دلائل رسالة الظواهري : هل يكون توحيد الصفوف بالترويج للنصرة كبديل عن داعش ؟
خرج زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، محاولاً إيجاد تمايزٌ بين تنظيمه جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي. وسعى خدمةً لذلك، عبر الحديث عن مواصفات تنظيم داعش، وصفاته المُنفِّرة. محاولاً استخدام لغةٍ لا تخلو من الإستنهاض والتحريض ضد السعودية والغرب. لكن العديد من التساؤلات، طرحتها رسالته، لا سيما فيما يخص التوقيت والفحوى. فماذا في أهداف كلام الظواهري؟ وكيف يمكن تحليل مضامينه؟
بعضٌ من كلام الظواهري
دعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في تسجيل جديد له، إلى النفير إلى الشام، ونصرة فصيل تنظيم القاعدة في سوريا أي “جبهة النصرة”. وهاجم الظواهري الغرب والسعودية، محاولاً التمايز في واجبه الجهادي، مُدعياً مسؤوليته في الدفاع عن الجهاد في الشام ضد المؤامرات التي تُحاك له. مهاجماً السعودية ربيبة بريطانيا وأداة أمريكا بحسب توصيفه، وكل ذيولها في المنطقة.
ولكي يُبيِّن الظواهري هدفه، أشار إلى أن جبهة النصرة في سوريا لا تريد أن تحكم المسلمين هناك، بل تريد أن يختار الناس إماما لهم على حد تعبيره. كما هاجم الظواهري تنظيم داعش وزعيمه “ابوبكر البغدادي” واصفاً إياه بالجهل. كما حاول الظواهري إبراز الفروقات بين تنظيمه ودعش، من خلال الحديث عن الرضا في البيعة وعدم التهديد بقطع الرؤوس أو حز الأعناق أو تهمة تكفير الآخرين.
مضامين ودلالات
يجب الوقوف عند كلام الظواهري ليس لأهميته، بل لما يحتويه من مضامين ودلالات. وهو الأمر الذي يحتاج لأمرين. الأول، العودة الى توقيت التسجيلات السابقة، وثانياً تحليل الخطابات وتحديداً الأخير. وهنا نُشير للتالي:
كما في كل مرة يخرج فيها الظواهري، يكون كلامه رسالةً تهدف لإعادة رص صفوف التكفيريين في سوريا. وهو الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال مراقبة توقيت الرسائل الصوتية أو المتلفزة منذ اندلاع الأزمة السورية. لنجد أن ظهور الرجل، لا يكون إلا عندما يحدث خللٌ في أداء مقاتلي الجماعات المسلحة، تحديداً في سوريا. وهو الأمر الذي يُثبت مقولة أن الهدف الأساسي هو إعطاء قوة دفعٍ للجماعات، لتتوحَّد.
وهنا فإن فحوى الخطاب أو ما يُسمى هدف الرسالة، يختلف بإختلاف الظروف. الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال التناغم في الرسائل أو التناقض الحاصل بينها أحياناً. ففي وقتٍ دعا فيه الظواهري الى التوحُّد ومجابهة النظام السوري سابقاً، حيث لم يُهاجم تنظيماً معيناً أو دولة غير الغرب وأمريكا، خرج اليوم للحديث عن حاجةٍ للإلتفاف حول جبهة النصرة تحديداً، مهاجماً تنظيم داعش ومن خلفه داعمته الرياض.
ولأن الغوص في تحليل الكلام بشكلٍ أكبر قد يُعطي الرجل أكبر من حجمه، تجدر الإشارة الى أن الرجل يُمثل بحد ذاته أداةً لعددٍ من أجهزة الإستخبارات التي تُديره، عن علم أو عن غير علم. فليس من الصحيح الإقتناع بعدائه أو عداء تنظيمه للغرب أو أمريكا. في وقتٍ يعيش تنظيمه على الدعم الغربي والأمريكي، الى جانب الدعم القطري الخاص.
لذلك، فإن الهجوم على تنظيم داعش في هذا التوقيت، يتماشى مع السياسة الغربية والتي تسعى للتمييز بين داعش من جهة، والجماعات المسلحة والتي تضعها هذه الدول في خانة المعارضة المسلحة. وهو الأمر الذي يخدم واشنطن، بطريقةٍ أو بأخرى، عبر جعل هذه التوجهات، ورقة ضغطٍ على الحلفاء كما الخصوم. فكلام الظواهري يُعتبر رسالة للرياض، في زمن التحولات. خصوصاً بعد أن أصبحت السعودية طرفاً ينتقص للثقة، الأمر الذي يجعلها أداةً للمهاجمة بهدف بناء الأرضية لأي تحركٍ سياسيٍ قد يطرأ مستقبلاً.
كما يجب الإلتفات الى أن نكهة التحريض على داعش، كانت سمة كلام الظواهري. وهو ما يتناسب مع التوقيت الذي تتقاتل فيه التنظيمات التكفيرية فيما بينها. مما يُنبئ بدورٍ مستقبليٍ قد يوكل للنصرة، كبديلٍ عن داعش، بعد أن عجزت في تحقيق الهدف المنشود منها. الأمر الذي يعني أننا أمام تبادل أدوارٍ لا أكثر.
إذن تستخدم أمريكا أدواتها كما في كل مرة. فيما كانت الأداة هذه المرة، قائداً جهادياً على الطريقة التكفيرية تحتاجه الساحة السورية. فكانت الحاجة للتوحُّد، سبباً في رسالته المتلفزة. فيما أدت مهاجمته للسعودية، لطرح العديد من التساؤلات، حول المستقبل. فماذا يمكن أن يكون الهدف من وراء الدعوة للإلتفاف حول النصرة؟ وهل انتهى دور داعش الإرهابي؟ أم أن ما يجري يأتي في سياق الدعم النفسي للإرهاب فقط؟ أسئلةٌ تحتاج لإنتظار الأيام للإجابة عليها. لكن وكما بيَّنا سابقاً، فإن ما يجري يُعتبر تبادل أدوارٍ، بين الداعمين للإرهاب. فمهاجمة السعودية، لا تعني توقف الإجرام في سوريا. كما أن الطرف المُهاجم، ليس عدواً لأمريكا والغرب أو الرياض، بل قد يكون التنافس الإقليمي حول الأدوار دافعاً لذلك.
المصدر / الوقت