التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مايو 9, 2024

معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النوویة بین الواقع والمأمول 

 في اطار معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية تجتمع الدّول العالميّة لبحث الملفّات النوويّة العالميّة وعلى رأسها انتشار السّلاح النووي والطّاقة الذرّية، وفي الوقت الذي يواجه المجتمعون عقبات كثيرة تعيق هذه الجهود، هناك تساؤلات عن مدى قوّة هذه المعاهدة وقدرتها على ممارسة وظيفتها في ظل النفوذ الأمريكي فيها، لا بل هناك مخاوف من اضمحلال دورها في ظل تسييس أنشطتها واستعمالها كورقة ضغط في بعض المشاريع السياسيّة في مناطق متفرّقة من العالم، فما هي المعاهدة وما هي ابرز تحدّياتها، وهل ستستطيع القيام بدورها في المستقبل؟

معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية

معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية NPT وتسمى أيضًا معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية هي معاهدة دولية، بدأ التوقيع عليها في عام ١٩٦٨ للحد من انتشار الأسلحة النووية التي تهدد السلام العالمي ومستقبل البشرية. وحتى الآن وقع على الاتفاقية ١٨٩ دولة. وتعاهدت الدول الموقعة على المعاهدة على عدم نقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى وعلى أن لا يقوموا بتطوير ترسانتهم من الأسلحة النووية، واتفقت هذه الدول على أن لا تستعمل السلاح النووي إلا إذا تعرضت إلى هجوم بواسطة الأسلحة النووية من قبل دولة أخرى. واتفقت الدول الموقعة أيضًا على تقليل نسبة ترسانتها من الأسلحة النووية، وتكريس قدراتها النووية لأغراض سلمية. وتبع هذه الاتّفاقيّة الكثير من الاتّفاقيّات التّابعة لها فیما بعد. ومنذ اجراء معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية، يقام مؤتمر مراجعة هذا الاتفاق كل ٥ اعوام بهدف تقييم اركانه الاصلية الثلاثة (منع انتشار الأسلحة النووية، نزع الاسلحة النووية، والاستفادة السلمية من الطاقة النووية ).

مؤتمر نيويورك الجاري

في الوقت الرّاهن تجتمع دول العالم في نيويورك في اطار معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية والآمال المعلّقة كبيرة، ولكن تصريحات بعض المسؤولين قد لا تشير الى فأل الخير هذا حیث قالت الممثلة العليا للأمم المتحدة لنزع الاسلحة انجيلا كين: “نراوح مكاننا على الطريق الذي يؤدي الى عالم بلا اسلحة نووية”، موضحة “أن الدول التي تمتلك (السلاح الذري) لا تحترم وعودها بخفض ترساناتها”. وقال دبلوماسي متخصص في هذا الملف: “إن التشنج الروسي الامريكي لا يبشر بالخير لاستئناف المفاوضات حول نزع الاسلحة بين موسكو وواشنطن المتوقفة منذ سنوات.. إنه أمر مقلق لمؤتمر المتابعة “.

اخفاقات المعاهدة حتّى الآن

– الملف النووي الإيراني: تفرض أمریکا والعالم الغربي عموما ومجلس الأمن عقوبات اقتصاديّة على الجمهوريّة الإسلاميّة منذ عقود على خلفيّة برنامجها النووي السّلمي والذي لم يثبت لأحد أي توجّهات عسكريّة فيه وإیران تعتبره من المحرّمات الدّينيّة (فتوى الإمام الخامنئي في تحريم السّلاح النووي) كما أن منظّمة دول عدم الانحياز التي تؤلّف نصف العالم باركت الملف النووي الإيراني واعتبرته لا يشكّل تهديدا للأمن الدّولي ولا زالت أمریکا رغم ذلك تسعى في المنتديات الدّوليّة لتأليب الرّأي العالمي على البرنامج واعتباره مهدّدا للأمن الدّولي، وفي المفاوضات الأخيرة ورغم تجاوب الجمهورية الاسلاميّة مع مطالب المجتمع الدّولي، لا زالت دول الغرب تستخدم العقوبات الاقتصاديّة للضّغط على الجمهوريّة في سبيل منعها من امتلاك القدرات النوويّة السّلميّة .  

– الملف النووي الإسرائيلي: يعتبر من أكبر القضايا النوويّة الشّائكة خصوصا وأن الكيان الاسرائيلي لم ينضم للمعاهدة ولكن تصر أمریکا على اهماله وعدم اظهاره للعلن. وكانت منظمة الامم المتحدة قد طالبت الكيان الاسرائيلي بالانضمام الى منظمة المعاهدة الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية “ان.بي.تي” وذلك بعد مطالبة ١٦١ دولة أعضاء في الامم المتحدة بهذا الأمر، کما انتقدت بلدان العالم تمرد الكيان الصهيوني المحتل على القوانين الدولية حيث يملك ترسانة نووية تضم أكثر من ٤٠٠ رأس نووي ويعتبر كيان تل ابيب الوحيد الذي يملك أسلحة نووية في الشرق الاوسط، فيما أعلنت أمریكا معارضتها لهذا الطلب. وكان الاعلان الختامي للمؤتمر السّابق في ٢٠١٠ ينص على عقد اجتماع في هلسنكي في ٢٠١٢ حول اقامة منطقة خالية من السلاح الذري في الشرق الاوسط، لكن الاجتماع لم يعقد. والكيان الذي يتكتّم على برنامجه ويحتل أراضٍ عربيّة لأكثر من دولة ويقوم بالحروب بشكل دوري تعتبره أمریكا محل دعم للسّلم الدّولي .

– النشاط النووي للدّول الكبرى: الاتّفاقيّة الدّوليّة وإن كانت قد أعطت الدول النووية الخمس الكبرى وضعية خاصة للاحتفاظ بالسلاح النووى، الا انّها قالت بوجوب تقليص الترسانات النووية لها. لكن على مستوى الواقع، فإن الدول النووية الكبرى، خاصة أمریكا وروسيا، لم تلتزم بتخفيض سلاحها النووى أو نزعه، بل سعت إلى الحفاظ على احتكارها النووى. بل أكثر من ذلك قامت أمریكا بتزويد دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي بما يصل إلى ١٨٠ سلاح نووي .

– بالاضافة الى وجود دولتين نوويتين ومقتدرتين خارج المعاهدة هما الهند والباكستان .

– والأمر الآخر هو نفس المعاهدة فحيث أنّها تنص على جواز تخصيب اليورانيوم للأغراض السّلميّة لم تضع قيدا لهذا التّخصيب فيمكن لأي دولة أن تخصّب حتى مستويات مرتفعة وعندها ستحوّله للاستخدام العسكري في وقت قصير جدّا .

ازدواجيّة المعايير

كل ما تقدّم ذکره يؤشّر الى اختلالات جوهريّة في عمل المنظّمة وتسلّط بعض القوى الدّوليّة عليها، ولا يخفى ذلك على من يقارن بين طريقة معالجة الملفّات. فالكيان الاسرائيلي هو صديق وحليف أمریکا وبالتالي لا يستغرب كونه خارج المعاهدة ويحتفظ بمئات الرؤوس النوويّة بل تأكّد استعماله حتّى لأسلحة تحتوي على اليورانيوم في حروبه خصوصا في لبنان. وفي المقابل ولأن الجمهوريّة الاسلاميّة لا تدور في الفلك الأمريكي كما كانت أيّام الشّاه تتكثّف الجهود والضّغوط والعقوبات على هذا البلد في محاولة ليس لحرمانه من الحقّ النووي السّلمي فحسب بل لتركيعه في الميدان الاقتصادي والسياسي والعسكري ولتفريغ قواه. إن ازدواجيّة المعايير في معالجة الملفّات النوويّة ليست تهمة سياسيّة موجّهة الى أمريكا إنّما واقع العمل في المنظّمة كذلك فإن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق صرّح بهذا الأمر سابقا .

أخيرا، أمام كل هذه الوقائع هل يرجى من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوويّة القيام بضمان أهدافها، إذا كانت هي كمنظّمة لا تمتلك حتّى قرارها، وما الجدوى من منظّمة تطالب فيها مثلا ١٦١ دولة بدخول الكيان الصّهيوني اليها وتمنع ذلك الطّلب دولة واحدة؟ فهل المعاهدة وجدت لرفع المخاطر العالميّة من السّلاح النووي أم لتصفية الحسابات السياسية؟ أم لرعاية ارهاب بعض الدّول؟ هذا الواقع الذي تناهضه الدّول العالميّة سيبقى كذلك طالما أن المنظّمات الدولية أدوات سياسية خارجية بيد بعض الدّول الكبرى، وما الجدوى إذا كان هناك معاهدة دوليّة للحد من انتشار الأسلحة النوويّة، ولكن توجد رعاية لمصالح نوويّة استكباريّة من داخلها؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق