التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

الشعر على جسر {بزيبز } 

كتبنا مرة أن مناجم الحزن العراقي لا تنضب، وهاهي مناجم جديدة من المآسي، يتوجب على الإبداع المحلي التوغل في أعماقها، لاستخراج كنوز أدبية وفنية، عبرها يستطيع الانطلاق إلى رحاب العالمية، فتضاف هذه الكنوز إلى تراث الأدب الإنساني المقاوم للظلم والكراهية والاستعباد.

ما حصل على جسر “بزيبز”، حين فر أهالي الرمادي، من هجمة “الدواعش” على مدينتهم، يرومون العبور إلى ضفة الأمان. ماحصل يمكن أن يكون منجما تستخرج منه قصائد وقصص ومسرحيات ولوحات وأفلام، تديم حيوية الإبداع العراقي، وتؤشر مسؤوليته الأخلاقية إزاء ما يحدث.

هذا مدخل للحديث عن النص الثالث، الذي أشرنا إليه في مقالنا السبت الماضي، وأقصد ( على جسر “بزيبز”) للشاعر عبد الرزاق الربيعي، المنشور في صفحتنا، بتأريخ الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، النص يتفاعل بروح حية مع حدث كهذا، إدراكا من الشاعر أن نصوصياته تمارس معابرها الدلالية والجمالية، على الجسر ذاته. ولطالما كانت الجسور ملفا مكانيا مهما، في الأدب والفن. فهي محمولات تغيير، تعد من وظائف الأجناس الإبداعية عامة، عبر استنباط انتقال منتج الرسالة ومتلقيها إلى حال جديدة، نفسيا وجماليا، فالمتلقي يمارس إعادة إنتاج العبور الإبداعي هذا.

غالبية مقاطع القصيدة، تستثمر شعرية حالة العبور هذه، وكأنها تريد أن تقول انها حاضنة لكل نكبات هؤلاء العابرين، في كل مقطع هناك توصيف لحالة حراك، كأن تكون من ماض آمن نسبيا قبل لحظات، إلى حاضر مخيف متمثلا بالطفل الذي يتذكر ضحكته على سطح بيته، وكأنه يشد عزمه بهذه الضحكة، كي يقصم بها ظهر نكبته، وخسرانه البراءة واللعب والمرح، وهجران البيوت بوصفها أوطانا مصغرة للناس، ضمن الوطن الكبير، الذي لم يترجل يوما عن النكبات، بل هو في حالة عبور دائم من نكبة إلى أخرى: ( على جسر “بزيبز”/ هبطتْ دموعٌ عزيزةٌ/ تحت الأقدامِ

من جراحات الأيّام/ فبدتْ “أرض السواد” أكثر حمرة)

الشاعر يتنقل أيضا، في مقاطع قصيدته بين حالات جمعية وأخرى فردية، كي يرسل إلينا، نحن القراء، شمولية الحالة وجسامتها، بل إن التصوير الجمالي لهذه الحالة الشاملة، يتمثل في عبور الزمن: (على جسر “بزيبز”/نسي الليل مناوبته هناك). وكذلك المكان والغناء، عبور من حالة الاستقرارية التي تشير إلى أن كل ماهو كائن يعيش حالته السوية، إلى نقيضتها، حين فحت الأفاعي” الداعشية” خارجة عن مخابئها إلى جميع مطارح الحياة.

يطرح الشاعر تساؤلات عما جرى، كيف ولماذا… أبهذه السرعة الغريبة تجري تحولات رهيبة، وتفتح معابر لمآس لا تحصى؟!. وضمن استثماره لثيمة التحول، ينتقل الشاعر من حالة التساؤل إلى الإجابة عبر ألسنة عديدة، الموتى، الأب، إلام، الشيخ، السياسي، العاشق. استخدم الشاعر مقاماتهم للنطق بمقولاتهم إزاء ما يجري، مثلا، العاشق يغني: (على جسر …… سيبوني)، العاشق مزيج من الشجن والغناء، مع طرح شمولية المعابر، بجعل اسم الجسر مسكوتا عنه.

مع ما أسلفنا، فان النص يضخ جماليات تذكير، لأجل الإبقاء على ضراوة التحدي، ولأجل إدامة نصاعة اليقين، بأنهم حلقة جديدة سوداء لاغير. سيمضون والعراق باق.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق