وقبل عام 2014 كان السياسيون الروس لا يولون أهمية كبيرة للقارة الآسيوية مقارنة مع نظرائهم الأمريكيين، لكنهم بعد هذا التاريخ وتحديداً بعد إندلاع الأزمة الأوكرانية تغيرت نظرتهم تجاه هذا الموضوع بشكل ملحوظ خصوصاً بعد أن تأزمت علاقات موسكو مع واشنطن ووصلت إلى مستوى الحرب الباردة على خلفية تباين مواقفهما حيال تلك الأزمة.

وفي الوقت الحاضر لاتوجد بوادر تشير إلى إمكانية حصول تعاون بين أمريكا وروسيا في القارة الآسيوية. ليس هذا فحسب؛ بل يرى المراقبون بأن الكثير من الشخصيات السياسية والمؤثرة في واشنطن وموسكو ترفض مثل هذا التعاون لدواعٍ ترتبط بطبيعة التنافس الإستراتيجي بين الدولتين في شتى المجالات. ولكن رغم ذلك لازالت المحادثات الثنائية التي تُعقد بين الحين والآخر للحد من سوء التفاهم والحيلولة دون إندلاع حرب في شرق وجنوب شرق آسيا تحظى بأهمية بالغة لدى الجانبين.

سياسة أمريكا في آسيا

تتميز سياسة أمريكا الفعلية في آسيا والتي إصطلحت عليها إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما بـ”إعادة التوازن” بالشمولية وعدم الإقتصار على الجانبين الأمني والإقتصادي، وإنبثقت هذه السياسة عن الإستراتيجية الجديدة التي إنتهجتها واشنطن خلال السنوات الأخيرة والتي تستهدف تقليص الإهتمام بالشرق الأوسط والتوجه بشكل أكبر نحو شرق وجنوب شرق القارة الآسيوية.

والأمور التي تحظى بالأولوية لدى أمريكا في القارة الآسيوية في الوقت الراهن تتمثل بكيفية الإرتقاء بالعلاقة مع الحلفاء التقليديين وتعزيز الشراكة مع بعض الدول لاسيّما الصين، ومد جسور التعاون مع المنظمات الفاعلة والمؤثرة كمنظمة إتحاد دول جنوب شرق آسيا المعروفة إختصاراً بإسم (آسيان)، إلى جانب إصلاح السياسات الإقتصادية وتحسين أوضاع القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

وتواجه هذه الإستراتيجية عقبات وتحديات كثيرة بينها القيود الداخلية الأمريكية، لاسيّما ما يتعلق بنقص الميزانية، وكيفية الحفاظ على سياسة متوازنة ومؤثرة في الشرق الأوسط من جانب، وشرق وجنوب شرق آسيا من جانب آخر، وسبل مواجهة سياسة الصين في عموم آسيا والمحيط الهادئ.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إخفاق واشنطن في التوصل إلى تسوية مع روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية وشبه جزيرة القرم، من شأنه أن يرسل رسالة سلبية إلى الصين تدعها غير مستعدة لتعزيز علاقاتها مع أمريكا. وبعبارة أخرى قد تفكر بكين بالضغط على واشنطن من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ بأدنى كلفة أو بأقل الخسائر.

سياسة روسيا في آسيا

بدأت موسكو قبل إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق أواخر عام 1991 ومع إنتهاء فترة الحرب الباردة مع أمريكا بتعزيز علاقاتها السياسية والإقتصادية مع الدول المجاورة لاسيّما في شرق آسيا.

وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي سلك الرئيس السوفيتي السابق “ميخائيل غورباتشوف” سياسة متعددة الأبعاد تقوم على أساس الإنفتاح على دول شرق آسيا خصوصاً التي كانت تعيش في عزلة عن جيرانها لدواعٍ أمنية، والسعي لتطبيع العلاقات مع الصين والذي تجلى خلال زيارة غورباتشوف إلى بكين عام 1989، وكذلك إفتتاح مكتب لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كوريا الجنوبية في أيلول/ سبتمبر عام 1990.

ورغم إنضمام روسيا إلى منظمة التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي المعروفة إختصاراً بإسم (آبيك) عام 1997، بقيت العلاقات الإقتصادية بين موسكو والدول الآسيوية محدودة حتى وقت قريب، بسبب إهتمام معظم الشركات الروسية المعتبرة بالأسواق الأوروبية. كما بقي إهتمام السياسة الخارجية الروسية متوجهاً خلال تلك الفترة نحو دول أوروبا الأطلسية.

وبعد إندلاع الأزمة الأوكرانية وتوتر العلاقات بين روسيا والغرب بسبب إختلاف مواقف الطرفين حيال هذه الأزمة والذي أدى أيضاً إلى توتر الأوضاع الأمنية بين الجانبين، اضطرت موسكو للتوجه نحو دول شرق وجنوب شرق آسيا للتعويض عن الخلل الذي أصاب إقتصادها نتيجة فرض الدول الغربية حظراً على الشركات الروسية.

ولم يكن هذا التوجه من قبل روسيا مجرد مناورة أو إجراء تكتيكي لمواجهة أزمة مؤقتة؛ بل كان بمثابة إستراتيجية جديدة إتخذتها موسكو لإعتقادها بضرورة تشكيل قطب سياسي وإقتصادي عالمي جديد يضم إلى جانبها الصين والهند وبلدان أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا لمواجهة هيمنة أمريكا والإتحاد الأوروبي على النظام العالمي الذي سعت واشنطن طيلة عقود من الزمن إلى أن يبقى أحادي الجانب خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي وغزو أمريكا لأفغانستان والعراق في عامي 2001 و2003.

ويعتقد الكرملين أن النظام العالمي الأحادي القطب الذي سعت أمريكا من خلاله للسيطرة على المقدرات الإقتصادية والسياسية للدول الأخرى بات يهدد الأمن والإستقرار في كافة أرجاء العالم خصوصاً في القارة الآسيوية، ولهذا قررت روسيا إتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة هذا النظام بالتنسيق مع الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً وفي مقدمتها الصين وإيران والهند.

وتعتقد روسيا أيضاً بأن الأمن العالمي لا يمكن تجزئته أو تفكيكه عن بعضه البعض، وتؤكد في الوقت نفسه بأنه ليس من المنطقي أن تفكر دولة بتعزيز أمنها على حساب الدول الأخرى، كما لا يمكن لأيّ بلد – على فرض حسن نواياه – أن يحفظ أمن العالم بمفرده مهما أوتي من إمكانات وقوة، ومن هنا كان لابد لموسكو من التفكير بإيجاد نظام عالمي جديد تتعادل فيه موازين القوى العسكرية والسياسية والإقتصادية، والتصدي لنزعة التفرد بالقرارات الدولية التي تريد واشنطن من خلالها الهيمنة على مقدرات العالم لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب والدول الأخرى.

مقارنة بين سلوك أمريكا وروسيا تجاه آسيا

تتفق أمريكا وروسيا بسلوكهما تجاه آسيا في عدة أمور رئيسية يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:

– كلا الطرفين يولي أهمية قصوى لدول شرق وجنوب شرق آسيا باعتبارها تمثل مناطق إستراتيجية وحيوية في شتى المجالات، لاسيّما في مجالي تعزيز الأمن ورفع مستوى التنمية.

– تسعى كل من روسيا وأمريكا إلى منع إنتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ خصوصاً الأسلحة النووية لشعورهما بأنها تهدد أمن وإستقرار البلدين على المديين القريب والبعيد.

– يسعى الجانبان الأمريكي والروسي إلى تسوية أيّ أزمة أو مشكلة قد تظهر بين دولتين أو أكثر في شرق وجنوب شرق آسيا بالطرق السلمية، خشية حصول نزاع مسلح قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مصالحهما الحيوية في هذه المنطقة الحساسة والمهمة من العالم.

علاقات أمريكا وروسيا مع الصين

توصف العلاقات بين أمريكا والصين بأنها مزيج من التعاون والتنافس في شتى الميادين الأمنية والسياسية والإقتصادية. ولهذا تسعى واشنطن إلى تسوية الخلافات مع بكين في أيّ من هذه المجالات من خلال التلويح بإستخدام القوة تارة، ومحاولة إسترضائها وكسب ودّها تارة أخرى، في حين نجحت موسكو في تعزيز علاقاتها مع بكين إلى أعلى مستوى خلال العقدين الماضيين ولم تسمح لأيّ خلاف بين الصين ودولة آسيوية أخرى أن يؤثر سلباً على هذه العلاقة.

ختاماً ينبغي القول بأن أمريكا وروسيا تسعيان لإبعاد شرق آسيا والمحيط الهادئ عن الصراعات المسلحة حفاظاً على مصالحهما الإستراتيجية في هاتين المنطقتين في شتى المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق