التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 5, 2024

السعودية وتركيا تدقّان الباب السوري: هل تتحقق المعجزة الروسية؟ 

هذا ليس زمن المعجزات، إنه زمن التوازنات والتحولات. فعندما طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشكيل تحالف رباعي لمواجهة الإرهاب لم يكن يتحدث عن المستحيل، بل إنّ التخطيط الروسي كان يستشرف مستقبلاً تفقد فيه أدوات أمريكا الثقة بها. فأمريكا ليس لها صديق ولا حليف. وقد جاء الزمن الذي تشعر فيه السعودية وتركيا “بالخيانة” الأمريكية أو أنهم أيقنوا أنّ فرعون العصر القديم لم يعد الحاكم بأمره.

 

فقد اعتقد سيد الكرملن محقاً أن الحل الأنسب للمنطقة هو إقامة جبهة لمكافحة الإرهاب، تجمع بين الأعداء المتقاتلين. وعندها قامت الدنيا ولم تقعد وهي تتحدث عن معجزة، ليست مستحيلة في السياسة. فهنا لا صداقة ولا عداوة دائمتين.

 

وعقد بوتين لقاء في موسكو جمعه مع وليد المعلم وبثينة شعبان وفيصل المقداد في ٢٩ حزيران الماضي عرض فيه المبادرة القاضية بإنشاء التحالف الذي يضم سوريا والسعودية وتركيا والأردن. وبرغم المفاجأة، والمقارنة بطلب معجزة، طلب الروس جواباً من الرئيس السوري بشار الأسد على العرض، وحصلوا عليه في الساعات التي تلت ذلك اللقاء، وكان ايجابياً . فالعقدة ليست عند السوريين الذين كانوا ومازالوا ينادون بالحوار مع كل الأطراف لمواجهة الإرهاب، ولكن العقدة كانت لدى السعودية التي لم تبقِ منفذاً للتعاون بل كانت على عكس ذلك تموّل وتدعم المجموعات الإرهابية لتدمير سوريا وقتل وتشريد شعبها. ولكن الواضح أنّ السعودية بعد أن استشعرت “الخيانة” من سيدها والضعف الأمريكي والتقارب مع إيران، عزمت على اللحاق بركب محاربي الإرهاب بعد أنّ دق بابها. فأين أصبحت الوساطة بين سوريا والسعودية؟ وهل أنّ الأخيرة أذعنت للوقائع الميدانية والتحولات السياسية واستسلمت للأمر الواقع؟ وأين تركيا من هذا التواصل؟ وهل أصبحت المعجزة قريبة المنال؟

 

فبحسب مصادر عربية مطلعة طلب الرئيس الروسي من الجانبين، السعودي والسوري، إيفاد مبعوثين يحملان تكليفاً رسمياً من الأسد ومن الملك سلمان بن عبد العزيز لمتابعة التواصل بشأن المبادرة الروسية. وخلال الأسابيع الماضية بدأت، تحت رعاية روسية، عملية فتح القنوات الأمنية لاستطلاع إمكانية تحقيق ذلك. وتم تكليف رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك، بمباشرة تلك اللقاءات، التي انعقد أولها في موسكو، فيما كلف الملك سلمان، على ما يرجّح مسؤولاً أمنياً عربياً كبيراً، بتمثيله في تلك اللقاءات، وهو أحد رجال الاستخبارات السعودية وعمل في الماضي مع اللواء المملوك في مرحلة الانفراج السعودي ـ السوري، في العقد الماضي . ويقول مصدر مطلع إن المسؤول الأمني السوري الكبير يقوم برحلات متواصلة للتنسيق مع موسكو، منذ أسابيع، والعمل على تحديد بعض إجراءات الثقة والتقارب.

 

ومن جانب آخر أرسل الأتراك خلال الأسابيع الماضية موفداً إلى موسكو للإطلاع عن قرب لما وصلت إليه عملية التواصل بين الأفرقاء، حيث أظهر الأتراك إهتماماً بالمبادرة الروسية بعد أن شعروا بلهيب النار التي أشعلوها في سوريا. فتركيا إستمرت على مدى أربعة أعوام بإضرام النار في البيت السوري وكأنها لم تفكر يوماً أن اللهيب قد ينتقل إلى فناء بيتها ويشعل ناراً قد تعود بها سنوات إلى الوراء. فالدولة الناظرة إلى تاريخ الإمبراطورية العثمانية والتي تلاشت أحلامها وعادت مرات ومرات لإحيائها دون جدوى في مخيلتها، لم تتوان منذ بداية الأزمة السورية بالتدخل في شؤون جارتها ودعم المجموعات الإرهابية عدّةً وعديداً وهي التي أرسلت مرات عدة مئات المسلحين إلى داخل الأراضي السورية لمساندة المجموعات التكفيرية في وجه أبناء الشعب والجيش السوري.  

 

وكأن أردوغان والإدارة الحاكمة في تركيا لم يريدوا الإبقاء على أي خط لعودة العلاقات التاريخية مع سوريا ضاربين بعرض الحائط كل الخطوط الحمر ومعلنين على الملأ العداء للشعب السوري الذي سوف يحفظه التاريخ ولن يمحى من ذاكرة شعوب المنطقة. ويرى بعض المحللين أنّ أردوغان ومن معه لم يدركوا مدى خطورة ما أقحموا تركيا فيه، والبعض الآخر يرى أنّ هؤلاء قد ركبوا القطار الأمريكي لتخريب سوريا طمعاً بشراكة في التقسيم الجديد للمنطقة. 

 

ولكن اللهيب وصل إلى فناء بيتها. وشعرت تركيا على غرار السعودية أنّ سيدها الأمريكي لم يعد يملك زمام الأمور وأنّ النار لا تفرق بين شجرة وأخرى. فهي تسعى إلى الإلتحاق بمركب المبادرة الروسية وتحاول إعادة بناء ما دمرته من خلال فتح التواصل مع سوريا. وفي هذا السياق تقول معلومات مؤكدة عن مصدر غربي إن تركيا أوفدت جنرالاً تركياً في الثالث من تموز الحالي لمواكبة التواصل حول التعاون ضد الإرهاب في إطار المبادرة الروسية، وهذا الموفد هو الأول منذ اندلاع الحرب في سوريا. وجاء الجنرال التركي خلال الفترة التي انتصر فيها الأكراد في تل أبيض، وبعد أن حشدت تركيا وحدات من جيشها على الحدود السورية للتدخل العسكري فيها خوفاً من التقدم الكردي وإنشاء كيان كردي مستقل على حدودها.

 

فالأجواء توحي بأنّ العمل يسير في الطريق الصحيح، حيث تكتسب المبادرة الروسية التأييد والجدية من قبل الدول المدعوة للإنضمام إلى التحالف خاصة بعد العملية الانتحارية التي وقعت في سوروتش التركية، والحديث عن خلايا إرهابية نائمة، وکذلك الحديث عن تجنيد الآلاف في الداخل السعودي، لعمليات قادمة لتفجير الداخل السعودي. فالسعودية وتركيا لا تمانعان التعاون مع النظام السوري وفي إطار دولي لإنشاء التحالف الرباعي الذي يتقاطع مع ما يقوم به المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لإطلاق عملية جنيف قبل نهاية العام الحالي. حيث سيسعى الروس لإنتهاز عملية جنيف لتعديل البيان الذي صدر في ٣٠ حزيران العام ٢٠١٢، لإطلاق التحالف الجديد ضد الإرهاب.

 

وإلى جانب كل هذا، فإنّ إحدى أهم كلمات السر لهذا الحراك الدولي والإقليمي هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي أثبتت أنها بصبرها وثباتها في وجه العواصف الغربية قادرة أنّ تثقّل ميزان المبادرة الروسية وتجبر السعودية وتركيا للتعاون مع النظام السوري، بعد أنّ كسرت القيود المفروضة عليها من حلفائهم. فهل كانت المعجزة الروسية قابلة للتحقق لولا توقيع الإتفاق النووي وصمود محور المقاومة؟

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق