التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 26, 2024

ما بین أمریکا وروسیا أخطر من الحرب الباردة: إنه العد العکسی للتصادم العسکری 

العالم بأسره حالةً من الصراع والذي قد يشبهه البعض بالحرب الباردة. ويمكن القول أن قطبي الصراع العالمي، أي أمريكا وروسيا، أصبحا وفي العلن يتبادلان العداوة. ففي الوقت الذي ينشغل فيه الشرق الأوسط بنتائج الحروب الحاصلة فيه، فإن أوكرانيا تعتبر ساحة الصراع الفعلي للقطبين الروسي والأمريكي. فالحرب التي ما تزال تتصاعد بين روسيا وأمريكا، قد تكون حرباً ملتهبةً ولكن بهدوء. ولعل المؤتمر الذي انعقد في موسكو تحت عنوان “٧٠ سنة على لقاء الألب” يحتاج لوقفة متأنية لقراءة دلالاته. فماذا في المؤتمر؟ وماذا في الحرب الملتهبة بين القطبين الأمريكي والروسي؟ وكيف يمكن تحليل المستقبل السياسي للعلاقات بين البلدين؟

أولاً: مؤتمر “٧٠ سنة على لقاء الألب 

إنعقد مؤتمر “٧٠ سنة على لقاء الألب” في موسكو يوم ٢٣ من نيسان الجاري، وكانت الفكرة الأساسية التي هيمنت عليه هي: “من المهم أن نتذكر في هذه الظروف التي تشهد مواجهة بين موسكو وواشنطن، التحالف بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في سنوات الحرب العالمية الثانية”. ولعل الجميع اتفق على أن المواجهة الحالية يمكن أن تكون أخطر من الحرب الباردة، ودعوا الى إعادة إحياء التعاون العسكري بين روسيا وبلدان الناتو، لمنع وقوع حوادث خلال المناورات التي تجري على الحدود. وقد أشار دميتري ترينين وهو مدير مركز “كارنيغي” الذي نظم المؤتمر، الى أن الأزمة في العلاقات بين موسكو وواشنطن هي “حادة وجدية”، محذراً من أن نتائجها قد تكون أخطر من الإختلافات إبان الحرب الباردة، بسبب إنعدام الثقة. إن التصريحات الصادرة لها الكثير من الدلالات والتي يجب الوقوف عندها، وهو ما سنناقشه فيما يلي .

ثانياً: دلالات وتحاليل :

لعل التصريحات التي خرج بها المؤتمر تؤكد حجم ارتفاع التصادم الأمريكي الروسي اليوم. فتحليل الكلام الذي قيل يدل عن خوف هذه الجهات من نتائج الصراع المحتدم بين الطرفين والذي أصبح دون قواعد تحترم. ولكن ما سيطرحه الكاتبان غراهام إليسون وهو عالم سياسي أمريكي، وأستاذ في جامعة هارفارد، والكاتب ديمتري سايمز رئيس مركز ناشيونال انترست، في العدد المقبل من مجلة ذي ناشيونال انترست لشهري أيار وحزيران، تحت عنوان (العد العكسي للحرب: التصادم القادم بين روسيا وأمريكا – Countdown to war: The Coming US – Russia Conflict ) هو من المقالات التي تستحق المتابعة. هذا ما كتبه باتريك بوكانان المؤلف والمرشح الأمريكي السابق للرئاسة لموقع انتي وور بالإنكليزية بتاريخ ٢٣ نيسان الجاري. حيث أشار الى عدة نقاط يمكن تحليلها كما يلي :

–         إن احتمالات حدوث تصادم عسكري بين أعظم قوتين نوويتين في العالم، تتزايد وستكون أوكرانيا ساحة ذلك الصراع إذا وقع. هذا أول ما يمكن استنتاجه، فالكاتبين أشارا الى أن كندا سوف ترسل مئتي جندي إلى غربي أوكرانيا للانضمام إلى ٨٠٠ أمريكي و٧٥ بريطانياً، في مهمة تستغرق عاماً كاملاً لتدريب الجيش الأوكراني. وهذا يعني أن التدريب سيكون لمحاربة المتمردين الموالين لروسيا في أوكرانيا، والذين قال بوتين إنهم لن يُسْحَقوا، حتى لو اقتضى ذلك تدخّلَ روسيا .

–         يسأل الكاتبان عن سبب الصراع المحتدم والذي يجعلنا نسير نحو الحرب بخطىً متعثرة. يقول الكاتبان أنه ومن جانبنا، هنالك الرئيس أوباما الذي “يستمتع بمحاولة إذلال بوتين” و”يدرج روسيا بصورة متكررة، في قائمته للبلايا الحالية، جنباً إلى جنب مع “داعش” ومرض “إيبولا”. لكن الأخطر بحسب رأيهم هو ما وصفوه بأنه “النزعة المشاكسة” التي غدت “المحرك الرئيسي لسياسة الجمهوريين الخارجية”. فهنالك الآن “فريق ثملٌ بالإنتصار”، تفوح منه رائحة الفريق الذي كان يحيط ببوش الثاني، الذي تخيل الحرب نزهة مسلية، وهذا الفريق هو المسيطر الآن، وهو يدفعنا نحو المواجهة .

–         إن العقلية الأمريكية، تقابلها صورة مطابقة لها تماماً في موسكو، و”ليس بوتين الأشدّ تطرفاً بين المتطرفين”، يشير الكاتبان. “فالمؤسسة الروسية. تُصنف بمعسكر براغماتي هو المهيمن في الوقت الحالي، بفضل دعم أساسي من بوتين- و”معسكر متشدّد”، وهو الذي يدعوه مستشار بوتين معسكر “المتهورين”. ويعتقد هؤلاء المتهورون بأن السبيل إلى الردّ على التجاوزات الأمريكية هو استحضار عقيدة يوري اندروبوف(الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي عام ١٩٨٢)، التي تقوم على “تحدّي العدوّ الرئيسي”، والتلويح بالأسلحة النووية لترويع أوروبا، وشقّ صفّ حلف الناتو. فهل هذا قابلٌ للتحقيق؟

–         يحذر الكاتبان من أن الرأي العام الروسي، يتحرك باتجاه المتهورين. وقد باتت القاذفات الرّوسية تخرُق المجال الجوّي لحلف الناتو بصورة متكررة. فبوتين أشار الى أنه كان على أهبة الإستعداد لوضع القوات النووية في حالة تأهب في شبه جزيرة القرم. وهنا كيف تشكل روسيا تهديداً لأمريكا؟

–         يشير الكاتبان الى أن مدير شبكة “روسيا سيغودنيا” التلفزيونية ذكر، “أن روسيا هي البلد الوحيد في العالم القادر فعلياً على تحويل الولايات المتحدة إلى رمادٍ مُشِعّ”. كما أن “المتهورين الروس” يتخذون وجهة النظر المخالفة للدبلوماسية الروسية، كما كتب مؤلفا المقالة، “وهم يجادلون قائلين إن حلف الناتو عازم على الإطاحة ببوتين، وإلحاق الهزيمة بروسيا، وربما تمزيقها “.

إذا ً لعل بوتين رَسَم في أوكرانيا، خطّين أحمرين، هما أنه لن يسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. ولن يسمح بسحق المتمردين. ومن جهة ثانية فإن المتشددين الروس واثقون من أن روسيا، إذا اضطرّت إلى الحرب في أوكرانيا، فسوف تملك زمام ما أطلق عليه استراتيجيّو الحرب الباردة وصف “الهيمنة على التصعيد”. فالقوات الروسية تملك سهولة الدّخول الى أوكرانيا، عن طريق المواصلات البرّية والسكك الحديدية، والبحر والجوّ، ومع قُرب المسافة للجيش الروسي الذي يقف على الحدود تماماً. بينما تبعُد القوات العسكرية الأمريكية عن أوكرانيا بمقدار قارّة، مما يجعل المتشددين الروس يعتقدون بأن روسيا ستخرج منتصرة في حال وقوع حرب، وأن أمريكا سوف تضطر إلى الإختيار بين قبول الهزيمة في أوكرانيا، أو التصعيد واستخدام الأسلحة الذرية التكتيكية. وقد يكون الرئيس الروسي بوتين ينتظر ما إذا سينضم الإتحاد الأوروبي إلى أمريكا في فرض عقوبات إقتصادية إضافية، مثل استبعاد موسكو من منظومة “سويفت” للتعاملات المالية والمصرفية (التي تتيح تنفيذ التحويلات المالية المتبادلة بين البنوك العالمية إلكترونيّاً). حيث يشير مراقبون الى أن بوتين قد يميل حينها إلى الردّ، لا بالتراجع بل بإنهاء كل تعاونٍ مع الغرب، وتعبئة شعبه ضد خطر جديد ويتهدد “الأمّ روسيا”. لذلك فما بين أمريكا وروسيا أخطر من الحرب الباردة .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق