التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 10, 2024

تركيا والسيناريوهات المحتملة في سوريا 

تواجه تركيا في الوقت الحاضر عدّة تحديات فيما يتعلق بالشأن السوري الذي يواجه هو الآخر عدّة سيناريوهات محتملة. ويمكن القول إن جميع هذه السيناريوهات لن تصب في نهاية المطاف بصالح أنقرة، خصوصاً وإن تركيا تمتلك حدود برية طويلة مع سوريا خلافاً للدول العربية والغربية التي سعت أيضاً لإسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لكنها لا تملك حدود مشتركة مع سوريا وفي مقدمتها أمريكا وقطر والسعودية.

فما هي هذه السيناريوهات وكيف ستنعكس سلباً على الواقع التركي؟ الإجابة عن هذا التساؤل تكمن بالإشارة إلى ما يلي:

السيناريو الاول: بقاء نظام حكم بشار الأسد

في هذه الحالة ستكون تركيا هي الخاسر الأكبر باعتبارها الحاضنة الأكبر للجماعات المسلحة المعارضة للنظام في سوريا منذ إندلاع الأزمة في هذا البلد في آذار / مارس عام 2011 وحتى الآن. ويترتب على ذلك عدد من النتائج بينها:

1 – إستمرار العلاقات المتوترة بين أنقرة ودمشق بسبب المواقف المعادية التي إتخذتها الحكومة التركية ضد حكومة “بشار الأسد” طيلة السنوات الماضية.

2 – فقدان تركيا لمصالحها الإقتصادية في سوريا في مختلف المجالات، وهي مصالح كبيرة ومتشعبة بحكم الجوار التاريخي والجغرافي والإجتماعي والديني والثقافي بين الجانبين.

3 – إستمرار توقف خط ترانزيت البضائع المار من سوريا إلى تركيا، والذي يمثل أحد خطوط الترانزيت المهمة بين العالم العربي وتركيا ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

وبالنتيجة فإن بقاء حكومة “بشارالأسد” سيضيق الخناق على الحكومة التركية إقتصادياً بالإضافة إلى المشاكل السياسية والأمنية والإجتماعية التي ستواجهها أنقرة في الداخل بسبب مواقفها الداعمة للجماعات الإرهابية المعادية لسوريا.

السيناريو الثاني: سقوط نظام بشار الأسد

في هذه الحالة هناك عدّة إحتمالات:

الأول: أن تتمكن المعارضة السورية الموالية للمحور العربي – الغربي بقيادة أمريكا من الوصول إلى السلطة في هذا البلد. وفي هذه الحالة سيكون دور تركيا ضئيلاً وهامشياً في رسم مستقبل سوريا رغم الدعم الكبير الذي قدمته للجماعات المسلحة المعارضة لنظام “بشارالأسد”.

الثاني: أن تقع سوريا في حال إنهيار نظام “بشارالأسد” بيد التنظيمات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة والجماعات السلفية. وفي هذه الحالة ستكون تركيا من الناحية العملية مجاورة لهذه الجماعات وهذا بحد ذاته يشكل تهديداً لأمنها الإجتماعي بالدرجة الأولى بسبب قدرة هذه الجماعات على ترويج أفكارها المتطرفة والهدامة، وسيؤدي ذلك بالتالي إلى إنتشار التطرف والإرهاب وزعزعة الأمن والإستقرار في عموم البلاد.

الثالث: تقسيم سوريا في حال سقوط نظام “بشارالأسد” إلى ثلاث أو أربع دويلات صغيرة حسب التقسيمات القومية والطائفية في هذا البلد؛ أي دولة للأكراد وأخرى للطائفة العلوية وثالثة للطائفة السنيّة في إطار أيديولوجية قريبة من أيديولوجية القاعدة. وهذه الحالة ستؤدي إلى بروز مخاطر جمّة تهدد تركيا في كافة المجالات نتيجة الأفكار السلفية التي تحملها الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى المخاطر الناجمة عن التوجهات القومية والطائفية في داخل تركيا والتي يطالب أصحابها بالإنفصال أيضاً لاسيّما من قبل الأكراد والطائفة العلوية وهذا سيؤدي بدوره إلى تقسيم تركيا أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك من الممكن أن يؤدي تقسيم سوريا إلى إندلاع حرب أهلية في هذا البلد والذي سيؤدي بدوره إلى بروز مخاطر أمنية جمّة على جانبي الحدود مع تركيا بسبب التوجهات الطائفية بين السنة والعلويين من جهة والتوجهات العرقية لاسيّما بين الأتراك والأكراد وغيرهم من الأقليات من جهة أخرى.

الرابع: تشكيل نظام سياسي فيدرالي في سوريا وهو ما تسعى أمريكا وروسيا إلى تطبيقه على أرض الواقع في الوقت الحاضر. وفي هذه الحالة سيتم تقسيم البلاد إلى ثلاث وحدات إدارية فيدرالية تمثل السنة والعلويين والأكراد، وهذا من شأنه أن يتسبب ببروز مخاطر حقيقية تهدد وحدة الأراضي التركية ونظامها المركزي القائم على أساس حصر السلطة بيد الطائفة السنيّة.

ومن المعلوم إن تركيا تعارض وبشدة قيام نظام حكم ذاتي في المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا خشية من أن يطالب أكراد تركيا أيضاً بمثل هذا النوع من الحكم في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد.

من خلال قراءة هذه السيناريوهات والإحتمالات يبدو جلياً إن تركيا سوف لن تستفيد أبداً من وقوفها إلى جانب الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد نظام الرئيس السوري “بشار الأسد”، حتى وإن أدى ذلك إلى إنهيار هذا النظام أو تم تقسيم البلاد إلى وحدات فيدرالية أو أقاليم سنية وعلوية وكردية، لأن العواقب الوخيمة لذلك ستنعكس بصورة مباشرة على تركيا نفسها التي تتألف أيضاً من قوميات وطوائف متعددة، والتي من المرجح جداً أنها ستطالب كذلك بحكم ذاتي بعيداً عن سيطرة أنقرة حالما تتهيأ الفرصة لتحقيق ذلك على غرار ما حصل في إقليم كردستان العراق، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي ستنجم عن تأثير الجماعات المتطرفة في سوريا على الداخل التركي.

وتشير المعطيات المتوفرة على أرض الواقع بأن إحتمال بقاء نظام الرئيس السوري أرجح بكثير من إحتمال إنهياره، خصوصاً بعد الإنتصارات الكبيرة التي حققتها القوات السورية على الجماعات المسلحة بدعم من حلفاء سوريا لاسيّما إيران وروسيا ومحور المقاومة وفي مقدمته حزب الله لبنان.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق