التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

استيراتيجية المانيا الجديدة في الشرق الأوسط 

بعد الحرب العالمية الثانية، بتنا نشهد نظاماً عالمياً جديداً. النظام العالمي الذي دفعت ألمانيا تكلفته، أو أجبروها على دفع تكاليفه. السؤال هنا، ما هو الدور الألماني في إيجاد هذا النظام العالمي الجديد؟ وهل كان لألمانيا فعلاً دور في إيجاد هذا النظام الجديد وإذا كان لها فماذا عليها أن تدفع تكلفته بنفسها؟

يخطئ من يعتقد بأن الشرق الأوسط ليس من ضمن أولويات الحكومة الألمانية، إذ يعتبر الشرق الأوسط من الأولويات بالنسبة لألمانيا لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. وسبب ذلك هو ظهور تنظيم داعش الإرهابي على الساحتين العراقية والسورية، والفوضى وانعدام الأمن الذي خلفه هذا الظهور بالإضافة إلى التهديد الذي يشكله على كل الدول الأوروبية ومنها ألمانيا.

ولنعرف حقيقة الأسلوب الذي تتبعه ألمانيا في تعاملها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لابد لنا من فهم الفلسفة التي تقوم عليها السياسة الخارجية الألمانية. فما هي الأساليب التي تستخدمها ألمانيا في كيفية صنع القرار؟ إنها إنتاج الثروة وتراكم رؤوس الأموال والتي تشکل إحدى الركائز الأساسية في عملية إتخاذ القرار لدى السياسة الخارجية الألمانية.

الشيء المهم بالنسبة للألمان والذي يقع في سلم أولويات السياسة الخارجية الألمانية هو إيجاد الاستقرار والأمن. الاستقرار في الشرق الأوسط مهم جداً بالنسبة لألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، ومن هذا المنطلق يمكننا الإجابة على السؤال الذي يقول: ما هي آثار وتبعات السياسة الخارجية الألمانية على إيران؟ فإذا كانت هذه السياسة تهدف إلى إيجاد الاستقرار واستطاعت تحقيقه فمن المؤكد بأن هذه السياسة هي مفيدة أيضاً بالنسبة لإيران.

اليوم يشهد العالم تغييرات في السياسة الخارجية الألمانية، ولعلنا نستطيع القول بأن نقطة بداية هذه التغييرات كانت قد بدأت بعد الأزمة الاقتصادية الأوروبية. والإعلان الرسمي الألماني عن هذه التغييرات جاء على لسان الرئيس الألماني في كلمةٍ ألقاها في مؤتمر الأمن في ميونيخ حيث قال: “حان الوقت لتلعب ألمانيا دوراً فعالاً في الشرق الأوسط”. ومن هذا المنطلق تعتقد ألمانيا بأنها أصبحت قادرة على حكم وقيادة الإتحاد الأوروبي، وهذا الأمر هو أحد الأسباب التي أوجدت التغيير في السياسة الخارجية الألمانية.

هنا لايجب علينا إغفال الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقة الأوكرانية الروسية، إذ تشتري ألمانيا قسماً من نفطها من الجزائر وليبيا ولا يوجد لديها أي مُصَدِّر للطاقة في الشرق الأوسط، وأغلب النفط والغاز الألماني يتم شرائه من روسيا والنرويج وبريطانيا وما تبقى يأتي من الجزائر وليبيا. ولكن وبعد الأزمة الأوكرانية، بدأت ألمانيا تبحث في الشرق الأوسط عن مصادر بديلة للنفط والغاز الروسيين، حيث تعتقد ألمانيا بأنه كلما سعت لتنويع مصادر طاقتها أكثر كلما كانت محمية بشكل أكبر من ارتدادات التهديد الروسي.

اليوم لاتوجد قوة تهيمن بشكل كامل على الشرق الأوسط وهذا هو العامل الذي أدى إلى عدم استقرار المنطقة، والقوة التي كانت تهيمن على المنطقة قد اهتزت وبتنا اليوم نشهد لاعبين مؤثرين جدد في الساحة. ويعتقد بأن النظام العالمي الذي رسمته القوى الكبرى قد اهتز ويعاني اليوم من التصدع، ونمو التطرف والفكر المتشدد أدى إلى تهيئة الأرضية لإمكانية إيجاد تغييرات في مستقبل الشرق الأوسط. وهذا الأمر يعد علامة خطرة بالنسبة إلى أولائك الذين يفضلون أن يكونوا مؤثرين في المنطقة.

ويعد الكيان الإسرائيلي قضية تاريخية بالنسبة للسياسة الخارجية الألمانية، ويسعى الألمان إلى إقناع الإدارة الأمريكية بالعودة الى محادثات السلام، لأن وصول المحادثات الى نتيجة له أهمية كبيرة لدى الألمان، إذ يؤيد الألمان حل الدولتين، ويعتقدون بأن اعتبار بعض دول الإتحاد الأوروبي فلسطين دولة مستقلة وذات سيادة يشكل ضغطاً كبيراً على ألمانيا لوجوب إنهاء الصراع العربي الفلسطيني، ولا يمكن للألمان بأن يتمادوا أكثر بهذا الموضوع.

وحسب الإحصائيات الصادرة تبين أن 17% من التجهيزات العسكرية للمنطقة وشمال أفريقيا والشرق الأوسط تأتي من ألمانيا، وفي الحقيقة إن نصف صادرات السلاح الألماني يدخل الكيان الإسرائيلي بنصف القيمة، وتقوم ألمانيا أيضاً بتقديم مساعدات مالية ضخمة للکيان وهذا ما يخالفه الرأي العام الألماني وينتقده.

ألمانيا تُوجه سياستها الخارجية على أساس توزع القوى بالشرق الأوسط، إنهم على عكس أمريكا لايسعون للهيمنة على المنطقة وإنما يريدون بأن يكون هنالك تعدد للأقطاب المهيمنة على الشرق الأوسط، وتختلف أيضاً عن فرنسا وبريطانيا من خلال اعتبار السياسة والأمن من أوجب الأولويات، ولكن بالنسبة لألمانيا، فالاقتصاد يحتل المرتبة الأولى في سلم أولوياتها. والمهم بالنسبة للألمانيين هو إلى أي مدي يمكنهم أن ينتجوا الثروة، ولا يمكن أن يتم هذا إلا إذا تحقق الاستقرار والأمن في المنطقة، ومن هذا المنطلق يعتبر التدخل الألماني حركة للالتفاف على الضغوط الخارجية والداخلية.

وعندما اتخذ مجلس الأمن الدولي في 2011 قرار حظر الطيران فوق ليبيا امتنعت ألمانيا عن التصويت لصالح القرار وهذا الأمر أدى إلى دفع ألمانيا تكاليف باهظة لقاء قرارها، وأصبح أعضاء الإتحاد الأوروبي ينظرون لألمانيا نظرة مختلفة عن السابق نتيجة إمتناعها عن التصويت، وقبل ذلك كانت تعتقد بعض الدول العربية والدول الخليجية بأن ألمانيا لديها القدرة والقابلية على القيادة، ولكن سرعان ما تبدد هذا الإعتقاد بعدما نأت ألمانيا بنفسها وامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن.

ألمانيا اليوم وبالنظر إلى الماضي لا تريد تكرار تجاربها وأخطائها السابقة، فالتدخل الألماني في سوريا ليس تدخلاً استراتيجياً ولا يرتقي لمستوى القيادة، إنه تدخل رمزي ليس أكثر، ولكنه يعطي ألمانيا مساحة واسعة من المناورة ويضمن لها السير قدماً في سبيل تحقيق مخططاتها وأهدافها في المستقبل القريب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق