التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, مايو 19, 2024

كيف انتصر العراق في تكريت، رغماً عن حقد أمريكا ودول الخليج الفارسي 

إنتصر العراق في معركة تكريت. هكذا يمكن وصف المشهد العراقي. فتدخل أمريكا عبر قوات التحالف ومحاولتها قطف إنجازات القوات العراقية لا سيما قوات الحشد الشعبي، لم تنجح. فبعد أن توقفت قوات الحشد الشعبي عن تنفيذ هجومها، لأسبابٍ أشرنا إليها سابقاً وتتعلق أساساً بعدم الثقة بالجانب الأمريكي، عادت هذه القوات لتشارك بالعملية بعد أن خضعت أمريكا لشرطها في وقف الضربات الجوية. فماذا في مجريات الشأن العراقي الأخيرة؟

رفعت القوات العراقية العلم الوطني العراقي في مدينة تكريت، بعد استعادتها من تنظيم داعش الإرهابي الذي احتلها منذ ٢٠١٤. وكانت استكملت القوات العراقية، مرتكزة على قوات الحشد الشعبي الهجوم الأخير أو ما يعرف بالمرحلة العسكرية الأخيرة للعملية. وجاءت عودة الحشد الشعبي بعد أن رضخت قوات التحالف وأمريكا لشرط الحشد، بتوقيف الضربات الجوية، والعمل ضمن إطار قواعد الميدان الموضوعة. وبالتالي فقد عادت أمريكا وتراجعت عن قراراها. وهنا يجب الإشارة الى التالي :

إن التراجع الأمريكي يعني أن أمريكا أدركت أن تدخلها لن يكون في صالح سير العملية. مما يهدد بخسارة الإنجازات المحققة. وهنا تخوفت أمريكا من سقوط رهانها الذي قد يؤدي الى ضرب هيبتها في العراق. وهي التي سارعت للتدخل ظناً منها أنها تستطيع إعادة صورتها البراقة، لتتفاجئ بواقعٍ مغايرٍ تماماً .

إن رضوخ أمريكا لشرط قوات الحشد الشعبي له دلالاتٌ لا بد من التوقف عندها. وهنا نشير الى أن أصل التدخل الأمريكي في المعركة كان لقطف الإنجاز وتبني الحسم العسكري. فأمريكا التي وجدت في سير العمليات العسكرية تقدماً نحو الانتصار في الميدان، تحسرت على كونها أعلنت منذ البداية عدم مشاركة التحالف في العملية. مما جعل الدور الاستشاري الإيراني، يملأ الفراغ بالكامل، ونجح هذا الدور في صنع الإنجازات على الأرض. وهو ما ترجمته قوات الحشد الشعبي التي استطاعت فرض نفسها على صعيد العراق ككل. فهذه القوات شكلت وبحسب التجربة، قوةً معنويةً للجيش العراقي، حيث كان وجودها في الميدان، يعطي القوات الأخرى ثقةً بنجاح العملية. ولذلك أدى التدخل الأمريكي وتوجيه ضرباتٍ جوية في تكريت، الى توقف العملية وتهديد نجاحها. مما استدعى من الأمريكي التوقف عند هذه الحدود، ومحاولة إخراج نفسه من هذا المنزلق الخطر، وعاد واستسلم لطلب قوات الحشد، وبالتالي للدور الإيراني من خلفه .

رسخت هذه العملية لدى العراق ثقته بنفسه كقوة قادرة على محاربة الإرهاب. وهنا يسجل لإيران إنجاز جديد في مجال دعم الدول والشعوب بما فيه مصلحتها. فيما ثبت على أمريكا أنها دولةٌ انتهازيةٌ بعيدة عن تحقيق مصلحة الشعوب، بل لا تؤمن إلا بمصالحها. فثقة الشعب العراقي بنفسه اليوم، وقدرته على القضاء على الإرهاب، هو من المشاهد التي يراها المواطن العراقي لأول مرة. فكل الأنظمة التي حكمت العراق كانت وعن قصد تساهم في ضرب الجيش العراقي وتحاول شرذمته. لكن إيران ومنذ دعمها خيار الشعب العراقي بتغيير الحكومة، حثَّت العراقيين على العمل معاً من أجل تحقيق وحدة بلادهم، وأرضهم. وهذا ما تمثل في دعم إيران للتغييرات في بنية الجيش العراقي، وإدخال العشائر فيه. وهو ما ترجمته وقائع المعارك مع الإرهاب، حيث وقف الجميع متكاتفين للقضاء على عدو العراقيين الموحد. وفي مقابل هذا الدور الإيراني، كان الدور الأمريكي والخليجي المعاكس. فأمريكا ومعها أدواتها دول الخليج الفارسي، وبالتحديد السعودية والى جانبهم تركيا، ساهمت في دعم الإرهاب في العراق وراهنت عليه. وعندما سقط رهانها، سارعت الى تبني مشروع القضاء على الإرهاب في العراق. لكنها غرقت في خيار كلفها الكثير من خسارة ماء الوجه، وبالتحديد عندما اصطدمت بالحجم الكبير للثقة العراقية بالطرف الإيراني. فوجدت نفسها محرجة أمام إنجازات إيران وصدقها من جهة، وأمام كيفية إخراج نفسها من خياراتٍ التزمت بها، ورهاناتٍ سقطت .

إنجازٌ جديد يضاف الى صالح اللاعب الإيراني. إنجازٌ يرسخ إيران، كدولةٍ تعرف كيف تبني سياساتها الخارجية وتساهم في الوقت ذاته في تحقيق مصالح الشعوب ورعايتها. ولا شك أن ميزة إيران، أنها تتمتع بقيادة حكيمة تعرف جيداً الاستفادة من دروس التاريخ السياسي، مما يخولها القدرة العالية على فهم الماضي، وقراءة الحاضر بطريقة صحيحة، والتخطيط للمستقبل انطلاقاً من الواقع العملي. فيما يعيش الآخرون على الأوهام، بعيدين كل البعد عن الحقيقة التي لا بد أن تتجلى يوماً. حقيقةٌ تقول إن الحق لا يحميه إلا المستضعفون في الأرض .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق