التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 26, 2024

البتاوين .. صورة صادمة للإهمال ! 

بقلم / عبدالرضا الساعدي

هي من أقدم وأعرق المناطق في بغداد ، وتاريخ بغداد المعاصر يشير إلى أهمية وجمالية هذه المنطقة قبل عقود طويلة من الزمن ، كما أنها تمثل للأخوة المسيحيين موقعا وواقعا وذاكرة وسكنا ومعتقدا ، وبفضل وجود الكنائس القديمة التي تمنح المكان طابعا خاصا للتعددية الدينية وممارسة المعتقدات والاختلاط الاجتماعي النقي وروح التسامح والسلام بين فئات الشعب الواحد منذ مئات السنين .
ومن عرف (البتاوين ) ورآها قبل عقود من الزمن ؛ سيندهش للحال الذي وصلت إليه الآن ، رغم أنها مازالت منطقة حيوية وتعج بعشرات الفنادق والمطاعم ومجمعات الأطباء والمحال والأسواق التجارية ، بمعنى أنها رئة سياحية واقتصادية ومعنوية أيضا  في قلب بغداد ، ولكنها رئة مريضة ومحطّمة ولا تصلح للعيش ، بفضل أطنان النفايات والقاذورات والتلوث البيئي المريع ، إضافة إلى مشاهد البؤس في وجوه الناس التي تعتاش على المخلفات والنفايات التي أصبحت بديلا عن الحدائق القديمة التي انقرضت ، بل أن ثمة شارع عريق وجميل يدعى ( شارع المشجّر) يعرفه أهل بغداد القدامى بجماليته وأشجاره المميزة ونكهته التي تفوح بالنسيم والخضرة والانتعاش ، هذا الشارع فقد ملامحه نهائيا تقريبا ، كما باقي الأزقة والشوارع والبيوت التراثية والحضارية القديمة فيها ، وصارت نكهة النفايات والحطام التي تزكم الأنوف وتكسر الأنظارهي السائدة في المكان ، وبإمكانكم أن تتخيلوا مستوى الإهمال والتخلف الخدمي بحيث يستيقظ المواطن صباحا ، سواء من النزلاء في الفنادق أو الجالسين في المطاعم أو المتسوقين والمتجولين من كافة المناطق والمحافظات وحتى الدول العربية وغيرها ، وهم يواجهون (حدائق ) الأزبال والأوساخ بأفضح صورها ، وأشكالها وكأن (البتاوين ) تقع خارج نطاق العاصمة ، أو أن الحكومة الخدمية  لا علاقة لها بهذا العالم المعزول عن الرعاية والخدمة .. وما تقدمه لهذه المنطقة لا يعدو مرورا بخيلا وقاحلا لا ينسجم ومستوى الحياة والحركة والزخم الحيوي والسكاني فيها.. مثلما لا ينسجم وتاريخ المكان التاريخي والإنساني والحضاري.
نعم أعرف تماما أن الكثيرين كتبوا عن هذا الموضوع الشائك  وبلا نتيجة فاعلة ومؤثرة ، ولكن هذا لا يعني أن نسكت على هذه المهزلة الدائمة والفاضحة في قلب بغداد ، بل نطالب ونطالب ونطالب المعنيين في الأمر أن ينتشلوا هذه المنطقة العريقة من محنتها الحالية التي تسيء للعاصمة ولمكانتها وحضارتها ، مثلما تسيء للمواطن الذي يضحي يوميا ويتحمل أكبر من طاقته ويدفع ضريبة حبه وبقائه ودمائه لكي تعيش بغداد بهية ونقية وجميلة ، وتعود لها صورتها كحاضرة المدن ..

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق