التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 5, 2024

الهدنة السورية : بين صعوبة التطبيق والبراغماتية واشنطن 

لم تمر الهدنة السورية دون خروقات، في وقتٍ تحاول فيه واشنطن، غض النظر عن خرق المجموعات المسلحة للإتفاق. فماذا في تطورات المشهد السوري فيما يخص وقف العمليات العسكرية؟

حقائق حتى الساعة من الميدان السوري

في خرق جديد للهدنة في سوريا، أصيب عدد من المدنيين بجروح جراء سقوط قذائف صاروخية أطلقها المسلحون على حي السبيل في مدينة درعا. كما سقطت ثماني قذائف مدفعية أطلقت من الجانب التركي باتجاه وفد صحفي أجنبي في عداده صحفيون روس كان يتواجد قرب مدينة كنسبا في ريف اللاذقية، الأمر الذي أدى الى جرح عدد من أعضاء الوفد، وفق وكالة “تاس” الروسية.

من جهتها أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تسجيل خمس عشرة حالة انتهاك من قبل المجموعات المسلحة لوقف العمليات العسكرية في سوريا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، وأشارت من جهة ثانية عن ارتفاع عدد الإتفاقيات الخاصة في سوريا بوقف إطلاق النار إلى ثمانية وثلاثين اتفاقاً. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن 842 مسلحاً في سوريا من ما يسمى “جيش الاسلام” و”جيش الفتح” و”كتائب اليرموك” أعلنوا موافقتهم على تسليم السلاح، وتم التوصل الى اتفاق لوقف العمليات القتالية مع 4 قادة من الفصائل المقاتلة في ريف دمشق. وفي سياق التسويات، أفادت وكالة “سانا” عن تسوية أوضاع 80 شخصاً في حي القدم بمدينة دمشق.

وفي الميدان أيضاً، استهدف سلاح الجو في الجيش السوري مقرات ونقاط انتشار إرهابيي تنظيم “داعش” في معابر مرطبية والزمراني وأبو حديش في جرود قارة والجراجير في القلمون الغربي بريف دمشق ما أدى إلى مقتل وجرح عدد منهم. كما فجر الجيش السوري نفقاً بطول أربعين متراً تحت أحد الأبنية لتنظيم داعش في حي الصناعة في مدينة دير الزور ما أدى الى تدميره ومقتل وجرح من كان فيه . وفي محافظة السويداء، صادرت الجهات السوريّة المختصة سيارتين محملتين بألغام أرضية مضادة للدروع أمريكية و”إسرائيلية” الصنع كانت معدة للتهريب إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة في البادية الشرقية والشمالية الشرقية.

وسط ذلك، تحدثت تنسيقيّات المسلّحين عن اشتباكات عنيفة دارت بين مسلّحي ما يُسمّى “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” في غوطة دمشق الشرقيّة، إثر محاولة الأولى السيطرة على أحد مقرّات الثانية في بلدة زملكا.

من ينتهك الهدنة في سوريا

إن مراجعة الأحداث تجعلنا نصل الى نتيجةٍ مفادها، بأن الأطراف كافة، تحاول استثمار الهدنة كلٌ بحسب المصلحة التي يراها. في حين يضع النظام السوري مصلحة بلاده فوق كل اعتبار. وهنا نشير للتالي:

نقلت وسائل إعلام حكومية عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله في مقتطفات من مقابلة تلفزيونية، بأن الجيش السوري يمتنع عن الرد على انتهاكات الهدنة من أجل إعطاء فرصة للإتفاق. وقد أشار الرئيس الأسد، بأن الإرهابيين خرقوا الهدنة منذ الساعات الأولى، في حين أن الجيش السوري امتنع عن الرد كي يُعطي فرصة للمحافظة على ذلك الإتفاق، مؤكداً وجود حدود لذلك، وهو ما يعتمد على الطرف الآخر.
من جهتها روسيا، رفضت اتهامها بإنتهاك الهدنة في سوريا، وسجلت مراقبتها لخروقات المجموعة المسلحة. في حين أعلنت الأمم المتحدة أنها اتفقت مع موسكو على الحاجة الماسة لتنفيذ الهدنة، كما شكرت روسيا على “تحقيق التقدم” في سوريا، وهو ما يؤكد زيف الإدعاءات الأمريكية، تجاه موسكو.
أما فكعادتها واشنطن، صرَّحت بأنه من المبكر جداً اتهام أي جهة بخرقها لإتفاق “وقف الأعمال العدائية”، الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا مع المجموعة الدولية لدعم سوريا. وأشار المتحدث باسم البيت الأبيض “جوش إيرنست”، في مؤتمر صحفي عقده الإثنين، بأن البيت الأبيض مطلعٌ على التقارير التي تحدثت عن بعض الخروقات للإتفاق، والتي أثارت بعض المخاوف. مشيراً أن بلاده لم تستبعد احتمال حدوث بعد الخروقات مع بدء تنفيذ الإتفاق. الأمر الذي تماشى معه وزير الخارجية الأمريكي، والذي أشار الى أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع التقارير عن وجود انتهاكات للهدنة في سوريا بكل جدية، لكن لا توجد حالياً أدلة تشير إلى أنها ستزعزع السلام في سوريا.
دلالات وتحليل

يأتى خرق الهدنة في وقتٍ لا بد فيه من الربط بين تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال اليومين الماضيين وإعلانه أمام الكونغرس عن وجود خطة بديلة إذا فشلت الهدنة العسكرية وبين المخاوف من فشل العملية السياسية، في ضوء وجود عدد من النقاط الخلافية بين الأفرقاء السياسيين. وهنا نُشير للتالي:

توجد خلافاتٌ واضحة بين الأطراف أبرزها غياب الثقة سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي. وهو الأمر الذي يجعل الهدنة في أساسها هشةً، في حين لا بد من الإشارة الى أن ادعاءات واشنطن والدول الداعمة للمجموعات المسلحة في المنطقة، كانت دائماً تُصر على هدنةٍ من أجل المبررات الإنسانية. وهو ما يمكن أن يجعل الهدنة قابلةً للتنفيذ، لو كانت هذه الجهات صادقة في ادعاءاتها.
في حين أنه ومنذ بدء الهدنة، والمجموعات المسلحة تقوم بخرقها، فيما تُشير واشنطن لخطةٍ بديلة، وكأنها تُدير الواقع السوري ليفشل في الإتفاق. وبالتالي تسعى أمريكا لفرض مرحلة ما بعد الهدنة. في وقتٍ يُفسِّر كلُّ طرفٍ بين المجموعات المسلحة الإتفاق، على طريقته. فهناك من يراه غطاءاً لاستكمال ضرب ما يُسمى بالمعارضة وحلفائها، كما أن القوى المسلحة ما تزال تتقاتل فيما بينها.
من هنا وبناءاً لما تقدم، يمكن القول بأن الأطراف التي تدعي سعيها للعمل على إنجاح الهدنة، وبالتحديد واشنطن، قادرة على القيام بخطواتٍ تُساهم في تحقُّق ذلك. فيمكن تحديد مكان نشاط الجهات، وتحديد نقاط تمركزها، ووضع الإجراءات اللازمة لمنعها من القيام بأي عملٍ عسكري.
كما أن النفاق الأمريكي في تحديد وتشخيص الجهات الإرهابية، يجعل الأمور أكثر تعقيداً. فبينما تسعى واشنطن لإعتبار بعض الجهات ضمن خانة المعارضة المعتدلة، تغض النظر عن تصرفات حركاتٍ كأحرار الشام وجيش الإسلام. وهو ما أشارت المعلومات الى أنه محطُّ خلافٍ بين الدول الإقليمية.
إذن تستخدم واشنطن الإتفاق بوقف العمليات العسكرية، في محاولةٍ لفرض خريطةٍ جديدة تتوزع فيها المجموعات بحسب ما تُخطط له السياسة الأمريكية، وفق ما تسميه وتُروِّج له بالخطة ب. في وقتٍ تتصارع فيه القوى المسلحة في الميدان السوري، وتختلف من خلفها جهاتها الداعمة لها. وهو ما يجعل الطرف الأمريكي، يستغل ذلك، لمعرفة من يجب أن يبقى في المعادلة أو يخرج منها. فيما يدفع الشعب السوري ثمن المخطط الأمريكي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق