التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 17, 2024

فشل سياسة نتنياهو لوقف إنتفاضة القدس 

تحوّل الجدل داخل الكيان الإسرائيلي بشأن كيفية مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة المعروفة بإنتفاضة القدس إلى أزمة حقيقية بين أقطاب حكومة الإحتلال لاسيّما بين رئيسها “بنيامين نتياهو” ووزير الحرب الجديد “أفيغدور ليبرمان” المعروف بتطرفه ورفضه لأيّ تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.

ويسعى نتنياهو إلى توظيف تداعيات إنتفاضة القدس لصالحه من خلال الظهور بمظهر من يملك إستراتيجية واضحة لمواجهتها لإخفاء فشله الذريع في هذا المجال رغم الإجراءات القمعية التي إنتهجتها حكومته لوقف هذه الإنتفاضة التي إندلعت في مطلع أكتوبر / تشرين الأول 2015 ولا زالت متواصلة حتى الآن.

ويمكن الإشارة إلى حجم هذا الفشل من خلال الحقائق التالية:

الف) إنعدام الأمن داخل الكيان الإسرائيلي:

أثبتت الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة أمرين مهمين:

الأول: إنتهاء الأسطورة التي إستمرت لعقود من الزمن والتي تزعم بأن كيان الإحتلال لا يمكن قهره من الداخل.

الثاني: فشل مشروع التسوية الذي إعتمدته السلطة الفلسطينية من جانب، وإخفاقه في إمكانية إحتواء غضب الشارع الفلسطيني تجاه ممارسات كيان الإحتلال وإصراره على مواصلة الإنتفاضة لإستعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة.

وبلغ الخوف لدى قادة كيان الإحتلال من إستمرار الإنتفاضة الفلسطينية حدّاً إنعكس بشكل واضح على قراراتهم السياسية من جهة، وفشلهم في إقناع المستوطنين الصهاينة بإمكانية السيطرة على الأوضاع الأمنية المتدهورة التي أرغمت الكثير من هؤلاء المستوطنين على تقليص نشاطاتهم اليومية أو التفكير بمغادرة الأراضي المحتلة خوفاً من الإستهداف الفلسطيني الذي تصاعدت وتيرته خلال الشهور القليلة الماضية وأدى إلى مقتل وجرح عدد كبير من القوات الإسرائيلية وسكّان المستوطنات وشلّ حركتهم خصوصاً في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وتتميز الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة عن سابقتيها بكونها أكثر تنظيماً وتماسكاً ومطالبة بالإستقلال وتحرير كامل الأراضي الفلسطينية من دنس الإحتلال الصهيوني ورفضْ أيّ محاولة للتسوية أو التفاوض والتأكيد على ضرورة مواصلة الكفاح والمقاومة وعدم الإعتماد على الحلول المجتزأة والمتخاذلة التي تقدمها بعض الدول العربية كالسعودية أو الغربية كالمبادرة الفرنسية الأخيرة التي تدعو إلى إستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وكيان الإحتلال على أساس ما يسمى بـ “حل الدولتين”.

ب) الإنتفاضة الثالثة وبناء المستوطنات

من مميزات الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة كذلك إنها ارتبطت أيضاً بشكل غير مباشر بعملية بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث أدت هذه الإنتفاضة ومنذ الأيام الاولى لإندلاعها قبل أكثر من ثمانية أشهر إلى زرع الخوف في نفوس المستوطنين إلى درجة جعلتهم لا يفكرون في الإستفادة من هذه المستوطنات التي يتعرض ساكنوها بين الحين والآخر لعمليات إستهداف بالطعن بالسكاكين من قبل الفلسطينيين المنتفضين والرافضين لبقاء الإحتلال ولأي محاولة سياسية داخلية أو خارجية للإلتفاف على حقوقهم المشروعة في التحرر الكامل من الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن بناء العديد من المستوطنات تم التخطيط له بشكل يهدف إلى تغيير البنية الديموغرافية والهيكيلة الجغرافية للمناطق الفلسطينية ومصادرة مواردها المائية لصالح المستوطنين لاسيّما في القدس والضفة الغربية.

كما تجدر الاشارة إلى أن قادة الكيان الإسرائيلي كانوا يخططون منذ عقود من الزمن لتهويد الأماكن المقدسة لاسيّما في القدس الشريف والتضييق على الفلسطينيين لمنعهم من الإستفادة من هذه الأماكن، تمهيداً لإبعادهم منها بشكل كامل بحجج واهية وأساليب قمعية لغرض تمكين المستوطنين من الإستحواذ على ما تبقى من المناطق التي لازالت بيد الفلسطينيين.

ويعتقد الكثير من المراقبين بأن سلطات الإحتلال الإسرائيلي باتت تفكر بالإستغناء عن الأجهزة الأمنية التابعة للسطة الفلسطينية في الضفة الغربية لإعتقادها بعدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع الأمنية في هذه المنطقة التي تعد من المعاقل المهمة للإنتفاضة الفلسطينية رغم الإجراءات القمعية التي إنتهجتها السلطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتطويق تداعيات هذه الإنتفاضة والحد من تأثيرها على باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ج) جدلية الفرصة والأزمة

يرى معظم المحللين والمتابعين للشأن الإسرائيلي بأن سياسة رئيس حكومة الإحتلال “بنيامين نتنياهو” الذي يصر على مواصلة بناء المستوطنات ويرفض في الوقت نفسه مواصلة مفاوضات التسوية دون الإعتراف رسمياً بالكيان الإسرائيلي وبشكل كامل من قبل الدول العربية تهدف في الحقيقة للتغطية على فشله في وقف أو تحجيم الإنتفاضة الفلسطينية من جانب، وإخفاء عجزه عن إقناع خصومه داخل الإئتلاف الحكومي خصوصاً وزير الحرب “أفيغدور ليبرمان” وتياره المتطرف بضرورة الرضوخ للأمر الواقع والإستجابة للمبادرات الداعية إلى إستئناف مفاوضات التسوية مع السلطة الفلسطينية ومن بينها “المبادرة الفرنسية” كسبيل وحيد للخروج من عنق الزجاجة الذي بدأت تضيق حلقاته يوماً بعد آخر بفعل الضربات الموجعة التي يوجهها الفلسطينيون لمفاصل كيان الإحتلال والتي أثرت كثيراً على وضع هذا الكيان في كافة المجالات الأمنية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية. وتجدر الاشارة أيضاً إلى أن نتنياهو أخذ يتظاهر بشكل ملفت خصوصاً في الآونة الأخيرة بأنه يرفض أي مبادرة للتسوية مع الفلسطينيين دون الإعتراف الكامل بالكيان الإسرائيلي من أجل إرضاء خصومه في الإئتلاف الحكومي، لكنه في الحقيقة يفضّل هذا الحل “المفاوضات” لأنه سيمكنه -بحسب إعتقاده- من شقّ الصف الفلسطيني من ناحية، ويسهم بترغيب السلطة الفلسطينية في لعب دور أكبر في قمع الإنتفاضة من ناحية أخرى.

ومن الأساليب الأخرى التي إتبعها نتنياهو لتحجيم الإنتفاضة محاولة الإيحاء بأن ما يحصل هو صراع فلسطيني – فلسطيني، وليس إنتفاضة عارمة ضد الكيان الإسرائيلي، إلاّ أنّ هذه السياسة سرعان ما إنكشفت خيوطها وإفتضح أمرها بعد أن فهم الفلسطينيون اللعبة وأدركوا أبعادها بفضل الوعي الذي يتحلون به وإستيعابهم للدروس المهمة التي أفرزتها التجارب المرّة التي عانى منها الشعب الفلسطيني طيلة أكثر من ستة عقود من الزمن تحت نير الإحتلال.

من خلال هذه المعطيات يتبين بوضوح أنّ نتنياهو والأطراف المؤيدة له داخل كيان الإحتلال باتوا يشعرون بسيل من الضغوط غير المسبوقة في كافة المجالات والتي تسببت بخلق حالة من القلق والإرتباك لدى هذه الأطراف، وهذا الأمر يمثل بحد ذاته نتيجة طبيعية لإستمرار إنتفاضة القدس التي غيّرت الكثير من المعادلات السياسية والميدانية رغم الصعوبات التي تواجهها وقلّة الإمكانات، وقد ساهمت هذه الإنتفاضة بتعزيز التلاحم بين الفصائل الفلسطينية المقاومة والتي تحظى بتأييد ودعم الشعب الفلسطيني سيّما حركتي “حماس” و “الجهاد الإسلامي”، وقد ظهر هذا التلاحم بشكل جلي في مواقف وتصريحات قادة الحركتين خلال الأسابيع الأخيرة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق