التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

الانهيار الحتمي للمملكة العربية السعودية 

إنَّ النظام السعودي ، بدل ان يستلهم العبرة من دروس غطرسة واستكبار جيرانه لم يقف مكتوف الايدي حتى تدخل الحرب الى بلاده ، بل بالعكس أقدم و بشكل محموم ، على بسط هيمنته الجيوسياسية ، وتمديدا لفترة سيطرته على مصادر النفط ، قام وبما اوتي من قوة ،بتصدير الحروب الى المنطقة .
نشرت مجلة الشرق الاوسط تقريراً بقلم احد الافراد البارزين في العائلة المالكة السعودية ، انهم يرومون ايجاد < تغييراً> في قيادة البلاد للحيلوة دون انهيار النظام الملكي .
كاتب هذه الرسالة هو احد احفاد الملك عبدالعزيز بن سعود ، وقد تناقلتها ايدى امراء آل سعود، وفحواها انهم يلقون بها اللوم على الملك الحالي سلمان ، الذي تسبب بخلق المشاكل الغير متوقعة والتي تهدد بقاء الحكم الملكي .
ويحذر كاتب الرسالة ” لن نكون قادرين على الحد من تقلص العائدات، عدم النضج السياسي، والاخطار العسكرية، إلاّ بعد ايجاد التغييرات اللازمة في اسلوب اتخاذ القرارات، ولو استلزم ذلك تغيير ذات الملك. “
كان الانقلاب الملكي الداخلي كامناً لنا ام لم يكن ــ ولا يستبعد المراقبون المطلعون، أن يحصل مثل هذا المشهد ــ فان تفسير وتحليل مضمون هذه الرسالة ينبئ بمستقبل مظلم وعسير جداً .
ولو اننا سلمنا بعدالة محكمة التاريخ ، فإن المملكة السعودية تشبه كذلك مثيلاتها من الدول التي رأيناها في وقت سابق ، على مشارف عاصفة عارمة من التحديات المتوالية والتي تنبئ بمستقبلٍ مظلم للنظام الملكي .والذي سيدمر النسيج الملكي في غضون العشرة سنين القادمة .
واكبر تحدي ستواجهه هذه الدولة هو قضية النفط حيث ان تصديرالنفط ، يعتبر المصدر الرئيسي لايرادات السعودية ، والذي مهد السبيل للمملكة العربية السعودية لفرض سيطرتها على السوق النفطية خلال السنين القليلة المنصرمة ، وذلك من خلال انتاج وتصدير كميات هائلة وغير متوقعة من النفط ،وكان الهدف من المحافظة على استمرارية الانتاج هو تخفيض اسعار النفط وتثبيتها من اجل اضعاف قدرة المنافسة لمنتجي البترول الاخرين على المستوى العالمي ،لكنها وبهذا الربح القليل لا يمكنها البقاء في حلبة النزال
اما القدرة الاضافية للمملكة السعودية لتصدير النفط بشكل جنوني ، لا يمكنها الاستمرار الا لفترة محدودة ، وتتوقع دراسة مقارنة جديدة نشرت في مجلة العلوم وهندسة النفط ان المملكة العربية السعودية ,وبعد ثلاثة عشر عام أي عام 2028 ستبلغ الذورة في تجربة إنتاج النفط ، ومن ثم يتلوه حلول الانخفاض المحتوم.
وعلى اساس (On the ground) الذي دونه خبرا الجيلوجيا الدكتور سام فوشر وجفري جي براون ، فان المسألة الاساسية ليست النفط ،فحسب ، بل قابيلة تبديل الانتاج الى الصادرات مع وجود معدلات الاستهلاك المحلي المتصاعدة ،
وبين براون وفوشر ، ان علامة التضخم ستحصل ، عندما لا يستطيع مصدر النفط ان يبيع نفطه الى خارج البلاد ، نظراً لحاجتها لتلبية زيادة الطلب على الطاقة المحلية .
في عام 2008 توصلا هذان العالمان الى ان انحفاض معدل انتاج النفط في المملكة العربية السعودية قد بدأ في عام 2006 ، وهما يعتقدان ان هذا الميل نحو التنازل سيستمر. كانوا على حق حيث ان معدل الانخفاض السنوي ، لصافي الصادرات من النفط بلغ 1.4 % وهوضمن الاطار الذي تكهن به من قبل براون وفوشر . (CITY GROUP ) في تقرير لها حديثاً ،تكهنت هي الاخرى ايضا ان صافي الصادرات من النفط لهذه ، سيصل الى معدل الصفر خلال الخمسة عشر عاما المقبلة .
هكذا حدث يعني ان ايرادات المملكة العربية السعودية التي تشكل مبيعات النفط (80% ) منها ، تسيير بشكل دائمي نحو الزوال والانحطاط .
تعتبر المملكة العربية السعودية من اكبر مستهلكي الطاقة في المنطقة ، وبلغ ارتفاع الطلب المحلي في غضون الخمسة سنوات الماضية( 7,5 %) القضية التي سببها الرئيسي نابع من النمو السكاني في البلاد.
ومن المتوقع أن إجمالي عدد سكان المملكة العربية السعودية سيزداد من عدده الحالي 29 مليون نسمة، 37 مليون نسمة في عام 2030، وبالنظر إلى أن النمو السكاني سيستهلك إنتاج الطاقة في البلاد، فمن المرجح أن يشهد مزيدا من العقبات امام القدرة الانتاجية للنفط في البلاد خلال العقد المقبل.
استخدام الطاقة المتجددة هو الاسلوب الذي تسعى المملكة العربية السعودية ستستثمره كحل لتلبية الطلب المحلي للطاقة المعتمدة على النفط ، وتأمل في أن تصبح لديها القدرة على الافراج عن مبيعات النفط لخارج البلاد ، وبالتالي ستبقى الارادات محافظة على قوتها .
لكن في وقت سابق من العام الجاري ، طرحت الاختناقات الموجودة في طريق ثروات هذا الدولة نفسها عندما اعلنت عن فترة ثمانية سنوات تأخير في تنفيذ برنامجها للطاقة الشمسية الذي بلغت تكلفته 109 مليارد دولار، البرنامج الذي كان متوقعاً له أن يؤمن ثلث حاجة البلاد للكهرباء حتى عام 2030 .
بالإضافة إلى هذا فانّ الإيرادات الرسمية للدولة تلقت صفعة ، نتيجة لاستراتيجيتها القصيرة النظر لتقويض القدرة التنافسية لمنتجي النفط. وكما ذكرت في وقت سابق في التقرير ، إنّ المملكة العربية السعودية كرست مستوياتها العالية من الإنتاج بشكل مطلق للابقاء على أسعار النفط العالمية ثابتة حتى لا تحقق الاستثمارات الجديدة لمنافسيها مثل شركة صخرالامريكية الاستثمارية أو غيرها من المنتجين من خارج أوبك اية أرباح .
خزينة الدولة السعوية لم تستطع لحد الآن ان تنقذ نفسها من تلك الضغوط التي نشأت نتيجة الضربة التي تلقتها من خلال استراتيجيتها الهوجاء في اضعاف قابلية التنافس لدى منتجي النفط الآخرين ، ولو أنّ سياسيوا هذه الدولة يعتقدون إنّ الاحتياطات المالية الكبيرة التي لدى السعودية تمنحها القدرة والامكانية أن تفرض سيطرتها على اوضاع واحوال الاسواق العالمية ، طالما لم يضطر المنافسون الى ترك السوق ، ولكن الحقيقة ،انها الآن لم تعد قادرة على تحمل النقص المزمن في كسب الارباح.
هذا الحدث لم يقع حتى الآن . لكن في نفس هذا الوضع، انخفضت الاحتياطات المالية الكبيرة للمملكة العربية السعوديةإلى مستويات غير مسبوقة من نقطة الذروة( 737 مليار دولار) في أغسطس 2013 – الى(672 مليارد دولار) في شهر مايو من هذا العام ، وهو ما يمثل انخفاضا بنحو 12 مليار دولار شهريا . بناء على هذا المعدل ، قد يصل مستوى انخفاض احتياطيات البلاد بحلول نهاية 2018 – (200 مليارد دولار ). واحتمال كبير ان السوق توقع هذا الانخفاض في وقت أقرب بكثير من هذا الوقت ، و هذا يمكن أن يوفر العوامل المساعدة لهروب رؤوس الأموال.
إن نهج الملك سلمان للتعامل مع هذه المعضلة وتسويتها هو الإسراع في الحصول على قروض. وبالاخذ بنظر الاعتبار النقص في الاحتياطات المالية ، وزيادة في الديون وفي نفس الوقت وجود الضغط على عائدات النفط ، ماذا سيحدث على مدى السنوات القليلة المقبلة ؟
مثلما إنَّ الأنظمة الاستبدادية في مصر وسوريا و اليمن – والتي تواجه جميعها قدرا كبيرا من الاضطرابات الداخلية ـ فإنّ واحدة من النفقات الاساسية للتعامل مع الصعوبات، الانفاق السخي لتكاليف الدعم المحلي . في الدول المذكورة اعلاه ادَّت الاحتجاجات للحد من مقدار الدعم المحلي كردة فعل لآثار الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية و النفط مباشرة لاندلاع انتفاضات ما يسمى بـ ” الربيع العربي” ، في تلك الدول، على التوالي .
الثروة النفطية في المملكة العربية السعودية وقدرتها الفريدة للحفاظ على استمرارالدعم السخي للحصول على الطاقة والسكن والغذاء والمواد الاستهلاكية الأخرى، تلعب دورا هاما في درء خطر الاضطرابات المدنية. إنَّ دعم الطاقة لوحدها، يستهلك نحو خمس الانتاج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية . ونظراً لتعرض الدولة للضغط بسبب ارتفاع مستويات الدخل تصاعدياً ، سوف تتزعزع قدرتها على التغطية على الخلافات الداخلية المتزايدة يومياً ، وهذا ما رأينا بالفعل في بعض البلدان الأخرى في المنطقة. نحو ما يقارب ربع سكان السعودية يعيشون في بالفقر. البطالة حوالي 12٪، واكثر المتضررين هم من الشباب ، والتي تبلغ نسبة العاطلون عن العمل منهم 30٪.
تقلبات المناخ ، وخصوصا فيما يتعلق بالأغذية والمياه ايضاً ، بدأت تدريجياً تتصدر المشاكل الاقتصادية في البلاد. مثل العديد من البلدان الأخرى في المنطقة،فإنَّ المملكة العربية السعودية تعاني بالفعل آثار تغيير المناخ على شكل ارتفاع الحرارة الشديدة في المناطق الداخلية ،و شحة الأمطار في مناطق شاسعة من شمال البلاد. ومن المتوقع أنه بحلول 2040 سيبلغ متوسط درجات الحرارة في البلاد أعلى من المتوسط العالمي ، ومن المرجح أن تتجاوز 4 ° C ، وفي الوقت نفسه انخفاض نسبة هطول الأمطار ايضا سيزيد الوضع سوءا .
ويمكن أن تتزامن هذه الاحداث مع ظواهر الطقس الأكثر شدةً ، مثل فيضانات عام 2010 جدة بسبب تلك الأمطار التي تقدر نسبتها بما يعادل امطار سنة كاملة خلال اربعة ساعات . يمكن لهذا المزيج من المشاكل أن يؤثر بشكل كبيرعلى الإنتاج الزراعي، والذي هو الآن يواجه تحديات كثيرة جدا من الاستفهامات ، الى إجراءات الزراعة الصناعية غير المستقرة التي تؤدي إلى التعجيل بالتصحر . على أية حال، فإن حقيقة أن ثمانون في المئة من الاحتياجاتها الغذائية للمملكة العربية السعودية تأتي من خلال الواردات، التي تتمتع بدعم كبير، وهذا يعني أنه بدون توفير هذه الدعم ، فإنّ البلاد ستتأثر بشدة من التقلبات في الأسعار العالمية للغذاء .
وقد خلص تقرير عام 2010 لمنظمة الأغذية و الزراعة للأمم المتحدة أن ” المملكة العربية السعودية عرضة بوجه خاص لتغيرات المناخ ، لأنه أكثر نظمها البيئية حساسية، هي الموارد المائية المتجددة المحدودة و اقتصادها بشكل كبير يعتمد على صادرات الوقود الأحفوري( Fossil) ، في حين تواجه ضغطا كبيرا من النمو السكاني ، علاوة على قدرة حكومة هذه الدولة على تلبية احتياجات شعبها “
بما إنَّ في هذه الدولة حصة كل فرد من سكانها سنويا 98 متر مكعب من الماء ،فهي واحدة من المناطق الاكثر شحةً في الموارد المائية في العالم . أكثر المياه اللازمة لهذه الدولة ، تؤمن من مصادرالمياه الجوفية، الغير قابلة للتجديد و( 57 في المئة) الى( 88 في المئة ) مناه تصرف للاستهلا ك في القطاع الزراعي. بالإضافة إلى ذلك وجود محطة تحلية المياه ، التي تؤمن نحو 70 في المئة من الحاجة المحلية للبلاد .
ولكن استهلاك تحلية المياه الكثير من الطاقة ، و أكثر من نصف الاستهلاك المحلي من النفط يخصص لهذا الغرض. تزامناً مع انخفاض الصادرات النفطية الى جنب ذلك انخفاض العائدات الحكومية ، ونظراً للارتفاع في الاستهلاك المحلي ،ستنخفض قدرة هذه الدولة على استخدام اسلوب تحلية المياه لتوفير المياه العذبة لتلبية حاجتها .
يمكن أن تتبع جذور الاضطرابات الأهلية والحرب الشاملة في العراق وسوريا واليمن و مصر الى الاثار المدمرة لتضائل قدرة الحكومة على حل المشاكل المتولدة من الجفاف الناجم عن تغير المناخ ، والمؤثر على تراجع القطاع الزراعي و الانخفاض السريع في احتياطيات النفط .
إنَّ النظام السعودي ، بدل ان يستلهم العبرة من دروس غطرسة واستكبار جيرانه لم يقف مكتوف الايدي حتى تدخل الحرب الى بلاده ، بل بالعكس أقدم و بشكل محموم ، على بسط هيمنته الجيوسياسية ، وتمديدا لفترة سيطرته على مصادر النفط ، قام وبما اوتي من قوة ،بتصدير الحروب الى المنطقة .
للأسف ، هذه الاعمال ادلة على الأوهام السطحية التي تمنع هذه الأنظمة من ردة فعل منطقية حيال “أزمة الحضارة ” والتي تزلزل الارض تحت اقدامهم . وهم يحمل نوعا من الاعتقاد الراسخ وألاصولي : لأن الأعمال التجارية المعتادة بالاحرى ، ستحل المشاكل التي خلقتها الأعمال التجارية المعتادة ،.
على غرار العديد من الدول المجاورة لها ، انَّ وجود هذه الجذورمن الوقائع التنظيمية تعني أن المملكة العربية السعودية هي بالفعل على حافة انهيار أمر لا مفر منه ، وهو الاتجاه الذي من المرجح أن يبدأ السنوات القليلة المقبلة، و خلال عقد من الزمن سوف يكون سيشاهد بشكل واضح.

نافذ احمد
المحقق والصحفي والباحث في شأن الامن الدولي و مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا في المجال الذي يعشقه والذي اسماه “أزمة الحضارة ” . يكتب الى الى مجلات مثل الاندبندنت ، و سيدني مورنينغ هيرالد ، و السن ، والسياسة الخارجية ، الأطلسي ، الكوارتز ، بروسبكت .
المصدر – موقع البديع

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق