التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, أبريل 28, 2024

أوكرانيا .. أختبار لقدرة الغرب وروسيا على الفعل السياسي .. 

 

الدكتور حسن عبد ربه المصري *

أستدعت أحداث أوكرانيا إلى الفكر السياسي أحداث قريبة الشبه وقعت في جورجيا قبل أربع سنوات ، فرضت من خلالها روسيا رؤيتها لكيفة حل الأزمة ، برغم إختلافات عدة بين طبيعة المشكلتين خاصة ” الزمن ” الذي يأخذ في اعتباره ملفات شائكة بين الطرفين تتوزع هنا وهناك وتعكس أجواء يصفها البعض بالحرب البادرة ويراها آخرون غير ذلك.. 

بين .. إتهام الغرب لروسيا بالتدخل في شأن أوكرانيا بما يتعارض مع القانون الدولي ، و تأكيد موسكو أن ما يجري في هذا البلد يُعد تهديدا لحياة سكانه الناطقين باللغة الروسية ومصالحهم القومية .. وإدعاء روسيا أنها تسعى لحماية حقوق الانسان في البلد ككل بعد أن تقدم الرئيس الأوكراني المعزول  فيتكور يانوكوفيتش بطلب رسمي لها لكي تتدخل لـ ” حماية المدنين ” ، وتحذير الرئيس الأمريكي لنظيره الروسي من مخاطر غزو بلاده لدولة مستقلة .. تتصاعد مراحل النزاع دون ان يبدو في الأفق ما يشير إلى توافق روسيا من ناحية والغرب من ناحية أخري على إمكانية التوصل إلى حل سياسي ” للمشكلة الأوكرانية ” قبل ان ينضم ملفها إلى طابور المشاكل المستعصية ” سلمياً ” على مستوى العالم ..

نقول ذلك لأن الفرقاء على الجانبين ليسوا على كلمة سواء على مستوى الحل السياسي ..

روسيا وقادة التغيير في أوكرانيا ..

وصفت روسيا ما جرى منذ العشرين من الشهر الماضي في أوكرانيا بأنه إنقلاب على السلطة الشرعية للبلاد ، ونعتت الذين قاموا به بأنهم فاشيون وضد المصالح القومية للبلاد ورفضت أن تعترف ثنائيا بما قاموا به .. وكنتيجة مباشرة لذلك حصل بوتين على تفويض من البرلمان في الأول من مارس بإستخدام القوة العسكرية لحماية المواطنين الروس في أوكرانيا مما قد يتعرضون له من ” إرهاب وتصفية ” ، فكان أن أمر بحشد 150 الف جندي على حدود بلاده مع أوكرانيا في اشارة منه للعناصر العسكرية المحلية في شرقها لكي تحتل المناطق الحساسة في جزيرة القرم التي يتمركز فيها الأسطول البحري الروسي بعد أن بعث إلى مطارها الرئيس بـ 17 طائرة مقاتلة ، مما شجع قائد سلاح البحرية الأوكرانية ان يعلن ولاءه لموسكو الأمر الذي قوبل بالإستهجان من جانب السلطة الوليدة في كييف ..

الحكومة الأوكرانية الجديدة ..

أكد الرئيس الأوكراني الجديد الكسندر توتشينوف أنه ونظام الحكم الجديد يسعيان لـ ” إيجاد حل سملي للأزمة ” وبالرغم من ذلك وضع القوات المسلحة في حالة تعبئة قصوى ، وأعلن إستدعاء قوات الإحتياط العسكري لضمان سلامة البلاد وأمنها ، أما رئيس وزرائه فسارع إلى انكار حق روسيا في التدخل في الشأن الداخلي لبلاده ، وأكد أن تهديداتها العسكرية تعني الرغبة في شن حرب على ” دولة جارة لها وصديقة لشعبها ”  لأن ما جرى على لسان قادة موسكو لا يُعد محاولة خشنة من أجل التهدئة الداخلية بل ” إنذار أحمر بالحرب ” ..

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ..

أدان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إتصال هاتفي مع الرئيس الروسي بوتين – 2 مارس – لمدة 90دقيقة الحشد العسكري على حدود أوكرانيا ودخول قوات روسية إلى جزيرة القرم ، ونبه أن موسكو تقف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ ، وقال له أن إستمرار هذه العمليات التي تهدد السلم والأمن الدوليين ستحمل روسيا تكاليف باهظة ” ما لم تغير مسارها العسكري حيال الأزمة في أكرانيا ” لأن ما أقدمت عليه من خطوات حتى الآن ” يدخل في باب انتهاك   أراضيها وسيادتها ويعد وفق القانون الدولي ” تصعيد خطير للأزمة ” ..

هذا بينما تناقلت عدد من التقارير الأمنية الأوروبية يومي الأحد والإثنين الماضيين ( 2 و 3 مارس ) أن البارجتين العسكريتين يو . اس . اس . تايلور و يو . اس . اس . ماونت ويتني – من وحدات الأسطول السادس الأمريكي المتمركز في البحر المتوسط – توجهتا إلى المنطقة الغربية من البحر الأسود لرصد ومتابعة التحركات العسكرية الروسية ، بعد أن كانتا تشاركان القوات الروسية في إجراءات حماية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدنية سوتشي منذ بضعة أيام !! ..

من جهة اخرى أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن كل الخيارات مطروحة أمام الدول الغربية على الطاولة لفرض عقوبات إقتصادية ضد روسيا إلى جانب حظر السفر إليها ” لأنها قامت بعمل عدواني لا يُصدق ” .. وشدد أن على موسكو أن تفهم جيدا ” أننا جادون للغاية ”  ..

هذا بينما إنتهز عضو الكونجرس الامريكي جون ماكين الفرصة – كعادته دائماً – لكي يصف الرئيس الامريكي بأنه ” يفتقد إلى حس القيادة ” لمواجهة التحرك الروسي ” الوقح ” غير المقبول على مستوى العالم ، وأكد ان الأزمة الأوكرانية هي نتاج طبيعي ” لسياسة أمريكية خارجية لم يعد أحد يحترمها أو يضعها في اعتباره ” .. 

على مستوى الدول الغربية الحليفة لأمريكا ، فيمكن القول ..

أن رئيس الوزراء البريطاني حذا حذو واشنطن خلال حديثه مساء 2 مارس مع الرئيس بوتين مؤكداً على ان تصرف موسكو غير مقبول .. وأكد الحاجة الملحة لتهدئة الأوضاع عن طريق الحوار والعمل السياسي مع حكومة أوكرانيا الجديدة ” للتوصل إلى صيغة توافقية لتقنين الأوضاع على الأرض ” .. أو عن طريق الرقابة الدولية أو الوساطة الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة أو منظمة الأمن والتعاون الأوربي ” ..

أما وزير خارجيته وليم هيج فحذر من كييف بقوة من ” العواقب الوخيمة والتكلفة الباهظة ” التى ستتحملها روسيا بسبب تدخلها السافر في أوكرانيا ” على المستويين السياسي والإقتصادي ، وذلك بعد لقائه الأول مع السلطات الجديدة فيها ، مؤكداً أنه يتعارض مع قيم التعامل مع الشئون الداخلية للدول ” كما توافق عليها العالم في العقد الأول والثاني من القرن 21 ” ..

وأعلنت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكندا إنسحابها من جلسات التحضير لقمة مجموعة الثمانية ( الدول الصناعية السبع الكبار + روسيا) والتي كان من المفترض أنها ستجتمع قريباً في مدينة سوتشي الروسية ..

على نفس النسق ، هدد الإتحاد الأوربي بعد إنتهاء إجتماع وزراء خارجيته الطارئ في بروكسل ( 3 مارس ) بإعادة النظر في علاقاته مع روسيا ” إن لم تعمل مع الأخرين على نزع فتيل الأزمة ” .. وأكد أن كاثرين أشتون ستعمل على شرح موقف الاتحاد مع وزير خارجية روسيا عندما تلتقيه في مدريد ( الثلاثاء 4 مارس ) قبل أن تتوجه إلى كييف ..

هذا بينما دعا حلف شمال الأطلنطي موسكو و كييف إلى ضرورة التوصل إلى ” حل سلمي للأزمة المستحكمة بينهما عن طريق الحوار ” ونصح أندرس فوج راسموسن أمينه العام الطرفين إلى الاستعانة بـ ” مراقبين دولين ” لضبط حدودهما المشتركة ..

وربما شجعت تلك الدعوة وما صحبها من نصيحة ، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للخروج إلى حد ما عن الإنطواء الأوروبي تحت مظلة واشنطن ، حيث نقل عنها أنها أكدت أن الفرصة لم تنقض بعد ” لأجل التوصل مع موسكو إلى حل سياسي لأزمة أوكرانيا ، ورفضت أن تنظر إلى الحشود العسكرية الروسية من زاوية أنها تُهدد بشن حرب .. ووعدت بأن تبذل ألمانيا ما في طاقتها ” لوضع نهاية سلمية لهذه الأزمة عن طريق إفساح الطريق للتفاهم الجاد بين روسيا والسلطة الجديدة في كييف من ناحية ، وبينها وبين الغرب من ناحية أخري ” .. 

ثم ..

ذهبوا جميعاً إلى مجلس الامن الدولي وهم يعلمون أنه لن يجدي نفعاً ..

روسيا سارعت بدعوته إلى الانعقاد لكي ..

أ – تسجل أنها لا تهدف للتدخل العسكري وتسعي إلى الحل السلمي القائم على تنفيذ الإتفاق الذي توصلت إليه المعارضة ” الإنقلابية ” مع النظام الشرعي بتوثيق من الإتحاد الأوربي قبل أن تنقلب عليه يوم 22فبراير ، والذي يقضي بضرورة تنفيذ حزمة من التعدلات السياسية والدستورية + إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ..

ب – وأنها ” إذا ” تدخلت في الأمر فسيكون بناء على طلب ” بخط اليد تقدم به رئيس الجمهورية الشرعي ” ..

أما الدول الأوربية الثالثة اميركا وبريطانيا وفرنسا ، فشاركت في النقاش لكي ..

أ – تسجل أن الوضع الجديد في اوكرانيا نتج عن ثورة شعبية ضد حكم غير ديموقراطي ، وأنه ليس انقلاب على السلطة الشرعية ..

ب – تؤكد حرص المجتمع الدولي على تحفيز طريق الحل السلمي ..

فهل تشهد الأيام القليلة القادمة ، تقدما في مسار العمل السياسي الذي يسعى إليه الطرفان ؟؟ أم ينفلت الامر في كييف وفي القرم وينقلب الهدوء النسبي إلى حرب أهلية تستثمرها القوى العالمية الكبرى – كل من زاوية مصلحته الخاصة – في تنحية الحل السلمي جانباً كما فعلت في ملفات أخرى ؟؟ ..

وأن غداً لناظره قريب ..

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق