التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

الثقافة التي نحتاجها 

ثقافة / الرأي

بون شاسع بين أن تكون مثقفا متفائلا، وبين أن تكون مثقفا متشائما، إذ لا مجال للمقارنة بين الطرفين، ولا أمل أو توقّع للتلاقي بينهما، فكلاهما يسير في مسار مضاد تماما للآخر، كونهما نتاج ثقافتين متناقضتين أيضا، فهناك ثقافة الأمل التي تسعى لإنتاج مثقف متفائل، ولدينا ثقافة اليأس التي تنتج بدورها المثقف اليائس أو المتشائم.
ما هي الثقافة التي تلائم العراقيين في المرحلة الراهنة؟ وهل هناك شعوب أو أمم تسعى لتكريس ثقافة اليأس؟ نبدأ بالإجابة عن الشطر الثاني بالقول: نعم هناك شعوب وأمم تجد ضالتها في نشر ثقافة التشاؤم، والغوص في بطون التأريخ، واعتماده مصدرا وحيدا لإنتاج حياة جامدة مكرورة متشابهة في أدق التفاصيل، لدرجة أن أي فرصة للتحديث غير واردة في مساعيها أو أهدافها، نظرا لاعتمادها ثقافة جامدة أو يائسة تخشى الجديد وتتحاشاه، بحجة الخوف من التذويب في الثقافات الوافدة، وما الى ذلك من تبريرات لا ترقى الى الحقيقة أو الواقع بشيء.
لذلك ثقافة من هذا النوع، لن تنتج سوى مثقفين فاشلين منطوين على أنفسهم، ليس لديهم القدرة على التأثير في حركة المجتمع، إلا اذا تعلق الأمر في المسار السلبي، على العكس تماما من ثقافة الأمل، وقدرتها الكبيرة على إنتاج مثقف فاعل حيوي (عضوي) حسب توصيف غرامشي، له القدرة على بلورة ثقافة جديدة معاصرة تنسّق حركة المجتمع وتسعى بوضوح الى تشذيبها من الأخطاء والعوائق.
أما عن طبيعة الثقافة التي تتوافق مع حاجة العراقيين في المرحلة الراهنة (مرحلة التغييرات شبه الشاملة)، فإنها حتما ثقافة ذات طابع مدني، تعمل على تكريس روح الأمل لدى الجميع، لسبب بسيط، أن الأمل يشكل دافعا مستديما للعمل والإنتاج الأفضل في معظم ميادين الحياة بشقيها المادي والفكري، وطالما أن العراقيين يسعون في المرحلة الراهنة الى بناء تجربة حياة جديدة، قوامها الحرية وتفعيل النظام السياسي الديمقراطي (حسب المعلن من السياسيين وغيرهم)، فإن العامل المساعد لتحقيق مثل هذا الهدف الكبير، هو ثقافة الأمل وما تفرزه من نتائج في المجالات الأخرى.
بطبيعة الحال لا يمكننا أن نتصور منظومة تعليم ناجحة تقوم على ثقافة تكرّس روح التشاؤم والنكوص والتراجع الى الوراء، كما أننا لا يمكن أن نتفق على أن ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يمكن أن تحقق درجة مقبولة من النجاح، ما لم تدعمها ثقافة متفاعلة، ينشط في رحابها مثقفون معاصرون متفاعلون آملون بما هو أفضل على الدوام، على العكس تماما مما تنتجه ثقافة تكريس الجمود والتحجر، والهروب من مقابلة الثقافات الأخرى، خوفا من التأثّر بها والاندماج في تفاصيلها، بحجة عدم توافقها مع أعرافنا وتقاليدنا وضوابطنا الأخرى، لأن الهروب من مواجهة الشيء (أيا كان نوعه أو طبيعته)، يعني تقريب المواجهة معه أكثر فأكثر، لهذا يقول الفلاسفة والمصلحون وأصحاب الفكر والتجارب، إذا أردت أن تتخلص من مخاطر مضادة عليك مواجهتها بالطريقة السليمة، وليس التهرّب من مواجهتها.
لذا نحن بأمسّ الحاجة الى نشر ثقافة الأمل، كونها السبيل الأسرع والأوحد لإنتاج المثقف المتفائل، القادر على بث روح الإقدام بين أفراد المجتمع بأقواله وأفكاره وأعماله، سيما أن العراقيين يعيشون فرصة تاريخية لتكريس ثقافة الأمل في المرحلة الراهنة، على الرغم من وجود المؤشرات السياسية الخطيرة التي تنعكس على حياة الأفراد، وتحاول أن تزرع في دواخلهم ونفوسهم بذور اليأس، لكن تبقى الثقافة والمثقفون في الصدارة، وتبقى ثقافة الأمل هي الهدف المنشود راهنا، على أن يعرف المثقفون جميعا، ويؤمنوا بأن دورهم يتضاعف في صنع وتكريس هذا النوع من الثقافة التي سترتفع بحياة العراقيين الى المدنية والمعاصرة.

                                              * علي حسين عبيد

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق