التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

أمريكا لايمكن أن تكون سبباً في خلاص أفغانستان؛ والسبب…؟؟ 

منذ غزو أمريكا لأفغانستان عام 2001 كان واضحاً منذ البداية أن واشنطن لم تكن تملك إستراتيجية واضحة لكيفية إدارة هذا البلد.

وعندما وصل باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة في أمريكا مطلع عام 2009 لم تتمكن إدارته أيضاً من وضع آلية مناسبة لكيفية التعامل مع حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان قبل الإطاحة بها عام 2001. كما لم تتمكن واشنطن من إنهاء نفوذ تنظيم “القاعدة” في هذا البلد على الرغم من قتل المخابرات الأمريكية لقائد هذا التنظيم “أسامة بن لادن” عام 2011.

وفي عام 2014 قررت واشنطن سحب قسم كبير من قواتها من أفغانستان بعد توقيعها الإتفاقية الأمنية مع حكومة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، لتستكمل إحتلالها لهذا البلد، ولكن هذه المرة من خلال تدخلها السياسي في شؤونه بذريعة دعم مفاوضات التسوية بين حركة طالبان والحكومة الحالية التي يرأسها أشرف غني أحمدزي.

ومنذ البداية واجهت هذه المفاوضات مشاكل متعددة بسبب رفض طالبان للتواجد الأمريكي في أفغانستان من جهة، وإستمرار هذه الحركة بشن هجمات مسلحة على أهداف أفغانية لإرغام الحكومة على التسليم لشروطها في هذه المفاوضات من جهة أخرى.

وتوقفت مفاوضات السلام في أفغانستان في تموز/يوليو 2015 بعد الإعلان المفاجي عن وفاة زعيم الحركة “الملا عمر”، ومجيء قائد جديد هو “الملا أختر منصور” وما أعقب ذلك من إنشقاقات داخل الحركة بسبب رفض الكثير من عناصرها لتولي أختر لقيادتها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية إتفقت الحكومة الأفغانية مع نظيراتها في باكستان والصين وأمريكا لتفعيل مفاوضات التسوية مع طالبان إلاّ أن الأخيرة رفضت المشاركة في هذه المفاوضات. ويرى المراقبون أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية دعت الحركة لإتخاذ هذا الموقف وهي:

1 – تمكن الحركة من تحقيق مكاسب عسكرية على القوات الأفغانية في الآونة الأخيرة لاسيّما في شمال وشمال شرق هذا البلد، وإعتقاد قادة الحركة بإمكانية تحقيق أهدافهم السياسية من خلال مواصلة هذه الهجمات.

2 – الإنشقاقات التي حصلت داخل حركة طالبان، ورفض المنشقين الذين يمثل الكثير منهم مركز الثقل في الحركة لقيادة “ملا أختر منصور” والذي تسبب بإضعاف موقفه في المفاوضات، وبالتالي يمكن القول إن أيّ إتفاق يتم التوصل اليه بين ملا أختر مع حكومة أحمد زي لا يمكن أن يصمد كثيراً بسبب إستمرار الجناح القوي في الحركة بتنفيذ عمليات عسكرية ورفضه مواصلة التفاوض مع حكومة كابول.

3 – يعتقد الكثير من السياسيين في حكومة أحمد زي أن النتيجة النهائية لمفاوضات التسوية ستصب في صالح الحكومة الباكسانية التي تدعم حركة طالبان والتي تتخذ من منطقة وزيرستان في شمال غرب باكستان معقلاً لها وتنطلق منه لتنفيذ هجمات عسكرية داخل أفغانستان. كما يعتقد هؤلاء السياسيون أنّ الملا أختر تربطه علاقات قوية مع المخابرات الباكستانية ولهذا فلايمكن التفاوض معه وإشراكه فيما بعد في إدارة الدولة، لأن ذلك سيمهد الطريق لإختراق المؤسسات الأفغانية أكثر مما هي مخترقة في الوقت الحاضر.

هذه الأسباب وغيرها تجعل من الصعب تصور إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، خصوصاً وأن الإدارة الأمريكية تسعى لإفشال مفاوضات السلام في هذا البلد رغم تظاهرها بدعمها لأن نجاح هذه المفاوضات يعني بالتالي إن على واشنطن أن تغادر هذا البلد بصورة كلية، وهذا ما لايمكن أن تقبل به لأنها تفكر بالبقاء هناك مدة أطول لتحقيق أهدافها الإستراتيجية لاسيّما وأنّ أفغانستان تعتبر الجزء الرخو الذي يتيح للإدارة الأمريكية تنفيذ مآربها في المنطقة بسبب الأزمات الكثيرة التي يعاني منها هذا البلد في مختلف المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية.

ورغم المرونة التي أبداها الملا أختر من أجل مواصلة المفاوضات مع حكومة أحمد زي وقبوله بالإعتراف بحقوق النساء في ممارسة العمل والتملك وإكمال الدراسة إلاّ أن هذه المفاوضات لم تتمكن من شق طريقها بسبب إعتقاد الكثير من السياسيين الأفغانيين بأن أيّ إتفاق مع أختر لايمكن أن يصمد أمام ضغط الجناح المتشدد في طالبان الذي يرفض المفاوضات ويواصل هجماته داخل أفغانستان، ويطالب في الوقت نفسه بخروج القوات الأمريكية بشكل نهائي من البلد.

من هنا يمكن الإستنتاج بأن إستمرار وجود القوات الأمريكية يعد سبباً رئيسياً يحول دون التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، لأنه يعطي ذريعة للجناح المتشدد في طالبان لرفض المفاوضات بإعتبار أن القوات الأمريكية هي قوات إحتلال ولا يجوز التفاوض مع حكومة تقبل بالإحتلال.

ومع الأخذ بنظر الإعتبار هذه الحقائق لا يبقى أمام الحكومة الأفغانية سوى طريق واحد لتحقيق الأمن والإستقرار في البلد، ويتمثل هذا الطريق بالتفاهم مع الدول المجاورة لاسيّما إيران وباكستان وتقوية العلاقات معها في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية، خصوصاً وأن الشعب الأفغاني تربطه علاقات تاريخية ودينية وإجتماعية وثقافية عميقة مع الشعبين الإيراني والباكستاني، كما يمكن لأفغانستان أن تقوي علاقاتها مع روسيا والهند والصين ودول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وتنفيذ مشاريع إقتصادية مشتركة مع دول المنطقة لاسيّما في مجال الطاقة، وتعزيز التعاون معها في مجال محاربة الإرهاب ومكافحة تجارة المخدرات شريطة التخلص من هيمنة واشنطن على القرار السياسي في أفغانستان الذي لم يجلب سوى الويلات لشعب هذا البلد الذي عانى من الحروب منذ عقود من الزمن بسبب إحتلال الإتحاد السوفيتي السابق لأراضيه بين عامي 1979 و 1989 والإحتلال الأمريكي منذ عام 2001 وحتى الآن.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق