التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مايو 10, 2024

هل سیسقط تحالف برلین واشنطن علی خلفیّة تجسس أمریکا علی المانیا؟ 

 كعادتها تظهر ايدي المخابرات الأمریکیة ممتدّة الى كل ما يمكن لها في هذا العالم، قضيّة التجسس الأمريكي على المجتمع والدّولة في المانيا باتت تشغل بال الألمانيين، وتظهر مدى الاستباحة الامريكيّة (القديمة- الجديدة) للحرمات، ولكن هذه المرّة في عقر دار حلفائها، ببرهان جديد ان أمریکا ليس لديها صديق مطلق، إنّما الكل أدوات تحت السّيطرة حتّى حين ينتهي دورهم، الاستهانة الأمريكيّة وصلت حتّى التنصت على الهاتف الخاص بالمستشارة الألمانيّة، فما اثر هذا النشاط الأمریکي في السّاحة الألمانيّة؟ وكيف سيتقبّل الشّعب الألماني الاستحقار الأمريكي لدولتهم بدءا بأعلى الهرم لديه؟ وهل اقتصرت المسألة على المانيا؟ وهل يغيّر الغضب مسار الاستباحة الأمريكيّة للأنظمة والحكومات والشّعوب الصّديقة لأمریکا؟

قصّة التجسس

تقوم المخابرات الالمانية منذ سنوات طويلة بمساعدة امريكا في التجسس على شركات وسياسيين اوروبيين من بينها الحكومة الفرنسية والمفوضية الاوروبية وبخصوص المانيا ذكرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية أن مسؤول الاستخبارات الاتحادي الألماني كان على علم بوجود محاولات لأنشطة تجسسية لأمریکا على بلاده منذ عام، وأسندت المجلة خبرها إلى وثيقة سرية للاستخبارات الألمانية تعود إلى عام ٢٠٠٥، تؤكد وجود معلومات قطعية عن محاولات لأمریکا القيام بأنشطة تجسسية في ألمانيا، وتشير الوثيقة المؤرخة يوم ٢٣ مارس/آذار ٢٠٠٥ إلى أن شركة أمریكية تنتج أنظمة أمنية مجهزة بالمكروفونات وكاميرات وأجهزة استشعار، حاولت دخول السوق الألمانية. وورد في الوثيقة أن الشركة الأمریكية المذكورة حاولت نصب منتجاتها في الشركات الألمانية المنافسة لنظيراتها الأمریكية في مجال السلاح والتقنية المتقدمة، وفي أماكن حساسة مثل الوزارات والمؤسسات الأمنية، كما ذكرت الوثيقة أن الشركة الأمریكية عرضت منتجاتها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، وبذلت جهوداً كبيرة لكسب وزارة الخارجية الألمانية كزبون لها، ولفتت المجلة إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات الألماني أوغست هانينغ في تلك الفترة، وجد أن تلك المحاولات الأمریكية مهمة، ولذلك تمت مناقشة الموضوع في اجتماع عقد عام ٢٠٠٥ في رئاسة الوزراء. ومن جهة أخرى كشفت وثائق صحيفة بيلد ان وكالة الامن القومي الامریكية تحاول باستمرار التجسس على هواتف وعناوين البريد الالكتروني لشركة ايرباص ويوروكوبرت المتخصصتين في الدفاع والفضاء، فضلا عن التجسس على شركات المانية بعلم المستشارة. كذلك قالت الصحيفة ان الاستخبارات ارسلت وثيقتين الى المستشارة أنغيلا ميركل في الفين وثمانية والفين وعشرة تبلغها بتجسس الامریكيين.

الاهتزاز الالماني

الموقف الألماني أمام هذه الانتهاكات الأمريكيّة كان مغتاظا جدّاً من أمریکا ومن المستشارة نفسها:

ففي الموقف الرّسمي، طالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر الالمانيين بالتحقيق مع مركل في لجنة التحقيق البرلمانية عن التجسس الامريكي وقد طلبت اللجنة من الحكومة تقديم لائحة المعلومات التي استفادت منها منظمة المخابرات الالمانية بالتعاون مع امريكا في التجسس، وقال قنستانتين فون نوتز من اعضاء الخضر: ان مكتب المستشارة اطال المسألة حتى تحولت الى فضيحة لمیركل وعليها ان تستجوب، كذلك كريستين فليسك العضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي قال: “هذه العملية المسماة بالاستشارات لا ينبغي ان تؤدي الى قتل الوقت، مكتب المستشارة يجب ان يتخذ قرارا مستقلا في هذا الموضوع. لا يهم كيف ينظر الامریكيون لهذا الامر مجلس النواب الالماني لا يسمح بأن تبقى لائحة المعلومات مخفية”، من جهته قال فيليب ميسفيلدر، الناطق باسم حزب ميركل، حزب المسيحيين الديمقراطيين، للشؤون الخارجية، مؤخرا إن فضيحة التجسس الأمريكية الأخيرة أعادت العلاقات بين برلين وواشنطن إلى اسوأ حالاتها منذ الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ .

وفي الموقف الشّعبي وجّه بعض الشّباب الألماني دعوة لاستقالة وزير الداخلية الألمانية توماس دى ميزير على خلفية فضيحة التجسس المتورطة فيها وكالة الاستخبارات الألمانية (بي إن دي) ووكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إيه). وقالت الناشطة يوهانا أوكرمان، في تصريحات لصحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية إن دى ميزير قام بتغطية عمليات التجسس التي قامت بها المخابرات الأجنبية بصفته كان يشغل منصب رئيس ديوان المستشارية. وشددت أوكرمان على ضرورة أن تتخذ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رد فعل على ذلك، وقالت: “لا يمكن الصبر على دى ميزير كوزير داخلية لمدة يوم واحد بعد ذلك عند مواجهته هذه الاتهامات”. وتشهد المانيا اعتراضات على سياسة الحكومة بهذا الخصوص.

التجسّس على اوروبا

ذكرت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية أن جهاز الاستخبارات الألماني، المتهم بالتعاون مع أمریکا للتجسس على قادة الاتحاد الأوروبي، “حذف ١٢ ألف طلب” تتعلق بمسؤولين أوروبيين، وحسب “دير شبيغل” فإن الطلبات تتعلق “بعدد من مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الفرنسية” فضلا عن موظفين في “مؤسسات تابعة للاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية”، وذكرت كل من صحيفة “سود دويتشه تسايتونج” وشبكة (إن.دى.أر) و(دبليو.دى.أر) الاذاعيتين، نقلا عن تحقيقات داخلية من قبل جهاز المخابرات ومكتب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، أنه تم استخدام محطة الرصد التابعة لـ”دائرة الاستخبارات الاتحادية الالمانية” في مدينة باد أيبلينج في ولاية بافاريا الجنوبية للتجسس على مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الفرنسية وقصر الاليزيه وكذلك المفوضية الأوروبية الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وقال المشرعون الالمان أن وكالة الامن القومي قد استخدمت “دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية للتجسس على شركة الفضاء والدفاع الأوروبية للملاحة الجوية وشركات “يوروكوبتر” للدفاع وتكنولوجيا الفضاء بالإضافة إلى وكالات فرنسية.

خاتمة المطاف

أمام هذه المعطيات والمطالبات لا تحرّك أمریکا ساكنا، لا بل تتجاهل الكلام والمطالب الأوروبية، وتمضي في مشاريعها التجسسيّة والعجيب انّ المانيا وفرنسا المستهدفتين والدولتين العظمتين ايضا، تصدران بعض التصاريح لتبرير الأمور امام شعبيهما في الوقت الذي لا يتّخذ اجراءات ذات أهميّة تجاه أمریکا، وإن كانت المستشارة الألمانيّة اصبحت قريبة من المحاكمة. في فرنسا ايضا الأمر لم يعد مجرّد تعدّيات استخباراتيّة انّما وضع له قانون خاص كذلك في كندا… التجسّس على الدّول والشّعوب بحجج من هنا وهناك مطلب لأمریکا والذي تلهث الدول الكبرى وراء تحقيقه سعيا لاسترضاء السيّد الأمريكي، حتما لهذا الأمر نهاية خصوصا امام شعب مثل الألمان الذين قاتلوا في حربين عالميّتين وانهزموا والآن أصبحوا دولة عظمى مرّةً أخرى، ولكن المحرّك لهذا الفعل هو الشّعور الذي يستيقظ في نفوس الأمم والشّعوب والذي ان ساق ميركل الى قاعة المحكمة فقد يسوق البلاد الى علاقة جديدة مع أمریکا؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق