التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

هل سيشهد العراق الانتقال من القومية الى الوطنية ؟ 

كل الجماعات العرقية والدينية في العراق، تعمل بصورة مستقلة عن الأخرى، ولكن إلى جانب هذه الهشاشة السياسية، لديها التزام رجعي بالحكومة العراقية أيضاً. سكان العراق السنة الذين كانوا غريبين عن الحكومة المركزية، يطالبون بإستقلالية أكبر. فهم يعتبرون أنفسهم عراقيين وطنيين، ولا يريدون زوال الحكومة المركزية. وفي الوقت الراهن يسعی العرب السنة للمبادرات المحلية التنافسية والمنفصلة، والتي تعتمد على الهياكل والموارد والسكان داخل العراق.

بعض القادة من العرب السنة يطالبون بمنطقتهم الخاصة بهم، من ناحية أخرى إن واحدة من المشاريع المقترحة من قبل أهل السنة، هي خروج الأقليات غير السنية من محافظة نينوى. وقسم آخر منهم أيضاً يحمون بغداد من تنظيم داعش الإرهابي، ويدعمون حكومة مركزية أقوى. وفي الواقع إن العرب السنة سيواصلون الدفاع عن سيادة العراق وسلامة أراضيه.

في الوقت نفسه فإن جزءاً من المجتمع الشيعي، يدعون إلی تحقيق توازن مصالح العراق في المنطقة وضمان سيادته، بحيث أن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي وفي التوترات الأخيرة بين السعودية وإيران، أصرّ على الحياد. ومن ناحية أخرى هناك جهود تُبذل في العراق، من أجل مدّ الجسور بين الانقسامات العرقية على المستوى الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، في كربلاء، هنالك 180 ألف شخص نزحوا بسبب جرائم داعش في العراق، من الشيعة التركمان والشيعة الأكراد وسكان محافظة نينوى، و250 أسرة منهم من العرب السنة.

حتى الأكراد أيضاً وعلى عكس التزامهم الکامل بكردستان، لا يرون أنفسهم منفصلين عن العراق تماماً. وبعبارة أخرى، على الأرجح أن هذه التطورات ستجمع الجماعات العراقية المتفرقة في إطار مفهوم شامل من الهوية العراقية. فحالياً، المجتمعات المختلفة تولي الأهمية بحدودها البرية، ولديها الأعلام والادعاءات الخاصة بها، ولكن رغم ذلك، فإن تغيير مسار توازن السلطة المحلية نحو الاعتماد المتبادل بين الجهات الحكومية الجزئية، سيخلق التحدي لنظرية “نهاية العراق” أو تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء منفصلة، ويقود الجماعات العرقية والدينية نحو مزيد من الوحدة. وما برز اليوم هو كيانات سياسية منفصلة جداً، تحاول إعادة تأسيس السلطة داخل الحكومة.

إن بقاء ومصالح هذه المؤسسات الصغيرة والتابعة، يحتاج فقط إلى التحالفات السياسية والتبادلات الاقتصادية مع المجموعات الأخرى والحكومة المركزية، لتبقی حكومة بغداد علی قيد الحياة. في هذا السياق وفي محاولة للحد من النزاعات العرقية، ذهب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي قبل أسبوعين إلى البصرة، ودعا إلى نزع سلاح القبائل والعشائر، لأنه اعتبر الصراعات العرقية عاملاً في إضعاف العراق أمام الإرهاب. كما أعلن عمار الحكيم قبل عدة أشهر أيضاً، أن امتشاق السلاح بوجه الإخوة مساعدةٌ لداعش والإرهاب.

في الواقع من خلال الأخذ بعين الاعتبار أن المشاكل القبلية ترتبط اليوم بالوضع الأمني والسياسي، فإن السبيل الوحيد لنزع فتيل التوترات العرقية هو أن أعضاء البرلمان والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من السياسيين، يضعون جانباً انتماءاتهم العرقية، ويزيدون الوعي الاجتماعي من الهوية الوطنية بدلاً من الهوية العرقية. فحالياً إن حضور 40 ألف مقاتل من أهل السنة، يخلق توازناً هاماً وضرورياً في وحدات الحشد الشعبي. وبعبارة أخرى، إن وجود المقاتلين السنة في وحدات الحشد الشعبي، تمهيدٌ لاستخدام جيش وطني يمکن أن يكون الحرس الوطني أيضاً.

من ناحية أخرى درّبت قوات التحالف الأمريكي 16000 مقاتل عراقي، 4400 منهم من أهل السنة. وهم يرون أنفسهم مرتبطين مباشرةً بوحدات قيادة العمليات والجيش العراقي. وعموماً، إن وجود التهديدات الأمنية المشتركة مثل تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية، وکذلك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ عراقي، قد عزّز مجالات التقارب وتدعيم هوية الشعب العراقي ضد التهديد المشترك، خاصةً أن الحكومة العراقية وفي تحرير مدينة الرمادي والعمليات العسكرية الأخيرة للجيش العراقي، قد أکدت بشکل أکثر علی مزيد من مشاركة أهل السنة.

في الواقع إن الأقلية السنية التي کانت تشعر بالبعد عن الحكومة المركزية في العراق، اتّجهت على مدى الأشهر القليلة الماضية نحو بغداد والمجموعات العرقية الأخری بشکل أوثق. وبعبارة أخرى، لاينبغي النظر إلی الوطنية في العراق بأنه أمرٌ يستهان به، رغم أنها مازالت تواجه طريقاً طويلاً ووعراً جداً.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق