التحديث الاخير بتاريخ|السبت, مايو 18, 2024

“أربعينية الحسين”.. زيارة “كربلاء”: تأمين ناجح للحشود وترحاب وزحام 

تقرير / الصحفي المصري  إبراهيم رجب
“أربعينية الحسين” التي تصادف صباح اليوم السبت ، والتي بدأت في العراق في العاشر من شهر محرم ولمدة أربعين يوما إحياء لذكري استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب، شهدت تدفقا حاشدا علي مدينة كربلاء حيث “العتبات المقدسة” لدى الشيعة وسط إجراءات أمنية مشددة وجهود متطوعين عراقيين، وتنوعا في الزائرين من داخل العراق وخارجه من جنسيات وأعراق مختلفة.
  “بغداد” حالها قبل يومين من موعد الأربعينية يحاكي القاهرة في عيدي الفطر والأضحى هادئة، حيث خرج جزء من سكانها إلي كربلاء تخليدا لذكرى استشهاد الحسين، محلاتها مغلقة وخفت بشوارعها حركة السيارات التي تحولت الأجرة منها في اتجاه كربلاء لنقل الزائرين.. من شارع فلسطين حملتني سيارة مع إعلاميين عراقيين إلى كربلاء عبر منطقة “هور رجب” الريفية، والطريق السريع الذي اكتظ مدخله بالسيارات الذاهبة والعائدة من الزيارة، في ظل تخصيص جانب من الطريق للزائرين مشيا على الأقدام والآخر للسيارات في الاتجاهين، جاوز زمن رحلة الذهاب الخمس ساعات، مقارنة بساعة واحدة على الأكثر في الظروف العادية إلى المدينة التي تبعد 97 كليو مترا عن بغداد، خفف من زحام الطريق عذوبة صوت المنشد باسم الكربلائي التي تثير الشجن وتذكر بموقعة “الطف” – التي استشهد فيها الإمام الحسين – صادحا باللهجة العراقية “ماكو غير الجروح، اسمع كلمتي وروح الدنيا ما ترحم..أريد بموتتك يمة عتبة الدار، أواسي حسين حين إبطفله يحتار، أشوف الكربلة بعيونك آثار…أرحملك تموت ولا تنظر وضع زينب سبي ودماء ودواوين شماتة وحرة تتغرب، زينب تبكي واتنوح، اسمع كلمتي وروح الدنيا ما ترحم”.
  سلكنا طرقا عدة لتفادي الزحام لندخل مدينة كربلاء، ومع تسرب ضوء النهار بحلول الغروب أغلقت قوات الأمن طريقا مختصرا إلي كربلاء لدواع بدت أمنية فعدنا إلي الطريق السريع في اتجاه “الحلة”، ومررنا بحاجز أمني، يليه مباشرة مكان أعد لاستراحة زوار كربلاء، استقبلنا فتى بشوش رقيق الحال مرحبا ” يا هلا بالزوار، هلا بضيوف الحسين”، وقدم لنا القائمون على المكان وجبة ساخنة مع التمر العراقي والقهوة العربية والشاي على الطريقتين العراقية والإيرانية، المواكب على الطرق المؤدية إلى مرقد الحسين تعرض استضافة الزوار للصلاة والمبيت.
السدة الهندية وركوب”الستوتة”
  توجهنا إلى منطقة الهندية في محافظة بابل وسط العراق..عبرنا نهر الفرات عبر جسر “سدة الهندية” مشيا على الأقدام، وخضعنا للتفتيش في إحدى النقاط الأمنية المنتشرة على الطريق إلى كربلاء، صعدنا بعدها إلى مركبة تسير بموتور دراجة نارية ثلاثية العجلات يعلوها صندوق معدني تخصص لنقل مستلزمات الزراعة في الريف يطلق عليها العراقيون “ستوتة” لعبور الطريق الذي خصص للمشاة تحوطنا مزارع الفاكهة والنخيل، بعدها ركبنا سيارة ميكروباص أجرة أخذتنا لطريق التفافي غير ممهد تجنبا للزحام..دفء المشاعر الأخوية داخل السيارة وتجاذب أطراف الحديث وترحاب سكان المناطق السكنية التي مررنا بها خفف كثيرا من تعب الطريق بعد أن حل الليل.
  و”سدة الهندية” مشروع ري شهده العراق في زمن الدولة العثمانية العام 1914م، حيث استطاعت المنطقة الحفاظ على تدفق المياه بصورة منتظمة، وتعود التسمية إلى أواخر القرن الثامن عشر نسبة لرجل هندي من طائفة البهرة كان يزور مراقد العراق اسمه آصف الدولة، وكان ثريا لفت نظره افتقار مدينة النجف إلى المياه فمول حفر مجرى يأخذ المياه من نهر الفرات جنوب المسيب ولما تم شق الجدول أخذ مجراه بالتوسع وبمرور الزمن تحولت معظم مياه الفرات إليه.
  تنوع الزوار ما بين عراقيين يرتدون أزياء تقليدية للعشائر أوالكرد وملابس عامة الناس، وعجائز رجالا ونساء وشباب من الجنسين وأطفالا، إضافة إلى علماء دين من المرجعيات الشيعية، إلا أن الغالبية تتشح السواد يداعبه على استحياء ألوان الأحمر والأخضر والأبيض.
كربلاء مرقد الحسين
  “الحسين” رمز الفداء، المكي القرشي القادم من المدينة المنورة، حيث أنارت رسالة جده خاتم المرسلين محمد بن عبد الله (ص) العالمين، جاء إلى أرض العراق على سبيل الحق ثائرا ضد الظلم، كان رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب له القدوة في مواجهة الطامحين إلى ملك عضود بحد السيف..الشاب سيد شباب أهل الجنة الحسين – سر أبيه ، وقرة عين أمه “فاطمة” سيدة نساء أهل الجنة – كانت رسالته نصرة الحق حتى ولو كان فردا بلا أنصار، ارتقى عطشانا غريبا لم يستوحش طريق الحق رغم قلة سالكيه في موقعة “الطف”.
 على مشارف مدينة كربلاء يعود الزحام، يسلك الزوار الطريق مشيا إلى مدخل المدينة التي تحيطها بساتين كثيفة يسقيها ماء الفرات، ويؤدي إليها طريق يربطها بالعاصمة بغداد مرورا بمدينة المسيب وطولها 97 كم، وطريق آخر يصلها بمدينة النجف.
  تتعدد جنسيات وأعراق الزائرين من المسلمين الشيعة من العرب والفرس وغيرهم: من لبنان والبحرين والكويت وسوريا والهند وباكستان، إلا أن حضور الإيرانيين غالب على المشهد بعد العراقيين، وخلال التجوال في كربلاء وداخل حرم “العتبات المقدسة” ترى الإيرانيين زوار وعمالا.
  ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” عن المتحدث باسم حكومة طهران محمد باقر نوبخت قوله” إن إيران صادقت على ربط خطوط السكك الحديدية الإيرانية بالخطوط العراقية لتسهيل نقل مواطنيها إلي “العتبات المقدسة” في العراق.. فيما قال نائب محافظ كربلاء االعراقي علي الميالي، ” إن حكومة كربلاء المحلية استقبلت 2000 عامل إيراني، مشيرا إلى أنه وفقا لمذكرة التفاهم تقوم بلدية قزوين بإرسال آليات مع كوادرها العاملة”.
  إجراءات أمنية مشددة اتخذتها الحكومة العراقية يدعمها متطوعون على الطرق المؤدية إلي كربلاء وداخلها وفي محيط “العتبات المقدسة” وفي قلبها.. ومع انتصاف الليل وارتفاع درجة البرودة توجه من أتم الزيارة للفنادق أومواكب المبيت المجانية المزودة ببطانيات يخصص جزء منها للنساء مع توفير دورات مياه مؤقتة “كرفانات”، أو يغادر عائدا من حيث أتي..كما خصصت وزارة النقل العراقية حافلات نقل جماعي ذات طابقين للمغادرين.. إضافة إلى الحافلات الخاصة وسيارات الأجرة، إلا أن الزحام الشديد والأعداد الكبيرة التي قصدت كربلاء التي تعاني من مشكلات في البنية التحتية خلف مشكلات لوجستية ظهرت جلية بعد خروجنا من كربلاء بعد السير علي الأقدام لخمسة كيلومترات قبل الفجر وصولا إلى جراج الحافلات العامة والتي نزل جزء من ركابها لاستقلال قطار، شكا عراقيون من قلة عدد رحلاته وطول زمنها..إلا أن الأزمة بدأت مع وصول الحافلات العامة لمنطقة وسيطة مع بغداد دون بلوغ “المسيب” ،ولم نجد سيارات أو حافلات خاصة أو عامة فنقلتنا شاحنات البضائع العامة مكشوفة السقف رغم البرد القارس، واضطر الزوار لركوبها بمن فيهم النساء والأطفال والعجائز لتخرجهم إلى حيث توجد سيارات الأجرة التي منعت من دخول محيط كربلاء إلا بعد زوال حظر التجوال في الخامسة صباحا.
  وطالبت المرجعية الدينية في كربلاء بالتخطيط لزيارة الأربعينية العام القادم بشكل أفضل، وقال ممثل المرجعية الدينية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي – في خطبة صلاة الجمعة من الصحن الحسيني – ” لابد من الاهتمام بالزائرين واستيعابهم ووضع خطط علمية مدروسة مع تزايدهم من خارج العراق، حيث ذكرت بعض الجهات أن الوافدين من خارج البلاد بلغوا مليوني زائر، وكان العدد قبل سنة 790 ألف زائر”.
  وأضاف “المطلوب من الجهات المختصة وضع خطط شاملة تعتمد المعايير العلمية بعيدا عن الفوضوية، وتقديم المساعدات للزائرين في المنافذ الحدودية والاهتمام أكثر من ذي قبل، حيث لم تعد تستوعب كربلاء هذه الأعداد الهائلة”.
  من جهتها ذكرت وزارة الدفاع العراقية، في بيان صحفي أمس، أن تنظيم (داعش) الإرهابي، حاول تعكير صفو الزيارة المليونية لأربعينية الحسين بشتى الوسائل لكن الفشل الذريع كان مصير اختراق الأطواق الأمنية، لذلك لجأت مجموعات داعش إلى إطلاق صواريخ كاتيوشا من خارج حدود محافظة كربلاء الغربية، حيث سقطت على بيوت مواطنين خارج مركز المحافظة؛ ما أدى إلى استشهاد مواطن واحد وجرح أربعة آخرين.
  ومن جانبه أشار الناطق باسم عمليات بغداد الدكتور سعد معن إن قوات من الفرقة 17 تمكنت من ضبط سيارة مفخخة في ناحية اللطيفية جنوبي العاصمة بغداد، وقامت بتفجيرها، دون خسائر تذكر.
طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق