التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 17, 2024

التأثيرات الاجتماعية للهجمات في المجتمعات التي يستهدفها الارهاب 

تؤكد الدراسات النفسية التي اجريت حول موضوع الارهاب ان الارهابيين يسعون الى ايجاد أثر نفسي لعملياتهم، ويتسبب هذا الاثر النفسي بايجاد امواج واسعة في المجتمع تشمل من يراد ايصال الرسائل اليهم بشكل مباشر والضحايا بالاضافة الى اقارب الضحايا واصدقائهم، وتصل الى الاوساط المختلفة في المدينة والبلد الواحد وثقافة ذلك الشعب المستهدف وعندما تنقل وسائل الاعلام خبر هذه الهجمات الارهابية تساعد على ترسيخ هذ الاثر النفسي، وفي الحقيقة ان هوية الارهاب ارتبطت مع الاثر الذي يتركه على من يستهدفهم وهكذا يمكن القول ان الارهاب هو اسلوب عنف سياسي خاص يريد ترك تأثير على فئة اكبر عبر مهاجمة فئة اصغر.

يتناول بنجامين فريدمان وجيم هاربر مؤلفا كتاب “كيف نجعل انفسنا ارهابيين” في جزء من كتابهما موضوع اثر الخوف والرأي العام على سياسة مواجهة الارهاب، ويعتقد احد المؤلفين وهو فريدمن ان الانحرافات المعرفية تؤدي الى زيادة نسبة القلق لدى المواطنين اكثر مما يجب وان المعلومات التي يحصل عليها هؤلاء حول الارهاب والعمليات الارهابية مستقاة من وسائل الاعلام التي تؤجج امواج الخوف الواسعة.

ويضيف فريدمن ان هذه القضية تتحول الى دوامة في بعض الاحيان وهي دوامة تؤدي الى ردة فعل متطرفة للمجتمع ضد الهجمات الارهابية وهذه تؤدي بدورها الى خلق هجمات ارهابية اكثر، بمعنى ان هجمات ارهابية اكثر تؤدي إلى ردة فعل اكبر للمجتمع المستهدف وهذا يخلق هجمات ارهابية اكبر، وهكذا دواليك.

بعد مضي ساعة واحدة من الهجوم الارهابي الذي حدث في اليوم الوطني لفرنسا حضر مؤيدو الارهابيين في وسائل التواصل الاجتماعي ليظهروا فرحتهم من هذا الهجوم وهذا شكل قسما من اخبار وسائل الاعلام ما سيقوي الدوامة المستمرة لردة الفعل المتطرفة للسكان المحليين والرد الارهابي، ان هذه الاوضاع من المحتمل ان يساعد على تكوين جيل عنيف في المجتمعات التي تقع ضحية الارهاب وهو جيل ستكون لديه نزعة استعلائية وغير سلمية.

ويعتقد فريدمن ان السيطرة على تأثير وتبعات الارهاب يمكن ان تساهم في السيطرة على الارهاب نفسه لأن السياسات التي تتبع لمواجهة الارهاب هي اداة ضرورية في مواجهة الاعمال المتطرفة. ان السيطرة على الردود المتطرفة يمكن ان تقلص امكانية استفادة الارهابيين من هذه الردود وتؤدي في النهاية الى تقليص الهجمات الارهابية.

وفي الحقيقة يتطرق مؤلفا الكتاب الى موضوع فهم كيفية أثر الخوف على الرأي العام وكيف يمكن لأشخاص مؤثرين على الآخرين ان يقلصوا هذا الأثر المخرب، ويعتقد المؤلفان ان الاشخاص المؤثرين يمكنهم ان يمنعوا تحرك الشعور العام القوي نحو السبل المخربة، ويقولان ان الخوف يزداد عندما يتناقل الاشخاص المعلومات عن الهجمات الارهابية لكن اذا توفرت لدى عامة الناس معلومات اولية صحيحة فإن الخوف يكون قليلا.

هناك علاقة منظمة بينكم وبين نشرات الاخبار والمقالات الخاصة بهجوم ارهابي وبين عدد الهجمات الارهابية اللاحقة، وفي بعض الاحيان تشجع انباء الصحف العالمية الشهيرة حول الهجمات الارهابية في بلد ما على تشجيع الهجمات المماثلة في البلد نفسه، وعلى سبيل المثال فإن الاشخاص الذين لا صلة لهم بداعش يدعون بانهم ارهابيون ويسعون الى كسب اهمية سلبية لذاتهم عبر الاستفادة من هذه الهجمات الارهابية حتى لو لم تكن هناك اية صلة بينهم وبين تلك الهجمات لأن مشاهدي وقراء وسائل الاعلام يحفظون اسماء الارهابيين في اذهانهم لسنوات طويلة.

ان مرتكبي هجوم مدينة نيس الفرنسية كانوا يدعون بأنهم اعضاء في داعش لكنهم في الحقيقة كانوا على علاقة فقط بعائلات عناصر داعش، ان السلوك الارهابي الذي يحدث نتيجة مشاكل الهوية في المجتمعات الغريبة حتى اذا لم تحقق نتائجها المبتغاة لكنها تجلب ارضاء نفسيا كبيرا لمرتكبيها، وان “جلب انتباه الآخرين الى الهوية المطموسة” و”اعادة بناء الهوية الذاتية” و”تقديم تعريف جديد للذات كشخص مؤثر ومهم في المجموعة” هي من هذه النماذج.

ومن جهة اخرى فإن الكثير من السلوكيات الارهابية الناجمة عن السلوك العدواني هي في الحقيقة اداة رد على ازمات الهوية الاجتماعية على الرغم من ان هذه المشكلة تظهر احيانا على شكل سلوكيات عدائية اخرى ضد المجتمع.

ان ما يلفت النظر بالنسبة الى الهجمات الارهابية الاخيرة هو تغيير اسلوب الاعمال والهجمات العنيفة، ففي السنوات الماضية كانت الهجمات الارهابية معقدة ولها استراتيجية خاصة في تنفيذ العمليات لكن الان فإن بساطة العمليات جعلت التوقعات بحصولها امرا صعبا، ومن جهة اخرى هناك تغيير تكتيكي فيما يتعلق بالارهاب وهو تقليص الحاجة الى المنظمات والهيكليات التنظيمية وهذا يجعل التوقع بحصول الهجمات الارهابية ورصدها امرا صعبا جدا، ان هذين العاملين اي بساطة شكل الارهاب وعدم تعقيده وكذلك تنفيذ العمليات الارهابية على يد ارهابيين غير محترفين وغير منظمين جعل الارهاب حدثا محتمل جدا وبسيط وهذا يؤثر بشدة على الأمن النفسي للمجتمعات التي تستهدفها العمليات الارهابية.

ان الارهاب في اي شكل وصورة كان له ما يغذيه وهو التطرف الذي يستمر دون معالجته، وفي الحقيقة فإن منع سير الاشخاص والمجتمعات نحو التطرف في مكافحة الارهاب يعتبر اولوية وهذه عملية لا يتحكم بها شخص او حكومة او منظمة لكن المواجهة وردود الافعال المضادة بين ردة الفعل المتطرفة للمجتمع الذي يستهدفه الارهاب من جهة والاشخاص المستعدين والجاهزين للقيام بالهجمات الارهابية ومؤيديهم يسرع عملية سير المجتمع نحو التطرف وان هذه المجتمعات يوجد فيها نوع من الهستيريا الجماعية التي تشعر وتستعد دوما بوجود خطر واضرار خارجية او حتى داخلية وهذه القضية تدفع الرأي العام الى ابداء ردود تشبه الهزات.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق