التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

لماذا استهدفت بروكسل ؟ 

بعد تعرض العاصمة البلجيكية “بروكسل” لسلسلة هجمات إرهابية يوم الثلاثاء الماضي راح ضحيتها الكثير من الأشخاص، بدأت التساؤلات تثار حول سبب مهاجمة هذه المدينة الهادئة التي تضم مقار العديد من المنظمات والمؤسسات المهمة، بينها مقر حلف الناتو ومقر المفوضية العليا للإتحاد الأوروبي.

يمكن تلخيص الإجابة عن هذه التساؤلات بما يلي:

تساهل بلجيكا النسبي بقبول المهاجرين مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، وقد إستغل الكثيرون هذه الميزة فتدفقت أعداد كبيرة منهم إلى هذا البلد، حتى أصبحت معقلاً سريّاً للكثير من الإرهابيين، وبالأخص في مقاطعة “مولينبيك” القريبة من بروكسل والتي تعتبر الفناء الخلفي أو الـ “Backyard” لفرنسا، وعادة ما يلجأ الإرهابيون الفارّون من قبضة السلطات الفرنسية إليها مستغلين سهولة التنقل والضعف النسبي للقبضة الأمنية البلجيكية مقارنة بباقي الدول الأوروبية المجاورة.
يُرجع العديد من الخبراء تفجيرات بروكسل كنتيجة للقبض على “صلاح عبد السلام” الذي تعتبره فرنسا العقل المدبر لهجمات باريس الدامية من قبل السلطات البلجيكية قبل 4 أيام من هذه التفجيرات. فقد أعلنت الشرطة البلجيكية عن الإشتباه في حقيبة وضعت أمام السجن المودع به عبد السلام ما جعل وسائل الإعلام الغربية تربط بين التفجيرات وبين الحقيبة بأنها محاولة لتهريب عبد السلام من السجن.
وبعد هجمات باريس، أصبح من المستحيل تجاهل بروكسل كواحدة من “النقاط السوداء” الرئيسة للإرهاب في أوروبا، حيث أن ثلاثة من منفذي مجزرة باريس تربطهم علاقة بالعاصمة البلجيكية، ولهم إرتباط وثيق بالحيّ المضطرب “مولينبيك”.
الخلايا الإرهابية التي وفّرت لها العديد من الدول الأوروبية وسائل الدعم للمجيء إلى منطقة الشرق الأوسط وتدميرها تحت عناوين كاذبة، باتت اليوم تهدد هذه الدول، لينطبق عليها القول‏ ”من يزرع الريح، يحصد العاصفة”، فالإرهاب التكفيري الذي يستهدف سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، هو نفسه الذي إستهدف بلجيكا. وبحسب مصادر مختصة في مجال مكافحة الإرهاب، فإن 90% من هؤلاء الإرهابيين قد عادوا أو يخططون للعودة إلى أوروبا ولديهم النية للقيام بعمليات إجرامية كشكل من أشكال الإنتقام ضد المجتمعات التي رفضتهم. من هنا يعتقد المراقبون بأن هجمات بلجيكا هي إرتداد للأحداث الإرهابیة التي تعرضت لها دول أخرى مثل سوريا والعراق على مدار السنوات الماضیة.
غياب سياسة متناسقة في بلجيكا، زاد من تعقيد مهام فرق مكافحة الإرهاب في هذا البلد. ففي بروكسل، هناك ستة أقسام شرطة فقط، تتكفل بتغطية 19 مقاطعة مع 19 رؤساء بلديات مختلفين. فالمشكلة تكمن في كون السلطات المحلية مقسمة بين عدّة مسؤولين في هذه المدينة.
يعتقد بعض المراقبين أنّ أحد الأسباب التي وضعت بروكسل في دائرة الضوء من قبل الإرهابيين، هو الرمزية التي تحملها هذه المدينة، حيث تضم عدّة مقرات للمؤسسات الأوروبية، وهو ما يؤكده الإنفجار الذي وقع في قطار مولينبيك، بالقرب من المجلس الأوروبي.
هذه الأمور وغيرها أدت لوجود العديد من الخلايا الإرهابية السريّة في ضواحي بروكسل. وبالطبع ستلقي تفجيرات هذه المدينة بظلالها على كافة الأحداث السياسية التي تجري في أوروبا والشرق الأوسط والعالم بأسره.

وفي قراءة سريعة لتداعيات الهجمات الإرهابية التي إستهدفت بروكسل يتوقع أن تحصل جولة جديدة من الجدل حول الرقابة على الحدود في الاتحاد الأوروبي ضمن منطقة شينغن (Schengen Area) التي تضم 26 دولة أوروبية، خصوصاً وأنّ الجناة تنقلوا بين عدد من هذه الدول دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من كشفهم وإعتقالهم.

والآن، وبعد أن تنتهي عاصفة تفجیرات بروکسل، ماذا سیفعل قادة أوروبا؟ هل سیعترفون بأن الإرهاب التکفیري یشكل خطراً على العالم کله؟ وهل سیقرّون أن محاربة الإرهاب يجب أن تحظى بالأولویة في أي فعالیة دولیة؟ وهل سیسمعون لمن یعید على أسماعهم بأن الإرهاب الذي یزرعونه ویمولونه سیدمر العالم كله ولن یکتفي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا کما یظنّون؟ إذ أن عدم الإعتراف بخطأ السیاسات الغربیة تجاه هذه المناطق کان ولم یزل أحد الأسباب الأساسیة لنشوء وتعاظم الإرهاب في العالم وبالإرتداد على داعمیه في الغرب لاسيّما في أوروبا.

تفجیرات بروکسل أثبتت دون أدنى شك أن هناك حاجة ضروریة لبذل جهود إستثنائیة لمواجهة الإرهاب الذي نجح في تهدید قلب أوروبا خصوصاً أن المعلومات الإستخباریة المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنیة الأوروبیة تجمع بأنه لا شيء یمنع من وقوع المزید من هذه الهجمات على الساحة الأوروبیة سیّما وأن هذه التقاریر تؤکد بأن المجتمع الأوروبي بات هدفاً رئیسیاً للعملیات الإرهابیة.

ختاماً ينبغي التأكيد على ضرورة تصحیح إتجاه بوصلة الحرب على الإرهاب والولوج في أصل الداء لإیجاد الدواء من خلال وقف الدعم سیاسیاً ومادیاً وإعلامیاً، وتجفیف منابعه الأیديولوجیة والضغط على الدول الداعمة له لإعتماد سیاسات مغایرة والبدء بمسار صحیح وجدّي في محاربة الإرهاب. كما ينبغي على الجميع أن يدرك أن المقاربة الثقافية بين الشعوب هي الطريق الأقرب إلى الحل.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق