التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أبريل 27, 2024

آل سعود .. حمائم ام صقور ؟! 

من يتابع المناظرة الأخيرة التي جمعت بين الامير “تركي الفيصل”، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الاسبق، والجنرال “يعقوب عميدور”، مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق، والتي شهدت أول مصافحة (علنية) بين الجانبين، سيذهل لدرجة الوداعة والسلام التي يتحلى بها النظام السعودي تجاه العدو الاسرائيلي.

وتنسحب هذه الوداعة السعودية على “مبادرة السلام العربية” التي أطلقها عام 2002 الملك السعودي الراحل “عبدالله بن عبدالعزيز” في القمة العربية في بيروت، حيث نجد صبراً وأناة من آل سعود لا يضاهيه حتى صبر “أيوب”، فهنا لن نرى حزماً ولا أملاً ولا شدة أو بأساً، هنا نرى فقط لهثاً واستجداءً وراء الأمريكي والاسرائيلي للقبول بهذه المبادرة.

وقد تعجب من سعة صدر السعودية أمام كل الاحتقار والعنجهية التي قوبلت به مبادرتهم من الجانب الاسرائيلي، فبالرغم من مضي 14 عشر عاماً على هذه المبادرة التي لم تحرر شبراً واحداً ولم تطلق أسيراً ولم تفتح معبراً ولم تعد لاجئاً، وبالرغم من كل الحصار والتجويع والعزلة للشعب الفلسطيني طوال هذه السنين، ما تزال السعودية تتمسك بالمبادرة العربية وتؤكد أن لا حل عسكري للقضية الفلسطينية، وهو ما أكد عليه مؤخراً “تركي الفيصل” في مناظرته مع الجنرال الاسرائيلي “عميدور”، وقد تسببت هذه المبادرة بجمود كبير في القضية الفلسطينية نتيجة أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية، لا تجرؤ على سحبها أو انتقادها خشية من الزعل السعودي.

وفي غزة نقف عاجزين امام الصبر الذي نزل على آل سعود خدام الحرمين الشريفين وهم يرون القنابل المحرمة دوليا تمطر على أخوانهم المسلمين المحاصرين، دون أن تزمجر السعودية غضباً لهذا العدوان السافر، بل من شدة حرصها على السلام المستقبلي مع اسرائيل، سارعت إلى مباركة هذا العدوان، وهو ما كشف عنه الصحفي البريطاني “ديفيد هيرست” في مقال نشرته صحيفة “هيفنتجون بوست”الأمريكية: “بأنّ العدوان على غزة جاء بموافقة السعودية التي أرادت مع مصر أن تلحق بالمقاومة في غزة ضربة كبيرة تجبرهم على الاستسلام والقبول بشروط التسوية في وقف إطلاق النار، والسلام مع العدو الصهيوني مستقبلًا من باب مبادرة السلام العربية”.

هذا عن صبر آل سعود وسعة صدرهم، أما حسن الجوار، فيضرب السعودييون أفضل النماذج في رعاية حقوق الجار حيث تعهد آل سعود للاسرائيليين بعد صارت لهم السيطرة على جزيرتي تيران وصنافير بضمان حرية الملاحة الاسرائيلية في خليج العقبة والبحر الأحمر، والإيفاء بجميع تعهدات كامب ديفيد المتعلقة بالجزيرتين، كما وقفت السعودية بحزم، ضاغطة على الرئيس السوداني عمر البشير للحيلولة دون تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في غزة خشية على أمن الجار الاسرائيلي.

وعن الجود والسخاء فحدث ولا حرج، فالسخاء السعودي ليس له مثيل في الانفاق على صفقات السلاح وشراء الأسلحة الأمريكية والأوروبية، حتى غدت اليوم الدولة الثانية في العالم بالانفاق على التسليح، كما بلغ حجم الودائع السعودية في المصارف الأمريكية اكثر من تريليون دولار، وكل ذلك دعماً للاقتصاد الأمريكي ورحمة بالفقراء الأمريكيين، وبلغ الإيثار لدى آل سعود أن يتحملوا خسائر يومية بمليارات الدولارات، هم وأشقائهم من الدول الاسلامية في سبيل خفض أسعار النفط، من أجل أن تنعم أوروبا التي حرمها الله من هذه النعمة، بنفط رخيص يساعد هذه الدول المسكينة -والتي استعمرت بالصدفة في يوم من الأيام كل الدول المسلمة- على مزيد من الهيمنة على العالم.

هذه الطبيعة الوادعة في السلوك السعودي تجاه القضية الفلسطينية والتعامل مع الغرب والكيان الاسرائيلي، هي فقط أحد جوانب الشخصية السعودية، فالأمر يختلف تماماً فيما يتعلق بغيرها من الملفات. فهؤلاء القوم إن غضبوا على أحد (كغضبهم على اليمن) لا يرحمون طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا مسكينا إلا وصبوا عليه حمم نيرانهم وقنابل طائراتهم، ودمروا بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، بل حتى مقابرهم.

وحذار أن تستفزّ عروبتهم، فبالرغم من أنهم كانوا في حالة خصومة دائمة مع كل الدول العربية القومية وفي مقدمتها مصر جمال عبدالناصر، وبالرغم من ملاحقاتهم للقوميين في الستينيّات حتى امتلأت السجون السعودية منهم، لكنهم باسم العروبة حاضرين أن يشنوا حرباً ضروساً على شعب عربي فقير هم أصل العرب، أي الشعب اليمني المظلوم، دون أن يهتزّ لهم جفن، وها قد مضى على هذه الحرب أكثر من عام سقط فيها أكثر من 7 ألاف شهيد، ثلاثة آلاف منهم من النساء والأطفال، دون أن تتوقف غارات الطائرات السعودية، التي قتلت البشر ودمرت الحجر وشردت الملايين مخلفة أوضاعاً اجتماعية وإنسانية مزرية.

وأما “غيرتهم” على الاسلام، فقد ساعدت المدارس التي احتضنتها ورعتها ودعمتها وغذتها الوهابية السعودية في ظهور ظاهرة جديدة من “الاسلام”، ونوع جديد من “المسلمين”، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، قساة قلوب، يقتلون ويذبحون ويمثّلون، يسبون النساء ويحزون الرقاب ويشقون الصدور ويقضمون القلوب، ويفجرون المفخخات هنا وهناك في المرافق والأسواق والمستشفيات، ويكفّرون من سواهم، وينشرون الارهاب على امتداد العالم الاسلامي.

وأما أعلامهم، فيزجون بقدراتهم وأموالهم ومحطاتهم بقوة في حروبهم، ويتباهون بقدرتهم على التحشيد والتعبئة وجمع المرتزقة والمتطرفين من جميع أنحاء الدنيا ونشر الارهاب بواسطتهم وزجّهم في صراعات هنا وهناك بدءاً من افغانستان في السبيعنيات وصولا اليوم إلى العراق وسوريا واليمن.

هكذا هم آل سعود، حمائم وادعة أمام شقيقهم الاسرائيلي، صقور جوارح على الشعوب العربية والاسلامية .. اسخياء كرماء أمام الغرب وأمريكا، مقلّون متقشّفون أمام شعوبهم .. دعاة سلام مع العدو الاسرائيلي، دعاة حرب ودمار مع اشقائهم المسلمين .. هدن ومبادرات طويلة الأمد مع العدو الاسرائيلي، واسقاط للهدن ولمساعي السلام في سوريا واليمن ..

ينادون أن لا حل عسكري للقضية الفلسطينية، ولا دعم للمقاومة ضد العدو الاسرائيلي الذي يغتصب الأرض والمقدسات ويحتل قبل المسلمين الأولى ويقتل ويحاصر ويجوع، وفي سوريا واليمن ينادون أن لا حل إلا العسكري .. ينادون لا حوار مع الجمهورية الاسلامية البلد الجار والشعب الذي يتقاسم معهم الجيرة منذ آلاف السنين، ويلهثون وراء الحوار والسلام مع العدو الاسرائيلي الذي احتل ارض فلسطين وطرد سكانها الأصليين. هم ببساطة أشداء على المسلمين رحماء باليهود والمستعمرين ..

أحد الأخوة اليمنيين لخص لي المشهد الاقليمي وصراع المحاور والموقف من الجمهورية الاسلامية وآل سعود والكيان الصهيوني بآية واحدة من كتاب الله الحكيم: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود.. ” وأضاف قائلا .. هكذا نعرف من هم الذين آمنوا.. وهكذا نعرف المنافقين .. وهكذا نعرف جبهة الحق من جبهة الباطل.. في الحقيقة لم أجد كلاماً أبلغ من قوله هذا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق