التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

كيف تتقن إيران قواعد لعبة الشطرنج السياسية إستدراج السعودية ودول الخليج الفارسي (الجزء الثاني) 

 قال بريجنسكي رداً على سؤالٍ حول تعريف الإستراتيجيا، إنها تعني “أن تعرف ما تريده، وتتعلم من دروس التاريخ الحقيقية”. ولعل بريجنسكي المستشار في الأمن القومي الأمريكي، والرجل الحاضر منذ كامب ديفيد حتى اليوم في السياسة الأمريكية، كان يتحدث عمَّا لم يتقنه العرب يوماً وكذلك دول الخليج الفارسي أيضاً. لكن من يرى المشهد السياسي اليوم، وتعاظم الدور الإيراني، يجد في السياسة الإيرانية تجسيداً لتلك المقولة. ونحن هنا لا نستشهد بكلام الرجل، للتأكيد على جدارة إيران الإستراتيجية، بل نشير لكلام رجلٍ عُرف بتجرده فنجح في عالم الاستشارات الإستراتيجية، ونحاول الاستفادة من كلامه في الدلالة على ما يمكن القول إنه أحد الأدلة الغربية، التي يمكن اعتبارها دليلاً في تقييم نجاحات إيران المتلاحقة. ولذلك ومن خلال الفهم العميق لما تحتاجه إدارة الأنظمة الإستراتيجية، يمكن القول وبتجرد إن إيران لم تنجح فقط في ما تريده، بل نجحت في بناء واقعٍ يحتضن إنجازاتها. وهنا يأتي الحديث عما حققه العرب ودول الخليج الفارسي بالتحديد، والسعودية حصراً .

إن الحديث عن السعودية كطرف مقابل لإيران لم ولن يكون في يوم من الأيام كلاماً منطقياً. فالعالم بأسره يشاهد اليوم كيف تجلس أمريكا مع إيران، رضوخاً عند الواقع الذي ألزمت به إيران الجميع، واعترافاً أمريكياً بأن اللاعب الإيراني، طرف قوي لا يمكن التغاضي عن دوره. فيما نجد أن السعودية لا تشكل بالنسبة لأمريكا إلا أداة تنفيذية، تعتمد عليها في تمويل الإرهاب العالمي، والقيام بحركات سياسية صبيانية، لا تجد أمريكا أنه من اللائق أن تقوم هي (أمريكا) بها. وهذا ما ينطبق على دول الخليج الفارسي الأخرى. ونحن حتى الآن لا نحلل الاحداث بل نصف المشهد. فقد نختلف في التحليل، لكن الواقع الذي يراه الجميع، هو ذاته، وإن كان هناك من وصل به النفاق السياسي الى حد أنه يتاجر حتى بما يراه من حقائق .

إذاً، إنه الواقع الذي يحتاج للكثير من الفهم العميق، لرؤيته وتحليله. فإيران اليوم، تجلس وفي مقابلها الطرف الأمريكي الراضخ. والذين يفقهون حقائق التاريخ السياسي يعرفون جيداً أنه ومن ناحية مفهوم القوة الواقعية للأطراف السياسية، فإن مجرد جلوس أمريكا للتفاوض هو بحد ذاته تنازل أمريكي. لأن الطرف الأمريكي الذي لا يمكن وبتجرد، نكران أنه كان حتى المدى الماضي القريب، عراب السياسات في المنطقة والعالم، لم يكن يستمع لأحد، بل كان يأمر الجميع. لذلك إن مجرد جلوس الأمريكي للاستماع، هو بحد ذاته اعتراف بالضعف الأمريكي، أمام إيران النووية .

وهنا تجدر الإشارة الى أن حفلة الجنون الخليجية التي تقودها السعودية اليوم، ليست بجديدة. بل الجديد فيها أن دول الخليج الفارسي، ودولاً أخرى منها العربية، وجدت نفسها من دون قناع النفاق السياسي المعتاد، بعد أن نجحت إيران في نزعه عن وجوههم. وبالتالي أعلنت السعودية ومن خلفها دولٌ أخرى، الحملة العسكرية على اليمن. والتي عبروا فيها عن أنهم لا يفقهون في السياسة سوى عرض العضلات الأحمق، والذي سيكتشف بسببه الجميع في المستقبل، أنهم أخطأوا ، وأنهم أحرقوا أنفسهم، باستخدامهم أسلوب الهمجية الإسرائيلية .

ومَن يستغرب العدوان السعودي العربي الأمريكي على اليمن، عليه أن يعيد حساباته. فالهجوم على أطراف قد تعارض سياسات دول الخليج الفارسي، وتتفق مع سياسات إيران في المنطقة، لا يختلف أبداً، بل يتطابق مع الوقوف على الحياد جراء العدوان الإسرائيلي، على لبنان وفلسطين وحركات المقاومة. وهذا ما اتصفت به السعودية ودول الخليج الفارسي في الماضي، واليوم انتقلت الى مرحلة التعبير عن حقدها التاريخي الدفين. وأثبتت للعالم أنها تقف الى جانب الكيان الإسرائيلي، ومنذ زمن، في كل شيء حتى في فكره الصهيوني المعتمد على سفك الدماء .

وهنا يأتي السؤال الأهم عما قد تتفق عليه مبادئ دول الخليج الفارسي والكيان الإسرائيلي؟ وقد يكون أهم ما يمكن الإشارة له، أن الطرفين أي الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي، أنظمة ظرفية المنشأ، طارئة الحضور. فرضت نفسها عبر ملء الفراغ الجغرافي ليس أكثر. وقد يكون الحديث عن أصل آل سعود الصهيوني، دليلاً يوضح مدى تطابق الطرفين نهجاً وكياناً. والدول الخليجية الأخرى التي تقوم على أساس الحكم الملكي، تدور كذلك في نفس الفلك الوجودي .

أما إيران اليوم فيميزها أنها ليست كهذه الدول من الأساس، فكراً أو كياناً. بل وبوضوح أكثر، فإن إيران اليوم التي يمكن إطلاق تسمية إيران الإمام الخميني(قدسره) عليها، تختلف عن إيران الشاه. ولذلك تعود إنجازات إيران التي تقطفها اليوم، الى التغيير الجذري الذي أوجده مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران. وبالتالي فإن جوهر الصراع الحاصل اليوم، يتخطى تسميات الدول، ليدخل في صراع بين الفكر العقائدي الأصلي لهذه الدول أو الكيانات .

وهنا نجد أن المعركة الحاصلة اليوم بين إيران وحركات المقاومة في العالم من جهة، وبين أمريكا والكيان الإسرائيلي وتوابعهم من الدول الخليجية والعربية من جهة أخرى، هي ترجمة للصراع الحقيقي، بين فكر الإمام الخميني الإسلامي الأصيل والجامع لفكر كافة الأديان من جهة، في مقابل فكر الصهيونية المناهض للأديان كافة. ولذلك فإن السعودية التي تقوم بالاعتداء على اليمن اليوم، نجدها تلعب في خانة الصهيونية العالمية. وما وجهها الذي يحمل الإسلام كظاهر، إلا قناع صنعته الصهيونية لها، لتكون قادرةً على لعب أدوار لا يمكن

لدول أخرى أن تلعبها. وبالتالي فلقد نجحت إيران في استدراج السعودية، لتنزع قناعها وتحارب بوجهها الحقيقي، وهو ما زاد السعودية جنوناً.

حتى الآن ما تزال السعودية منزلقةً في اليمن. والجميع ينتظر كيف ستبرر السعودية وخلفها كل الدول المشاركة في الاعتداء، بشاعة المجازر التي تحصل. فأين الأهداف العسكرية التي قد تكون السعودية تسعى لضربها، في الوقت الذي نرى فيه كل يوم، مجازر بحق مدنيين عزل؟ أوليس المشهد مشابهاً لما قام به العدو الإسرائيلي في الماضي بحق الشعوب العربية؟ هل وصلنا الى زمن أعلن فيه الجميع الحرب المفتوحة انطلاقاً من الأوجه الحقيقية للجميع؟ وهل تعرف السعودية وخلفها دول الخليج الفارسي أنها أخطأت في حربها على اليمن، وستمتد هذه الحرب لداخل الدول الخليجية، وستكون سبباً في إسقاط أنظمتهم؟ هل يمكن أن تقتنع الشعوب العربية بالحقيقة التي تتصف بها السعودية، والتي تتمثل بالإجرام الذي كان في الماضي عبارة عن إجرام بأيدٍ أخرى تكفيرية؟ ما علينا إلا أن ننتظر الأيام المقبلة لتجيب عن تساؤلات لا يعرف أجوبتها اليوم، إلا أصحاب الرؤية والبصيرة فقط .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق