التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

زمن الإنكسار الأمريكي، عندما تضيع الثقة…(٢) العلاقة مع “السعودية” 

هدفان أساسيان كان يستشرف تحقيقهما باراك أوباما في الشرق الأوسط بعدما أصبح رئيساً لأمريكا، الأول أن تصبح أمريكا أكثر شعبيةً في جميع أنحاء المنطقة بعد المساعدة في حلّ أزماتها، والثاني الخروج منها بدءاً من العراق وانتهاء بأفغانستان. ووقتها إعتقد كثيرون مخطئين أن الدور الأمريكي الجديد برئاسة أوباما سوف يأتي بالحلول لقضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسوف يضع أمريكا آمرةً ناهية في الشرق الأوسط ومستقطبةً لشعوبه ويعزز من حضور حلفائها وأدواتها ويضعف من محور المقاومة.  

 

لكن الآمال لم تحقّق، وبعد أن وثق الحلفاء بأنّ سيدهم هو “حلّال المشاكل”  تبين لهم أنه أضعف من ذلك، ولم يعد الشرق الأوسط يتّسع له، فبعدما ساد الإعتقاد بأنه سيدفع “السلام” بين فلسطين والكيان الإسرائيلي إلى خطوة للحل الدائم وهو ما استعصى على الرؤساء الأمريكيين السابقين، فنُعيت مبادرة السلام والمفاوضات، وانّه سيسعى إلى إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي وقد اصبحت إيران نووية بامتياز بشهادة العالم كله، وأنه سيمنع حرباً أخرى في المنطقة فغدت ناراً من الإرهاب الأمريكي مسلطةً على شعوبها، وأنّ العلاقة مع الكيان الإسرائيلي ستكون في أفضل حال فوصلت القطيعة والتوترات في العلاقة إلى أخطر المراحل، وأنّ الحلفاء في الدول الخليجية سوف ينعمون بالإستقرار فها هي السعودية ومن معها تعيش أسوأ مراحلها في العلاقة مع أمريكا، وأنّ وأنّ…  

   

لكن أوباما لم يستطع أن يفعل شيئاً من هذا القبيل والإدارة الأمريكية لم تكن على قدر التوقعات، وخيّبت آمال المراهنين على قدراتها، وبرزت أمام واشنطن تحديات جديدة في المنطقة لم تكن في الحسبان. فأين السعودية من الوضع الأمريكي الجديد بعد أن وصل التناقض في الأولويات بينهما إلى أبعد الحدود؟ وهل أنّ الرهان السعودي على اللوبي الإسرائيلي هو الحل؟ أم أنّ الرضوخ وتقبل الواقع الجديد لموازين القوى في المنطقة هو قدر الخاسر الخائب؟ 

 

إنّ الخلاف الأمريكي السعودي مرّ بمراحل عديدة، وتعارض الأوليات واختلاف الرؤى تجاه العديد من قضايا المنطقة أدّى إلى تراكم التوترات بين البلدين وانتقل الخلاف من عهد الملك عبد الله إلى الملك سلمان مع إدارة أوباما. فقبل الخلاف الكبير حول الملف النووي الإيراني اختلفت الرياض مع واشنطن حيال قضيتين مهمتين من قضايا المنطقة، وهو ما لم يحصل من قبل في تاريخ العلاقة بينهما: فالقضية المصرية والقضية السورية كانتا من أهم الأسباب التي كسرت الجرّة بين الجانبين.  

 

فمن وجهة نظر السعودية، إن الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة على مدار الأربع سنوات الماضية جاء بالفوضى على حساب الاستقرار. ولهذا منحت الرياض الرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي حق اللجوء ووبخت واشنطن بسبب سحبها المفاجئ لدعم الرئيس المصري حسني مبارك في عام ٢٠١١. وعندما تمت الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في القاهرة في حزيران/يونيو المنصرم، ابتهجت الرياض وأغدقت على الفور الدعم المالي على الإدارة الجديدة المدعومة من الجيش، وتجاهلت وجهة نظر واشنطن الأقل تفضيلاً للتغيير. 

 

ومن جانب آخر أدّى الخلاف حول الملف السوري إلى توسيع الشق وتعقيد العلاقة بين الجانبين، فالرياض وواشنطن تتفقان في رؤيتهما للأزمة السورية لكنهما تختلفان في ما بعد ذلك في كل شيء تقريباً: في الأولويات والسياسة والهدف. فالإدارة الأمريكية لا تختلف في توصيفها لطبيعة النظام السوري، لكنها لا تعتبر تغييره أولوية لها الآن. وهي لا تمانع أن يتحقق ذلك، لكنها لا تريد أن تدفع ثمن هذا التغيير. فتدمير سوريا وتقسيمها هو الهدف الإستراتيجي بينما أولى أولويات الرياض إسقاط نظام السوري والرئيس بشار الأسد. 

 

فقد قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن التمزق الذي أصاب العلاقات الأمريكية السعودية، والذي يعتبر الأسوأ منذ ٤٠ عاماً، بذلت الحكومتان جهودًا مضنية لإصلاح صدعها، بعد تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن موقفه باعتبار استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية خطاً أحمر( وقد ثبت أن النظام لم یستخدم هذا النوع من الأسلحة)، لكنه امتنع عن توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. وأشارت الصحيفة إلى أن الارتداد الأمريكي عن القضية السورية بمثابة ضربة مريرة للرياض، ليس فقط لأنه خسر فرصة سانحة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ولكن أيضا بسبب الرسالة التي تلقتها الرياض فيما يتعلق بمصداقية أمريكا فيما يتعلق بحماية الدولة النفطية، والتي اعتمدت عليها أمريكا لستة عقود. 

 

وأشار التقرير إلى أن عبد الله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى قال إن “أوباما ليس لديه أي إرادة سياسية على الإطلاق، ليس فقط فيما يتعلق بسوريا ولكن بأي مكان آخر”. ورأى محلّلون أن هذا التصور يعكس أن أمريكا فقدت بشكل كبير اهتمامها بالشرق الأوسط فأصبح هناك شعور بخيبة الأمل في هذا الصدد بكل أنحاء العالم العربي”. 

 

وجاء توقيع الإتفاق النووي ليشكل صاعقةً سقطت على رأس النظام السعودي ويفجّر القنبلة التي دمرت الثقة مع إدارة أوباما وجعلت السعودية تقف إلى جانب الكيان الإسرائيلي في حرب ما بعد الإتفاق النووي في وجه إدارة أوباما.  

 

ويقول مراقبون إنّ إستياء السعودية من سيدها الأمريكي يُعبّر عنه الرسالة التي صدرت عن رئيس الإستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان، حيث قال “إنّ الرئيس أوباما، اتخذ قراره بالمضي قدماً في الصفقة النووية مع إيران وهو مدركٌ تمام الإدراك أن التحليل الاستراتيجي لسياسته الخارجية، والمعلومات الاستخباراتية المحلية وتلك الآتية من استخبارات حلفاء أمريكا في المنطقة لم تتنبأ جميعها بالتوصل إلى نتيجة الاتفاق النووي نفسها مع كوريا الشمالية فحسب، بل تنبأت بما هو أسوأ، إلى جانب حصول إيران على مليارات من الدولارات. فالفوضى ستسود الشرق الأوسط، الذي تعيش دوله حالة من عدم الاستقرار، تلعب فيها إيران دورًا أساسياً. قد قصرت ملاحظاتي على الاتفاق النووي الإيراني، لكن ثقوا بي حين أقول إن سياسات الرئيس بشأن الشرق الأوسط عموماً وسوريا والعراق واليمن بصفة خاصة فتحت عيوننا على شيء لم نكن نتوقعه منه ويمكن مناقشتها في وقت آخر. أما الآن، وبكل تأكيد، أنا أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن صديقي العزيز، الثعلب القديم هنري كيسنجر، كان مصيبًا حين قال: “على أعداء أمريكا أن يخشوا أمريكا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر. 

 

فهو كلام بالغ الأهمية والدلالات، والخسائر السعودية من التبعية لأمريكا في العقد الأخير سببت لها الكثير من التراجع  في المنطقة والعداء من قبل شعوبها، بل إنّ السعودية التي كانت تميل إلى التخطيط والتنسيق مع الكيان الإسرائيلي في العديد من ملفات المنطقة، لم تعتقد يوماً أنّ السيد الذي أنعشت إقتصاده مرات عديدة قد أصبح ينظر إليها كورقة لا تُراعى مصالحها ولا يُؤخذ برأيها. فالسعودية أيقنت أنّ الأمر يتعلق بتوازنات جديدة في المنطقة وتراجع النفوذ الأمريكي فيها. فهل تقدم على انعطافٍ للدخول في تسويات المنطقة للضغط على إدارة أوباما؟ أم أنّ دورها قد حان على لائحة التغيير وأصبحت ثمناً يدفعه الأمريكيون مقابل بقاء مصالحهم؟

في القسم الثالث سنتعرض للعلاقة مع تركيا تحت عنوان “زمن الإنكسار الأمريكي، عندما تضيع الثقة…(٣)”. 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق