التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مايو 9, 2024

نظرة على الإتجاهات السياسية في مصر بعد الإتفاق مع السعودية 

منذ ثورة 25 يناير 2011 في مصر التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يشهد هذا البلد إستقراراً سياسياً وأمنياً وإقتصادياً بسبب فشل الحكومات المتعاقبة على تحقيق طموحات وتطلعات الشعب المصري.

وتسبب موضوع تنازل الحكومة المصرية للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين عند مدخل خليج العقبة بموجة جديدة من الإحتجاجات لدى الشارع المصري ونخبه السياسية والثقافية والإعلامية.

وشملت هذه الإحتجاجات الكثير من الشخصيات السياسية المعروفة في البلد بينهم “حمدين صباحي” و”أحمد شفيق” و”عمرو موسى” الذين نافسوا محمد مرسي في الإنتخابات الرئاسية عام 2012. وطالب العديد من هذه الشخصيات بإجراء إستفتاء عام بهذا الخصوص.

كما شارك في هذه الإحتجاجات الكثير من جنرالات الجيش المتقاعدين وطلبة الجامعات والصحفيين والأكاديميين المعروفين. وقد تعرضت نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة إلى هجوم من قبل قوات الأمن ما أثار إنتقادات واسعة لدى المحافل والشخصيات الدولية بينها الإتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون”.

ومن أجل تسليط الضوء على هذا الموضوع نشير إلى جملة من القضايا الأساسية:

1 – تعيش مصر الآن في ظل نظام عسكري وتواجه تحديات كثيرة على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والإجتماعية. ويعاني إقتصادها من عجز في الميزانية يصل إلى 43 مليار دولار وديون خارجية تصل إلى 12 مليار دولار. كما يواجه القطاع السياحي الذي يعد أحد مصادر التمويل الرئيسية في البلاد إلى مشاكل حقيقية بسبب التهديدات الأمنية، علاوة على البطالة التي وصلت نسبتها إلى حدود 30%.

وأدت هذه المشاكل إلى نمو الفساد وإنعدام الأمن في الكثير من مناطق البلاد بالإضافة إلى الفقر والإضطرابات الإجتماعية بينها إرتفاع معدلات الطلاق إلى درجة جعلت مصر في طليعة الدول التي تعاني من هذه الظاهرة. وساهمت هذه العوامل إلى جانب الفساد الحكومي بشيوع حالات الإحباط في الوسط الإجتماعي لاسيّما لدى الشباب.

2 – الكثير من الأحزاب الليبرالية والوطنية والناصرية التي دعمت الإنقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي والذي أطاح بحكومة محمد مرسي تعارض الإتفاق الأخير بين الرياض والقاهرة الذي أفضى إلى تنازل الأخيرة عن جزيرتي تيران وصنافير للجانب السعودي.

ورغم محاولات السيسي لإقناع الرأي العام بهذا الإتفاق، تشير جميع القرائن إلى أن شعبيته قد إنخفضت إلى حد كبير وهو يواجه الآن إنتقادات واسعة من قبل القوى الوطنية التي تعتقد بأن التنازل عن الجزيرتين المذكورتين تم مقابل صفقات مالية.

وحمّلت هذه القوى وزارة الخارجية المصرية ووزارة التعاون الدولي المسؤولية عن إبرام هذا الإتفاق، في حين تسعى حكومة السيسي إلى السيطرة على الأوضاع من خلال تشديد الإجراءات الأمنية وإعتقال المعارضين.

3 – يعتقد الكثير من المراقبين بأن تسليم جزيرتي تيران وصنافير من قبل الحكومة المصرية إلى السعودية جاء في وقت غير مناسب، وفي ظل ظروف داخلية وإقليمية حسّاسة جداً، ومن شأنه أن يزعزع مكانة مصر في العالم العربي، خصوصاً وأن السيسي يسعى إلى طرح نفسه شبیهاً لجمال عبد الناصر الذي تصدى في السابق لأطماع السعودية وسعى لقيادة العالم العربي.

4 – يعتقد المحللون أن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية سيمكّن الرياض من إختراق المنظومات السياسية والإقتصادية والثقافية المصرية وهذا الأمر يشكل بحد ذاته خطراً أكبر بكثير من خطر تسليم هاتين الجزيرتين، بالإضافة إلى المخاطر الكثيرة التي سبّبها توغل الفكر الوهابي السلفي في المجتمع المصري والذي ساهم بنمو الجماعات التكفيرية التي باتت تهدد أمن وإستقرار البلاد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تسليم الحكومة المصرية لجزيرتي تيران وصنافير دعت وزير الخارجية السوداني إبراهیم غندور لمطالبة القاهرة إلى إعادة منطقة حلايب شلاتين إلى بلاده، وطالب البرلمان السوداني بإتخاذ إجراءات قانونية وسياسية لتحقيق هذا الأمر.

5 – يعتقد المراقبون أن إتفاق الحكومة المصرية مع السعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي، لأنه يمثل إعترافاً رسمياً بإتفاقية “كامب ديفيد” التي وقّعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مع تل أبيب، وبالتالي فهو يمثل إعترافاً رسمياً بكيان الإحتلال، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي أكد فيه أن بلاده ستظل ملتزمة بالإتفاقات الدولية بشأن موضوع الجزر في مضيق تيران. ويعلم الجميع أن مصر كانت قد أعطت تعهدات للكيان الإسرائيلي بهذا الخصوص ضمن إتفاقية “كامب ديفيد”.

في هذا السياق أعلن وزير الحرب الإسرائيلي “موشيه يعلون” خلال مقابلة مع صحيفة “هآرتس” أن تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية تم بالإتفاق مع تل أبيب وواشنطن، مشيراً إلى أن الرياض تعهدت في هذا الإتفاق بالسماح للسفن الإسرائيلية بالمرور الآمن من مضيق تيران.

من جانبه إعتبر وزير الأمن الإسرائيلي السابق “آفي ديختر” تقوية العلاقات بين القاهرة والرياض بأنه يخدم مصالح تل أبيب، واصفاً بناء جسر بين مصر والسعودية عبر البحر الأحمر بأنه يمثل أمراً مصيرياً وحیوياً بالنسبة لـ”إسرائيل”.

6 – يعتقد المراقبون بأن زيارة وفد الكونغرس الأمريكي برئاسة السيناتور “مايكل ماكول” إلى القاهرة قبل بضعة أيام تشير بوضوح إلى أن التطورات التي تشهدها الساحة المصرية تحظى بأهمية خاصة لدى واشنطن خصوصاً بعد الإحتجاجات الشعبية والسياسية الواسعة ضد إتفاق تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى الجانب السعودي.

من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو أن السعودية تسعى إلى جرّ مصر إلى جانبها في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى تشكيل جبهة ضد إيران تشمل تركيا أيضاً، في مقابل المعونات المادية التي تقدمها الرياض إلى القاهرة والتي تهدف إلى تخفيف الضغط الإقتصادي الذي تواجهه حكومة السيسي، والذي يعتقد الخبراء بأنه وصل حداً لا يمكن لهذه المعونات أن تخفف عنه وهو ما أثبتته تجارب الماضي، ويؤكدون بأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ هذا الإقتصاد من التداعي تكمن بالإعتماد على طاقات الشعب المصري وكيفية إستثمار الموارد الذاتية للبلد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق