التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أبريل 27, 2024

زيادة القواعد العسكرية.. استراتيجية تركية للتغلغل في القارة السمراء 

خلال القرون الماضية كان لتركيا حضور قوي في منطقة شمال أفريقيا (مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب) والقرن الأفريقي (السودان وإريتريا والصومال) في ظل الإمبراطورية العثمانية وكان معظم تلك البلدان الأفريقية تشكل جزءاً من هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف التي كان لديها الكثير من العلاقات السياسية والتجارية الجيدة والممتازة مع العديد من بلدان العالم. ولكن ومع مرور الزمن انخفض مستوى النفوذ العثماني في هذه القارة السمراء ووصل الحد إلى أنه لم يتبقى لتلك الإمبراطورية العثمانية أي وجود في هذه القارة وذلك بسبب توسع نفوذ القوى الاستعمارية الأوروبية في هذه القارة. وقبل عقد من الزمان عادت هذه القارة السمراء مجددا إلى الواجهة التركية، ففي عام 2008، اجتمع الزعماء الأفارقة مع نظرائهم الأتراك في قمة “التعاون والشراكة من أجل آفاق مشتركة”، واتفقوا على تحسين علاقاتهم السياسية والتجارية وبهذا اصبح لهذه القارة السمراء مكانة مهمة في السياسة الخارجية لتركيا.

إن قيام الحكومة التركية بإنشاء قواعد عسكرية لها في الصومال والسودان يؤكد بأن تركيا تنتهج سياسة جديدة لتوسيع نفوذها ونشر الفكر العثماني الجديد في أفريقيا. ولهذا فنحن في هذا التقرير، سنحاول الإجابة على هذا السؤال الذي يدور حول، ما هي غاية وأهداف تركيا من توسيع قواعدها العسكرية في أفريقيا؟ وما هي العواقب والنتائج المترتبة على هذا التوسع التركي؟ ومن هذا المنظور، سنلقي نظرة سريعة على مكانة قارة أفريقيا في السياسة الخارجية لتركيا.

1- مكانة القارة الأفريقية في السياسة الخارجية التركية

لقد أزاحت زيارة الرئيس التركي “أردوغان” إلى ثلاث دول أفريقية خلال الفترة السابقة، الستار عن المكانة الخاصة لهذه القارة السمراء في السياسة الخارجية التركية. فمنذ عام 2008 بدأت الحكومة التركية بانتهاج سياسة الباب المفتوح تجاه الدول الأفريقية وسعت إلى إقامة الكثير من العلاقات التجارية والسياسية والتعليمية مع هذا الدول الفقيرة ومع مرور الوقت اصبح لتركيا مكانة مميزة هناك وخلال الفترة ما بين عامي 2011 و 2015 اصبح للحكومة التركية الكثير من السفارات والقنصليات الدبلوماسية في الكثير من هذه الدول الأفريقية وهذا الشيء كان سبباً في توسع النفوذ التركي في تلك المناطق.

2 ) القواعد العسكرية التركية في أفريقيا

بعد الهزيمة التي منيت بها الخطط والمؤامرات التركية التي كانت تسعى إلى إشعال الكثير من الأزمات والصرعات في منطقة الشرق الأوسط وبعد ضعف المواقف التركية على الساحة الإقليمية والدولية، بسبب فشل سياسات تركيا السابقة تجاه دولتي العراق وسوريا، ايقن الرئيس التركي “اردوغان” بأنه بحاجة إلى التفكير بجد لمعالجة هذا الوضع ولهذا عملت الحكومة التركية على توسيع نفوذها والتعمق اكثر في القارة السمراء لكسب المزيد من الدعم والنفوذ على الساحة الإقليمية والدولية والخروج من جميع تلك الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها الحكومة التركية في السابق ونظرا للأهمية والمصداقية التي تتمتع بها هذه القارة الأفريقية وامتلاكها الكثير من المقومات الجيوسياسية والاقتصادية، فإن الوجود العسكري التركي في هذه المنطقة سيخدم الحكومة التركية في الحصول على الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية.

۱-۲ ) القاعدة العسكرية التركية في العاصمة الصومالية

تعتبر القاعدة العسكرية التركية في العاصمة الصومالية “مقديشو” أول قاعدة عسكرية لها في إفريقيا، وتقع على بعد كيلومترين جنوب العاصمة “مقديشو” وتبلغ مساحتها نحو 400 هكتار، وتضم ثلاثة مرافق مختلفة للتدريب، إضافة إلى مخازن للأسلحة والذخيرة، وتبلغ تكلفتها المالية 50 مليون دولار تقريبًا وللصومال مكانة خاصة في السياسات الاستراتيجية للبلدان الكبرى بسبب امتلاكها لحدود ساحلية مع خليج عدن والمحيط الهندي ومضيق “باب المندب” اليمني الاستراتيجي الذي يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر. ولقد أُنشئت هذه القاعدة العسكرية التركية في “مقديشو” بموجب اتفاقية عسكرية تم إبرامها بين البلدين في ديسمبر/كانون الأول 2012، تعهدت تركيا من خلالها بالمشاركة في إعادة تأهيل الجيش الصومالي. ولا شك في أن القاعدة العسكرية التركية التي تم افتتاحها في “مقديشو”، ستمنح تركيا امتيازات كبيرة على خليج عدن الاستراتيجي، كما ستكون محطة لتوسيع النفوذ التركي في القارة الإفريقية.

۲-۲- القاعدة العسكرية التركية في جزيرة “سواكن” السودانية

لقد استخدمت الدولة العثمانية جزيرة “سواكن” في الماضي كمركز لقواتها البحرية في البحر الأحمر وضمت هذه الجزيرة مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي ١٨٢١ و١٨٨٥ وكانت “سواكن” سابقاً ميناء السودان الرئيسي قبل أن ينقل الاستعمار البريطاني في عام ١٩١٠ الميناء إلى “بورتسودان” وتقع هذه الجزيرة التي اتفقت “الخرطوم” و”أنقرة” مؤخراً على أن تتولى تركيا إدارتها وبناء قاعدة عسكرية فيها، شمال شرق البلاد على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي على ارتفاع 66 متر فوق سطح البحر وتبعد هذه الجزيرة عن العاصمة الخرطوم بنحو 642 كيلومتر، وعن مدينة “بورتسودان” 54 كيلومتر، وتقدر مساحتها بـ20 كلم مربع.

وفي سياق متصل أكد اللواء “سمير فرج” مدير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة الأسبق، بأن قرار الرئيس السوداني عمر البشير بمنح جزيرة “سواكن” السودانية لتركيا، سيغير الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة وخاصة في منطقة البحر الأحمر واردف قائلا: ” أن تلك الجزيرة كانت في عام 1629 قاعدة عسكرية تركية وانطلقت منها الحملة العثمانية إلى اليمن، فهي بمثابة موضع قدم لتركيا لتنفيذ عمليات لوجستية في منطقة الشرق الأوسط”.

من جهته حمّل رئيس حزب “مؤتمر البجا” السوداني المعارض “عثمان باونين”، الحكومة المركزية في الخرطوم المسؤولية الكاملة حال تنفيذ الاتفاقية مع الجانب آلتركي، حيث قال: ” إذا قامت الحكومة السودانية بتنفيذ هذه الاتفاقية وسلمت ميناء “سواكن” أو سمحت بإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر للمستعمر آلتركي بحجة الاستثمار لتنفيذ مخططاتها لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، فإننا سنقوم بتصعيد قضية “سواكن” دوليا عبر الإعلام والطرق القانونية”.

3- أهداف تركيا من نشر قواعدها العسكرية في قارة أفريقيا

يمكن تقسيم الأهداف التركية فيما يخص سعيها إلى زيادة عدد قواعدها العسكرية ونشرها في أفريقيا إلى ثلاثة محاور رئيسية ” تاريخية واقتصادية واستراتيجية”. فمن الناحية التاريخية، لقد كان هنالك تواجد قوي للإمبراطورية العثمانية في بلدان شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، وكان لها العديد من القواعد العسكرية في هذه القارة السمراء ولاسيما في جزيرة “سواكن” السودانية، التي وفرت الأمن للحجاج الأفارقة وللتجارة في البحر الأحمر ولكن هذا الوضع لم يستمر للامبراطورية العثمانية وذلك بسبب توسع نفوذ القوى الاستعمارية الأوروبية في أفريقيا.

ومن الناحية الاقتصادية، يعد النمو الاقتصادي لتركيا وتطورها في الكثير من المجالات الصناعية وزيادة صادراتها هو السبب الثاني الذي اجبر تركيا على توسيع نفوذها في أفريقيا. ففي عام 2001 كانت تركيا تصدر بضائع بقيمة 1.5 مليار دولار إلى الدول الأفريقية ولكن هذا الرقم ارتفع ووصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار وفي السياق نفسه زادت واردات تركيا من هذه البلدان الأفريقية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. لقد أصبحت تلك الدول الأفريقية من اهم الموردين الرئيسيين للمواد الأولية لتركيا ومن اهم الأسواق الاستهلاكية لمنتجاتها ولقد أدت هذه السياسة الاقتصادية التركية إلى جعل تركيا من أهم الشركاء الاقتصاديين لمعظم هذه الدول الأفريقية وهنا يمكن القول بأن الصومال أصبحت بوابة السلع التركية التي تدخل إلى أسواق جنوب أفريقيا والسودان أصبحت بوابة البضائع التركية التي تدخل إلى أسواق أفريقيا الوسطى.

ولكن من وجهة نظر العديد من الخبراء السياسيين، تعد الأهداف الاستراتيجية هي السبب الرئيسي في توسيع تركيا لنفوذها والتواجد بشكلٍ جدي في قارة أفريقيا وذلك لأنها تريد أن تنشأ محور جديد في البحر الأحمر ضد المحور السعودي،. ففي وقتنا الحالي يوجد محوران في هذه المنطقة، المحور الأول يشمل السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والنظام الصهيوني، أما المحور الثاني فيشمل روسيا وتركيا وقطر والسودان وهذا الأمر هو ما دعاء القادة الأتراك إلى التفكير بإنشاء قواعد عسكرية لهم والتواجد في القرن الأفريقي وسواحل البحر الأحمر. إن للتمركز والتواجد على مسير الطرق التجارية لأوروبا وأفريقيا واسيا، تأثير كبير على التطورات والأحداث السياسية في مصر والسعودية، وهذا الأمر يعد السبب الاستراتيجي لحضور تركيا العسكري في تلك المنطقة.

4- النتائج والعواقب المترتبة عن توسع وانتشار القواعد العسكرية التركية في أفريقيا

يمكن أن يترتب على ذلك التواجد التركي في أفريقيا وتوسيع قواعدها العسكرية، عواقب وآثار لمنطقة الشرق الأوسط في المستقبل وذلك لأن التواجد العسكري لبعص الدول مثل السعودية وفرنسا والإمارات في منطقة الشرق الأوسط، قد تسبب بخلق حالة من عدم الاستقرار وتأزم للأوضاع الأمنية في هذه المنطقة. الجدير بالذكر هنا أن قطر، بوصفها حليفاً استراتيجياً لتركيا في منطقة غرب آسيا، تحاول استغلال توسع النفوذ التركي في البحر الأحمر لصالحها. وفي وقت سابق اتفق وزراء الدفاع لكلٍ من السودان وقطر وتركيا في اجتماع عقدوه في الخرطوم على زيادة التعاون الاقتصادي والأمني في منطقة البحر الأحمر.

الجدير بالذكر هنا، أن شعوب تلك الدول الأفريقية ترحب بالتواجد التركي، نظرا لما عانوه من التواجد العسكري لبعض البلدان كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ونظرا إلى انهم يعتقدون بأن تركيا إذا ما استطاعت أن تبني قواعد عسكرية لها على أراضيهم، فأنها سوف تكون قادرة على حماية مصالحهم داخل وخارج البلاد. ومن ناحية اخرى يمكن القول هنا بأن منطقة البحر الأحمر أصبحت في وقتنا الحاضر محطة لتواجد القوى العالمية، فالصينيون استطاعوا أن يجدوا لهم موضع قدم في إحدى الجزر التابعة لجيبوتي واستطاع الألمان التواجد أيضا في هذا البلد، كما أن النظام الصهيوني يتواجد في ميناء العقبة الواقع في شمال البحر الأحمر.

وهنا يمكن القول بأن انتشار القواعد العسكرية التركية في أفريقيا، سوف يساعد في دعم المحور الموالي للإخوان المسلمين المتمثل في “تركيا والسودان وقطر”، للتواجد والحضور بالقرب من الحدود المصرية وهذه القضية الحساسة هي التي زادت من التوتر في العلاقات بين تركيا ومصر وخاصة بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق “محمد مرسي” الذي كان محسوباً على حزب الإخوان المسلمين في مصر.

ولعل من أهم العواقب والنتائج المتوقعة جرّاء توسع وانتشار القواعد العسكرية التركية في أفريقيا، هو تقلص النفوذ الإيراني في هذه القارة. فلقد عملت تركيا خلال الفترة السابقة على إنشاء قطاعات اقتصادية وأمنية وساعدت أيضا على تقوية البنية التحتية لتلك البلدان الأفريقية الواقعة على سواحل البحر الأحمر وهذا الأمر سيحد بشكل كبير من نفوذ إيران في أفريقيا.

النتيجة

إن تواجد القوات التركية في منطقتي الخليج الفارسي والبحر الأحمر الاستراتيجيتين، سيجعل تركيا واحدة من أكثر المحاور تأثيراً في غرب آسيا وأفريقيا وسوف يكون بمقدورها التأثير على تلك الدول التي تقع في المياه الغربية للبحر الأحمر كمصر والسودان وأريتريا وجيبوتي والصومال وأيضا على تلك الدول التي تقع في شرق وشمال البحر الأحمر كاليمن والسعودية والأردن والكيان الصهيوني. ولقد ساعد وصول تركيا إلى المنطقة الغربية للبحر الأحمر والتعاون مع قطر والصومال والسودان، إلى إنشاء محور جديد ذو أهمية استراتيجية في هذه المنطقة ونظراً إلى التبادل اليومي لحوالي 3.3 مليون برميل من النفط في هذه المنطقة ، فلقد أصبحت منطقة البحر الأحمر واحدة من اهم الطرق التجارية الحيوية بين دول جنوب شرق آسيا وأوروبا والتواجد العسكري التركي في هذه المنطقة، سيساعد تركيا على أن تلعب دوراً هاماً في المنطقة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التواجد العسكري التركي، إلى جانب وجود بعض القواعد العسكرية لبعض الدول الغربية في جيبوتي وبالقرب من مضيق “باب المندب” الاستراتيجي، يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على الوضع الأمني في منطقة البحر الأحمر كلها، كما أن محاولات تركيا لتوسيع نفوذها في أفريقيا وإنشاء قواعد عسكرية لها على طول البحر الأحمر، سيعقد الأمور اكثر ونظرا إلى أن تركيا تسعى إلى إقامة توازن للقوى في منطقة الشرق الأوسط والوقوف بوجه المحور السعودي، فإنه يمكن القول هنا بأن هنالك محور رئيسي آخر، وهو محور المقاومة الذي يمكن أن يكون مفيداً للقادة الأتراك.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق