التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, مايو 14, 2024

تطبيع العلاقات مع كوبا، نفاق أمريكي أهدافه تجارية 

 لم تكن أمريكا يوماً دولةً منصفةً بحق الدول الأخرى، بل تبني علاقاتها على أساس حسابات خاصة، ومصالح إقليمية ودولية. ولعل العلاقة الأمريكية بدول أمريكا اللاتينية كان محط خلافٍ بين الأطراف السياسية في واشنطن. فسياسة الرئيس الأمريكي الخارجية كانت وما زالت سبب الخلافات المستمرة بين الجمهوريين والديمقراطيين. ولعل ما جرى الحديث عنه في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بمحاولة أمريكا كسب ودِّ شعوب أمريكا اللاتينية، بالتحديد تطبيع أمريكا للعلاقات مع كوبا، هو أحد الأمثلة على ذلك. فماذا في العلاقة الأمريكية مع دول أمريكا اللاتينية عموماً وكوباً خصوصاً؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟

أولاً: في التوجهات الأمريكية الجديدة

في خطوة مهمة باتجاه تطبيع العلاقات مع هافانا، وافق الرئيس الامريكي باراك أوباما ليل أول من أمس على شطب كوبا من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وذلك بحسب تصريح صادر عن البيت الابيض. وكان أوباما قد قدم تقريراً الى الكونغرس أشار فيه الى نيته إلغاء إدراج كوبا على اللائحة المذكورة، لإزالة العائق الرئيسي على طريق عودة السفارتين في البلدين. مشيراً الى أن حكومة كوبا لم تقدِّم أي دعم للإرهاب العالمي خلال فترة الأشهر الستة الماضية. وتأتي هذه الخطوة بعد ثلاثة أيام من لقاء أوباما بنظيره الكوبي راوول كاسترو في قمة الأمريكيتين، في سابقة بين رئيسين كوبي وأمريكي منذ نصف قرن .

من جانبها رحبت كوبا بما أسمته “صوابية قرار رئيس أمريكا بشطب اسم كوبا عن اللائحة التي لم يكن أصلا من الواجب إدراجها عليها” على حد تعبير قسم الولايات المتحدة في وزارة الخارجية الكوبية في بيانٍ لها. وأشار البيان الى أن كوبا ترفض وتدين جميع الأعمال الإرهابية في كافة أشكالها ومظاهرها، وكذلك أي عمل يرمي الى تشجيع ودعم وتمويل أو تغطية أعمال إرهابية. في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين بارزين قولهم إن كوبا قدمت تأكيدات بأن الكوبيون لن يعودوا الى دعم أعمال الإرهاب في المستقبل، وأن التأكيدات التي قدمها الكوبيون واسعة النطاق وعلى مستوى عال .

ثانياً: ما هي القراءة التحليلية لهذا التغير في التوجه الأمريكي

إن أمريكا لا تقوم بالتراجع عن شيءٍ دون وجود مصلحةٍ لها في ذلك. وهذا ما يؤكده تاريخ السياسة الأمريكية الخارجية. فبرغم الخلافات الداخلية بين الديمقراطيين والجمهوريين، والذي أظهر حجمه الموقف من المفاوضات مع إيران، تظل أمريكا صاحبة مصالح ومنافع، تعمل على أساسها. وهنا يجب الإشارة الى التالي، لمعرفة حقيقة القرار الأمريكي :

إنه في حال أُزيلت كوبا بالفعل من قائمة داعمي “الإرهاب” الأمريكية، فسيُسمح لها بالتعامل مع النظام المصرفي الأمريكي أي التعامل بالدولار عموماً. وهذا الأمر الذي تسعى أمريكا له من خلال إعادة العلاقات مع كوبا. فالتعامل مع النظام المصرفي الأمريكي، سيمهد الطريق للتجارة بين البلدين. ولذلك نجد هذه النيات المبيتة موجودة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وهو ما رحب به حليف اوباما، السناتور ديك دوربان، قائلاً: “برغم أنني لست من المعجبين بنظام كاسترو، ولكنني لا أزال أعتقد أن انفتاح الجزيرة على الأفكار والتجارة الأمريكية هو أكثر السبل فاعلية لكي تصبح كوبا أكثر انفتاحاً وتسامحاً ” .

تحاول أمريكا إصلاح علاقتها الخارجية مع الدول التي صنفتها في الماضي على أنها راعية للإرهاب. وأمريكا التي تقدم نفسها دوماً على أنها الدولة الراعية لحقوق الإنسان، وتدعم الديمقراطية، لا تجد مشكلةً في العودة عن قرارها في حال اقتضت مصلحتها ذلك. وهو الأمر الذي حدث مع كوبا، حيث قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما التقى نظيره الكوبي راؤول كاسترو يوم السبت الماضي في أول محادثات بين البلدين منذ أكثر من ٥٠ عاماً، يسعى خلاله الرئيسان إلى تحسين العلاقات بعد عقود من العداء .

إن المضحك في الأمر هو أن الرئيس الأمريكي وصف المحادثات مع “كاسترو” بأنها “تاريخية” وقال إن البلدين بإمكانهما إنهاء عداء سنوات الحرب الباردة. لكنه قال أيضاً إنه سيواصل الضغط على كوبا لتحسين سجلها في حقوق الإنسان! وهنا تعود أمريكا لسياسة النفاق المستخدمة حيث تطرح نفسها كحكمٍ دولي يحاسب الجميع ويقيِّمهم. وأمريكا هي الدولة التي يثبت سجلها التاريخي، أنها أم الإرهاب في العالم.

لا شك أن السياسة الأمريكية وبالتحديد الخارجية منها، ليست بالشيء الجديد. لكن أمريكا لن تلقى كثيراً من الترحيب من خلال انفتاحها على دولٍ كانت قد نصبت العداء لها في الماضي، في وقتٍ تدرك فيه أمريكا أن شعوب هذه الدول لا تحترمها وتعرف حقيقة نفاقها الذي لطالما دفعت ثمنه. وبالتالي فإن التغير في الموقف الأمريكي لأسباب تجارية سيبقى رهن تجاوب شعوب هذه الدول، والأيام المقبلة ستحدد ذلك .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق