التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 3, 2024

مسلحو مضايا: من تجّار الدم إلى تجار الرغيف 

إنتهى أمس “الطويل”، بدخول 44 شاحنة مساعدات إلى بلدة مضايا الدمشقية، بعد دخول قوافل شبيهة إلى كفريا والفوعة، إلا أن حكاية البلدة الدمشقية لم تنتهي بعد، بل تركز التقارير الإعلامية على هذه المنطقة في ظل تجاهل واضح للحصار الأقدم على نبل والزهراء وكفريا والفوعة وما يجري في تلك المنطقة التي تسيطر عليها حركة “أحرار الشام” المحسوبة على السعودية.

أسرار عدّة تقف وراء ضجة أو بالآحرى”كذبة مضايا” الإعلامية التي وصلت بالأمس إلى طاولة مجلس الأمن الدولي بعد نشر العديد من القنوات الخليجية صوراً مفبركة عن المتضررين في مضاياً، قابلتها قناة المنار بالصور الحقيقة المرفقة بأدلة “غوغل”، فضلاً عن الشهادات التي سمعها العالم إثر خروج مئات المدنيين من البلدة السورية عبر حواجز الجيش السوري.

بصرف النظر عن التوقيت وتزامن هذه الهجمة الإعلامية مع “أجواء التجييش المذهبي التي ترافقت مع إعدام الشيخ “نمر النمر” في السعودية من جهة، واتهامات المنظمات الحقوقية للرياض بانتهاك حقوق الإنسان لا سيما في اليمن من جهة ثانية” ومنها ما يرتبط بالتركيز على حزب الله تحديداً بعد أن كان الجيش السوري دائماً المستهدف الأول من هذه الحملات، كيف أصحبت “كذبة مضايا” اليوم، بعد أن إنتشرت إعلامياً كالنار في الهشيم؟ وماذا قال أبناء البلدة عندما خرجوا منها؟

المسلحين “التجّار” وأسعارهم الفلكية

في ظل الهدوء على جبهة مضاياً، وجدت الجماعات المسلحة هناك ما “يلهيها” عن الجيش السوري حيث إنتقل المسلحون هناك من “تجارة الدم” إلى “تجارة الرغيف” بعد تخزين كافة المساعدات التي دخلت مضايا في 18 تشرين الأول الماضي عند أصحاب المستودعات. بحسب المعلومات، تقاسم “دياب ناصيف” المسؤول في “أحرار الشام” ومساعدوه و”أمراء” آخرون، و وُزِّع جزء منها تبعاً للمحسوبيات، ليُخزَّن ويُباع القسم الأكبر الباقي بأسعار فلكية.

لا ينكر أحد حالات الجوع والمرض في مضايا. “كيف لا نجوع والمساعدات لا توزّع بنحو سليم والحصار موجود والمسلحون والتجار يتحكّمون بالبضائع الموجودة وبأسعارها”، يقول عجوز يحمل بيده كيساً فيه بعض الأغصان “للتدفئة”.

“المرصد” المعارض أفاد بأنّ أهالي البلدة طردوا المسؤول العسكري في “أحرار الشام”؛ “دياب ناصيف” من مكان إقامته بسبب محاولته إدخال المساعدات إلى المستودعات. الخبر لم يعدُ كونه نفحة غضب أفرغها محزونون على مدينة لم تعرف النوم في أيام السلم والحرب. المصيَف الشهير تحكّمت فيه أمس أيضاً شلّة ناصيف وأصدقائه. “لا دخول للمساعدات إن لم نتسلّمها نحن”، أكدوا للوفود المجتمعة.

“حزب الله بيعرفوا الله”

يُظهر إصرار أهالي مضايا المتجمهرين أمام مدخل البلدة للخروج منها، الجحيم الذي يتركونه خلفهم. “آية” الجالسة على حقيبة سفر كبيرة تراقب عصافير والدها الموزعة على قفصين. 30 كناراً، تميل رأسها مع تنقلاتها، لتعود وتبحث بعينها عن أمها وأخواتها. الكل حولها… يعود “الأمان” فتعود للعصافير الصفراء.
أبو معتصم لا يستغرب إخراجه “سَلْوَتَه” الوحيدة بالأقفاص. يضحك قبل أن يحلف حول كلفة طعام أصدقائه: “20000 ورقة (ليرة) الكيلو… اشتريت أوقية وكنت أفكّر بتكرارها لكن الحمد لله خرجنا”. ينظر إلى ابنته آية، فتنطق تلقائياً: “مبسوطة رايحة عَ الشام”.

يضيف أحدهم عن المساعدات: ” توزع الربع والباقي يباع في السوق السوداء.. الوضع سيئ جداً داخل البلدة، ونحن غير قادرين على الإعتراض لأن المسلحين يتحكّمون بنا في مضايا”، ويتابع أحدهم قائلاً: ما تم الترويج إليه عن حزب الله غير صحيح “حزب الله بيعرفوا الله”.

العلاقات المتشابكة، وتوزّع المسلحين بين تنظيمات “أحرار الشام” و”جبهة النصرة” وعدد أقل في “داعش” و”الجيش الحر” يزيد الامور تعقيداً لكونهم من البلدة ذاتها. “هم من ينتقم ويعرفون سلالة كل شخص”، يقول العجوز الذي لم يعد لديه شيء يخسره.

ربّما يعتقد البعض أن قضية مضايا إنتهت مع دخول المساعدات الإنسانية. لا أبداً، غداّ سيعود شريط الحكاية إلى أوّله. جوع ومرض وتجار وقد تظهر صور وشرائط جديدة مع أي “فضيحة” تتعرض لها الرياض أو عندما يبيع “أمراء” الحرب في مضايا المواد الغذائية والطبية إلى “المغلوب على أمرهم”، إنها تجربة تعيد إلى الأذهان قضية “الكيميائي” الذي روّجت له وسائل الإعلام نفسها، من “المحرّك” السعودي نفسه، فهناك تاجروا في الدم واليوم يتاجرون في الرغيف. تعدّدت التجارات، والمجرم، ومن خلفه، واحد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق