التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

العالم العربي بعد الاتفاق النووي 

 بعد اتفاق لوزان النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية ( ٥+١) في نيسان/أبريل الماضي والذي مهد الأرضية للاتفاق النهائي والشامل بشأن برنامج إيران النووي في فيينا صعّدت بعض الدول العربية من لهجتها المعارضة لإبرام هذا الاتفاق وفي مقدمتها السعودية.  

 

فالسعودية وبعض الدول العربية الحليفة لها لاسيما في مجلس التعاون تعتقد بأن الاتفاق النووي سيزيد من قوة إيران الاقليمية والدولية ويوسع من نفوذها وتأثيرها على الصعيدين السياسي والاقتصادي ويمكنها بالتالي من رفع مستوى دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة. وهو موقف يتناغم كثيراً مع موقف الكيان الاسرائيلي من إيران. ولسنا هنا بحاجة للتذكير بأن الرياض كانت قد أعلنت مراراً قبل توقيع الاتفاق بين طهران والغرب عن استعدادها للتعاون مع الكيان الاسرائيلي لضرب المنشآت النووية الإيرانية.  

 

ويبتنى الموقف السعودي من إيران على عوامل عدة يتعلق بعضها بالتوازن الإقليمي والتداعيات الاستراتيجية للاتفاق النووي في عموم المنطقة. فرغم ترحيب الرياض رسمياً بهذا الاتفاق لکنها عبرت في الوقت نفسه عن قلقها ازاء بعض بنوده خصوصاً ما يتعلق برفع الحظر عن إيران. وهذا الموقف نابع في الحقيقة من انعدام الثقة بين الطرفين والذي تكرس خلال السنوات الماضية بسبب خلافاتهما بشأن العديد من القضايا التي تخص المنطقة.  

 

ويرى المراقبون ان التقارب النسبي الذي حصل في الآونة الاخيرة بين قطر والسعودية وسعي الاخيرة لتقوية علاقاتها مع حركة حماس ومحاولاتها لترطيب الاجواء مع الاخوان المسلمين تهدف كلها إلى تشكيل جبهة جديدة لمواجهة تداعيات الاتفاق النووي والحد من نفوذ إيران في المنطقة لاسيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن. 

 

في مقابل ذلك يعتقد الكثير من المراقبين ان الاتفاق النووي بين إيران والغرب وفّر فرصة ثمينة للارتقاء بمستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين دول المنطقة وفتح أمامها آفاقاً جديدة لتعزيز التعاون في جميع المجالات لاسيما في مجال محاربة الإرهاب باعتباره مقدمة ضرورية وحتمية لإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا الأمر يتطلب موقفاً شجاعاً وواضحاً من قادة الدول العربية لتحقيق التقارب مع إيران لمواجهة خطر الإرهاب وباقي الاخطار المشتركة التي تنبع أساساً من التدخل الاجنبي في شؤون هذه المنطقة.  

 

ولايفوتنا أن نشير هنا إلى ان طهران كانت قد أعربت مراراً عن استعدادها لتقوية علاقاتها مع دول المنطقة في كافة المجالات وعاودت نشاطها الدبلوماسي الاقليمي بعد توقيع الاتفاق النووي، حيث بادر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى زيارة ثلاث دول عربية خلال الايام الماضية هي الكويت وقطر والعراق.  

 

ورغم ان التعامل البناء والحوار الثنائي والمتعدد الاطراف مع دول الجوار كان دوماً على رأس أولويات السياسة الخارجية الإيرانية لكن القلق الذي أبداه مؤخراً بعض مسؤولي الدول العربية ازاء الاتفاق النووي دفع طهران للتحرك مجدداً لمعالجة مكامن هذا القلق.  

 

وحري بجميع دول المنطقة لاسيما الدول العربية أن تستثمر الاتفاق النووي لمد جسور التعاون مع إيران والابتعاد عن التصريحات والاتهامات غير المبررة، وهذا يعتمد بالدرجة الاولى على مدى قدرة مسؤولي هذه الدول على اتخاذ قرارات مستقلة ورفضهم لإملاءات الدول الغربية التي تسعى لتأمين مصالحها فقط على حساب دول المنطقة.  

 

وليتذكر العرب جيداً أن الكيان الاسرائيلي هو العدو الحقيقي الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة وليس إيران التي تعايشت معهم منذ مئات السنين. ولتعلم الدول العربية أيضاً ان الحوار القائم على أساس التفاهم والاحترام المتبادل هو المدخل الصحيح لإعادة المياه إلى مجاريها وتسوية القضايا العالقة بين الجانبين. 

 

والمطلوب الآن صياغة استراتيجية عربية موحدة تجاه إيران والابتعاد عن سياسة المحاور على أساس طائفي والتفكير لجعل طهران جزءاً من الحل لمشاكل المنطقة على أرضية البحث في المصالح المشتركة وتجاوز سياسة الاستقطاب والاحتراب المذهبي والطائفي التي لم تنتج سوى الخراب والإحباط لشعوب المنطقة .  

 

وأخيراً لابد من التأكيد على أن الصعود إلى القمة يتطلب ارادة صلبة واصراراً على بلوغ الهدف، وهذا يستلزم من كافة شعوب ودول المنطقة أن تستفيد من تجارب بعضها البعض وأن توحد إمكاناتها وطاقاتها لتحقيق ما تصبو اليه في العيش بأمن واستقرار وعزة وكرامة بعيداً عن أي تدخل أجنبي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق