التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, أبريل 28, 2024

مستجدات العلاقة بين “الناتو” ودول مجلس التعاون 

لماذ كل هذا الأهتمام من قبل تحالف شمال الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الخليج الفارسي؟ رغم أن الهدف الرئيسي من تأسيس الحلف يكمن في الدفاع عن القارة الأوروبية أمام “الخطر الشيوعي”. سؤال يطرح نفسه بشكل جدّي في ظل جملة من المتغيرات التي تتحدث عن حضور جديد للحلف سواءً في الكويت أو العراق أو دول إقليمية آخرى.

أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) “ينس شتولتنبرغ” الأسبوع الجاري إن وزراء خارجية التكتل الذي يضم 28 دولة سيناقشون سبل تعزيز التعاون مع الشركاء في منطقة الخليج الفارسي خلال اجتماع بروكسل (إنتهى أمس الجمعة)، موضحاً أن الوزراء “سيناقشون سبل العمل بصورة أكثر قربا مع شركائنا في منطقة الخليج (الفارسي) في إطار التخطيط لإرساء الاستقرار في منطقة الجوار الأوسع.

“شتولتنبرغ” قال:”اننا نتطلع لافتتاح مركز تدريب إقليمي الناتو في الكويت”، ليعلن في اليوم التالي أن الحلف سيرسل خبراء إلى العراق في أقرب وقت لدراسة تدريب ضباط عراقيين، فلماذا كل هذه الإهتمام في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً دول الخليج الفارسي؟

تحوّل تاريخي

لم يعد “الخطر الشيوعي” من معالم إستراتيجية حلف شمال الأطلسي بعد إنتهاء الحرب الباردة، بل أصحبت مهمّة الحلف الرئيسية لعب دور سياسي أمني عسكري خارج نطاقه السابق حيث أضحى الناتو من أبرز الفاعلين في البيئة الدولية لاسيّما بعد أحداث 11 سبتمبر التي شكّلت منعطف إستراتيجي أفضت إلى تحوّل جيوسياسي جذري للحلف.

تنقسم حقبة الناتو منذ نشأته في4 نيسان/ابريل 1949 إلى ثلاثة مراحل، حيث تعد المرحلة الأولى الأطول زمانياً وتمتد حتى إنتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، في حي تنحصر المرحلة الثانية أو مرحلة التحّوّل الأبرز بين بداية القطبية الأحادية لأمريكا وأحداث 11 سبتمبر(رغم أن هذه المرحلة هي الأقصر زمانياً إلى أنها أسّست للمرحلة الثالثة التي بدأت فعليا قبل أحداث 11 سبتمبر إلا أنها تبلورت بعده) ، لتبدأ المرحلة الثالثة منذ ذلك التاريخ وتمتد حتى يومنا هذا رغم حصول التغيّرات الأساسيّة داخل الحلف وفي محيطه.

إتسمت المرحلة الأولى للحلف بالطابع العسكري لأن”مواجهة الشيوعية” كانت أحد أبرز إستراتيجيات الحلف، بإعتبار أن الهدف المعلن من انشاءه هو لمحافظة على أمن القارة الأوروبية ضد منظومة الدول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي ( حلف وارسو). إنتهاء الحرب الباردة سقوط الإتحاد السوفيياتي والثنائية والعالمية، وبروز النظام العالمي الجديد الأحادي القطبية شكّل منعطفاً رئيسياً في تاريخ حلف شمال الأطلسي الذي وجد نفسه أمام متغيرات جديدة يجب التعامل معها بإستراتيجية مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة حيث لم يعد العمل العسكري وحده يجد نفعاً.

في المرحلة الثانية إنتقل الحلف إلى إستراتيجية جديدة إتخذت من الطبيعيتن العسكرية والأمنية، مطعّمةً ببعض من السياسة، عنوانه له، وقد أضحى الحلف من المنظمات الفاعلة على الساحة الدولية حيث سنحت له التطورات حينها، بالتدخل في دول اوروبية من خارج الحلف ، بالإضافة للتدخل في مناطق من خارج اوروبا. بإختصار، إن زوال حلف وارسو دفع بالناتو للبحث عن أسباب تبرر وجوده وعمله على الساحة الدولية لاسيّما في ظل الحديث عن نظام عالمي جديد، كما أن تطورات الحقبة الثانية، حرب الخليج الثانية عام 1991م، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط وحرب عام 1999م، أسّس لمرحلة جديدة تبلور بعد أحداث 11 سبتمبر بشكل جلي.

المرحلة الثالثة التي يعيشها الحلف حلياً وضعت الناتو أمام تحوّل جذري، إن من حيث الدور، أو من حيث النطام الجغرافي؛ بل من حيث الطبيعة، وشهدت تطورات أساسيّة عدّة زادت من الحدود الجغرافية للحلف سواءً في الحرب على أفغانستان عام 2001م، أو الحرب على العراق عام 2003، الأمر الذي أفضى إلى إنقسام في الرؤى المستقبلة للحلف بين واشنطن وبعض العواصم الأوروبية.

مجلس التعاون

لم يكن حديث “شتولتنبرغ” أمراً جديداً، بل يكشف السير التاريخي للحلف إهتمامه بالمنطقة التي تستحوذ على “حصّة الأسد” من الطاقة العالمية، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي بين القارات الثلاث، ففي مؤتمر “تحولات الناتو والأمن في الخليج” والذي عقد بدولة قطر في نيسان/ أبريل 2004، أكّد الناطف باسم الحلف الأطلسي جيمس أباثيروا أن “تعزيز العلاقات بدول المجلس (مجلس التعاون) يمثل أولويات الناتو في السنوات القليلة القادمة، وقد لقيت تلك المبادرة ردود إيجابية من جانب بعض الدول الخليجية”. إهتمام الناتو بآليات التعاون المستقبلي مع دول مجلس التعاون تعود إلى ما قبل العام 2004، حيث أثارت أمريكا في الاجتماع السنوي الخمسين لأعضاء الناتو في نيسان / إبريل 1999 بعض النقاط حول دخول الناتو منطقة الخليج الفارسي، الأمر الذي لاقى إعتراضاً أوروبيا لاسيّما من فرنسا وألمانيا، إلا أن هذا الإعتراض وضع جانباً بعد أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001.

بعد مؤتمرالدوحة عام 2004، نجح الناتو في إبرام بعض الفقات مع الدول الخليجية في المباحثات التي أجريت بين الجانبين في اذار/مارس 2005، وقد أبدت كل من الكويت وقطر والإمارات والبحرين إستجابتها لطلب الناتو ومفاقتها على مقترحات ” مد جسور التعاون”، إلا أن السعودية وسلطنة عمان لم تبديان الرغبة نفسها.

لاحقاً، وخلال قمة ريغا التي عُقدت في نوفمبر 2006، أطلق رؤساء دول وحكومات بلدان حلف الناتو مبادرة الناتو للتعاون في مجال التدريب كإطار لإشراك خبرات الحلف التدريبية مع شركاء الناتو في الشرق الأوسط الكبير والمنضمين إلى كل من الحوار المتوسطي ومبادرة اسطنبول للتعاون التي أعقبت مؤتمر الدوحة، وما حديث شتولتنبرغ الأسبوع الجاري إلا تتويجاً لقرارات هذا المؤتمر الذي رسمت خطوطه الخليجية في الدوحة عام 2004.

أبرز التساؤلات

قد لا يحتلف إثنان على أهداف الناتو، الذي ينتشر حالياً في القارات الثلاث ويتعاون مع حوالي 40 دولة، من هذه الخطوات بإعتبار أنه طرح جزء كبير منها في وقت اسبق وفي العديد من مؤتمراته، لكن هناك بعض الأسئلة التي تتعلّق بدول المنطقة حيال إلتزاماتها مع الناتو:

أولاً: هل يعد قدوم الناتو إلى منطقة الخليج الفارسي هدفاً لحاصرة إيران، أم أن الأمر وليد الصدفة؟، فقوات الناتو التي أجبرت على اللجوء إلى إيران في بعض المجالات في أفغانستان، تتواجد في أذربيجان في شمال إيران، وأفغانستان في الشرق، وكل من تركيا والعراق في الغرب، وهاهي اليوم في دول مجلس التعاون جنوب إيران.

ثانياً: ماذا لو تطور تواجد الناتو في هذه الدول وأثّر على دور درع الجزيرة الذي يهدف لتحقيق الدفاع الخليجي المشترك؟ هل ترضخ السعودية لهذه التطورات التي تؤطّر دورها في مجلس التعاون؟ ماذا لو تعارض دور الناتو مع الأدوار الأمريكية والأوربية رغم أنه أمر مستبعد حالياً؟ هل ترضى هذه الدول بتطبيق الحلف لمقولة الأمن الناعم والأمن السياسي الذي يفرض بعض الإصلاحات في هياكل الحكم؟

ثالثاً: هل هناك علاقة غير مباشرة بين دخول الناتو إلى المنطقة والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي؟ هل ستنجر هذه الدول إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي ضاربةً عرض الحائط إلتزام شعوبها بالصراع العربي- الإسرائيلي؟ هل سنكون أمام مناورات عسكرية مشتركة لهذ الدول وإسرائيل تحت غطاء الحلف الأطلسي؟

في الخلاصة، يبدو أن الحلف الأطلسي يستفيد من الظروف الأمنية التي تعصف بالمنطقة للدخول إليها والعمل على تحقيق أهدافه في البقاء والإستمرار من ناحية, وتحقيق أهداف واشنطن وبعض دوله من ناحية آخرى، ولكن التساؤل الأبرز الذي سيبقى برسم الإجابة: هل يعمل هذا الحلف على “الإصلاح السياسي” لأنظمة هذه الدول بإعتبار أن الأصوات الغربية المطالبة بذلك قد إرتفعت في الآونة الأخيرة؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق