التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مايو 9, 2024

قراءة في خفايا صناعة القرار الامريكي (٢)… مجموعات الضغط المؤثرة في القرار الأمريكي 

سعت أمريكا (وكما أشرنا في الجزء الأول من هذه القراءة) الى تقديم نفسها رائدة للعالم الحر الديمقراطي. وراعية للسلام وحفظ حقوق الانسان. فسعت ومن خلال سيطرتها على الاعلام من وكالات انباء وقنوات تلفزيونية وافلام هوليوودية الى نشر الثقافة الامريكية في العالم كنموذج يحتذى من قبل دول العالم بما فيها دول العالم المتقدمة. كما كرست نفسها الدولة الاقوى عسكريا في العالم. وعملت على المحافظة على تفوقها التكنولوجي في كافة النواحي لعلمها أن هذا التفوق التكنولوجي أساس في الامساك بالاقتصاد العالمي، اضافة الى تمكنها من السيطرة على مصادر الطاقة الاساسية في العالم من خلال هيمنتها على القرار العربي الخليجي. طبعا وتطول هذه السياسات الامريكية ولا تنتهي بهيمنتها على سوق الحبوب وخاصة القمح، لعلمها انه استراتيجي في حكم الشعوب. وكل ذلك خدمة لاهداف قد لا تكون كلها تصب في المصلحة الامريكية بل وكما يؤكد الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر، فان الكثير من السياسات الامريكية انما تأتي نتيجة تأثير الرشوة السياسية على اصحاب القرار، وخدمة لمصالحهم ومنافع مجموعات الضغط المنتمين اليها. وهنا سنستعرض اهم اللوبيات الفاعلة على الساحة الامريكية:

 

اللوبيات الاقتصادية

تهدف الى السيطرة على الاقتصاد العالمي وتتبع من أجل ذلك سياسة الكارتيلات الاقتصادية التي تحتكر وتتحكم بالاسواق وتلعب باسعار السلع كما يحلو لها. وتمتلك القوة والقدرة على انزال عقوبات وتدمير عملات بلدان قد تخالفها، وحتى خلق صراعات عسكرية وانقلابات في الدول التي قد تسعى لمواجهتها والتحرر من براثنها.

 

اللوبيات العسكرية

والتي تسعى الى تأجيج الصراعات والحروب ليكون العالم ساحة لتجاربها، ومن اجل تجارة السلاح والتي تشير تقارير الى أن مردودها الاقتصادي السنوي يعد من بين التجارات الاربح عالميا. ويسيطر عليها بشكل رئيسي المعروفون بصقور الادارات الامريكية.

 

اللوبيات الاعلامية

وهي بواقع الامر تأتي مكملة للوبيات الاخرى في عصر اصبح فيه الاعلام من اهم العناصر المؤثرة على قرارات الدول والحكام. حيث تسعى كافة مجموعات الضغط الى امتلاك اسطولها الاعلامي الخاص الذي يروج لمصالحها واهدافها.

 

اما بالنسبة الى اللوبيات السياسية والتي عادة ما تكون قومية (اذا صح التعبير) فالأهم على الساحة الامريكية هي: 

اللوبي اليهودي.. الاهم والاخطر على الساحة الامريكية

وهو اللوبي الاقوى على الاطلاق في الداخل الامريكي ويتميز بالتنظيم على خلاف غيره من اللوبيات الاخرى. وله من السيطرة والتأثير الكبيرين على قرارات الادارة الامريكية (السياسية، الاقتصادية، العسكرية والاعلامية) بالاضافة الى تأثيره القوي على انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ الامريكيين. حيث يؤكد المتابعون للشأن الداخلي الامريكي أن من يرضى عنه اللوبي اليهودي طريقه سالك وبشكل سلس الى الكونغرس. مقابل فشل شبه مؤكد لمعظم من لا يؤيدهم الاخير. ويقوم هذا اللوبي بتسخير قوته خدمة وحماية للكيان الإسرائيلي ودعما له في كافة المحافل.  ويتكون اللوبي الصهيوني من شبكة واسعة من المنظمات تزيد عن ٣٠٠ منظمة و ٢٠٠ اتحاد وصندوق للرعاية وجمعيات، بالاضافة الى ما يزيد عن ٥٠٠ كنيس يهودي.

 

ومن أهم تلك المنظمات والجمعيات:

جمعية الدعوة اليهودية الموحدة، وهي الاكبر وتهتم بجمع التبرعات وتنظيم الاحتفالات وترتيب اللقاءات مع القادة والزعماء اليهود. الرابطة اليهودية الأمريكية، وهي جمعية ترعاها الحكومة الاسرائيلية للدفاع عن سياساتها في الوسط الامريكي. جمعية “بناي بريث”، وهي جمعية عالية التنظيم تهتم بمهاجمة اعداء الکيان الاسرائيلي وتعتمد اسلوب الاتهام بمعاداة السامية. الجمعية اليهودية الأمريكية، تسعى لتقوية الروابط بين مختلف الجاليات اليهودية في العالم. اللجنة الأمريكيّة الإسرائيلية للشّؤون العامّة “أيباك”: وهي الاكثر شهرة عالميا وفي الداخل الامريكي تضم في عضويّتها عدّة منظّمات صهيونيّة اخرى مثل “بناي بريث”، اللجنة اليهوديّة الأمريكيّة، والكونغرس اليهودي الأمريكي بالاضافة الى منظمات اخرى. وتعقد “أيباك” مؤتمراً سنويّاً يحضره عدد كبير من الشّخصيّات الأمريكيّة السّياسيّة من مجلسي الشيوخ والنواب وغير ذلك، ومن خلال هذه المؤتمرات يتم تدريب وإعداد الكوادر اللازمة لهذه الجمعيّة.

 

اللوبيات العربية… هشاشة واهداف ثانوية!

اما بالنسبة للوبيات العربية او مجموعات الضغط التي تسعى لدعم القضايا العربية فهناك بعض الجمعيات والمؤسسات التي تسعى للترويج للقضايا العربية. ورغم أن الاحصاءات تشير الى مبالغ بعشرات المليارات تصرف داخل امريكا من قبل الدول العربية في سبيل استمالة اعضاء من الادارة الامريكية لصالحهم، الا أنه لا نتائج مرضية على الارض وقد يكون السبب يعود الى أن هذه الجهود لا تصب في خدمة القضايا العربية المشتركة. وانما تصب في مصالح متفرقة وثانوية لكل طرف على حده. ومن بين اكثر الدول العربية صرفا الامارات والسعودية وقطر والمغرب.

 

الاصوات الحرة… لا حياة لمن تنادي!

وسط هذا الواقع، تحاول بعض جمعيات المجتمع المدني الامريكي رفع الصوت في وجه هذه اللوبيات. وما حصل من اخماد لحركات الاحتجاج ابان الازمة الاقتصادية الامريكية الاخيرة، تحت شعار “نحن ٩٩ في المئة من الشعب ولا نملك اكثر من ١ في المئة من الثروة”، في محاولة لمنع الادارة الامريكية من تقديم الدعم المادي للمؤسسات الاقتصادية المنهارة والتي كانت المسبب الحقيقي للانهيار، الا خير دليل على أن لا صوت مسموع لهذه الاصوات. وكان القرار في حينها قرار اللوبيات الاقتصادية بامتياز.

وبعد ما تقدم تثبت النظرية القائلة بأن القرار في امريكا لا يصنع داخل اروقة البيت الابيض. وانما يأتي من قبل اللوبيات المختلفة التي لا تمتلك الادارة الامريكية جرأة مخالفتها خاصة أنها ربطت مصالحها ومزاياها المادية الضيقة بها. وفي حال أتى القرار من داخل الاروقة التي يجب اتخاذ القرار فيها حينذاك عليك أن تفتش عن الصقور المعتمدين من قبل اللوبيات والذين ستجدهم في كافة مفاصل القرار الامريكي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق